دفاعا عن ” بيلماون بودماون”

sxde
بيلماون بودماون بصيغة المؤنث

محمد بلقــائــد أمــايور//

تناقلت بعض المواقع الالكترونية وبعض الفاسبوكيين حدث مشاركة ” فاطمة تبعمرانت ” في الاحتفال الفرجوي ” بيلماون بودماون ” وتعددت أساليب ”جلدها ” وتنوعت بين الاستهزاء والسخرية أحيانا والقذف أحيانا أخرى ، وفي المقابل كتبت بعض التدوينات التي دافعت عن حق ” فاطمة ” في المشاركة في الكرنفال. 
في اعتقادي ـ لا يجب أن يمر هذا الحدث ” المفصلي ” في السيرة الذاتية ” لبيلماون بودماون ” دون ان نقف عنده لمحاولة التعرف على الظاهر منه والخفي ، وقد سميته مفصليا لان النسخة القادمة من بيلماون لن تكون بالتاكيد كسابقاتها ، وسنبين ماذا يعني ذلك في ما سيأتي من هذه المقالة، ومن هذا الأساس ( أي اهمية الحدث ) أردنا أن نساهم في تنوير من له القابلية للتنوير أو إسكات من لا يتقن سوى أفعال ” البصق ” والتجريح !

تثمين الموروث الثقافي رهان تنموي بامتياز :

من المتعارف عليه، أن ” القضية التنموية ” ببلادنا تكتسي أهمية قصوى في لائحة مطالب الشعب المغربي برمته وكذا في أجندة الفاعل السياسي والمدني على حد سواء، وان ” التصورات ” التنموية الجديدة والجديرة بالتبنى والإشادة هي تلك التصورات التي تنطلق من واقع المجتمع وحضنه، وهي بالضرورة تلك الروؤى التي تتعرف اولا عن ” الكائن ” في كل المجالات قبل أن تتغيـى بناء تصور تنموي قادر على ” تحقيق ” تنمية فعلية يستفيد منها الجميع.
فالتعرف على ” الكائن” سواء كان شكلا ثقافيا أو نظاما اجتماعيا أو قانونيا أو كل التمثلات التي يؤسس عليها المجتمع تفكيره وسلوكه، هو الكفيل بفهم الواقع الموضوعي أولا – وهذه ضرورة لكل الفاعلين ن مثقفين أو سياسيين أو فنانين أو حتى مواطنين عاديين، وثانيا لتحقيق اختيار صائب لكل الأدوات الممكنة لخلخلة السائد والمألوف، لان البناء ـ بناء تصور مستقبلي ، يقتضي بالضرورة هدم القديم والعتيق ، وهذه العملية (الهدم / البناء ) تندرج في عمق التحديث والتطوير- وإن شئتم في عمق ما يمكن تسميته كذلك بــ ” ثورة سوسيو-ثقافية” , 
فكيف يمكن ان تحقق ـ ثورة ( في بعدها السويسوـثقافي ) دون أن نفهم مكنزمات اشتغال ” استراتيجيات ” الأفراد والجماعات داخل النسق السوسيوـ ثقافي ؟ بل كيف يمكن أن نحقق المطلب الأول دون ان نشارك ونمارس ونتوغل في هذه الأنساق قصد خلخلتها وهدمها في أفق تشييدها من جديد ؟ هل يكفي الوقوف عن مسافة من ” المجتمع ” لنقول إننا على دراية تامة بكل النظم التي تؤطره ؟ 
ان دور ” الفاعل ” السياسي/المدني/ الثقافي ، بكل بساطة هو المساهمة في تطوير المجتمع على كل الأصعدة، بما في ذلك الجانب المتعلق بالذهنيات والعقليات، خصوصا وان هذه الأخيرة هي من يتحكم في ” سرعة التطوير ” / أو لنقل سرعة الانجاز ، فان كانت العقليات تقليدية ومتحجرة فستجنح ـ لا محالة ـ الى فرملت وكبح جماح تطوره. ادن، هذا الدور الريادي للفاعلين بمخلتف حقول اشتغالهم ( سياسي/ تقافي/ مدني …) هو أساسي لبناء المجتمع الحديث ، وفضلت تسميتهم بالفاعلين عوض النخبة ، لان هذا مصطلح ( نخبة ) ثم ” تعهيره ” ( prostituer ) وتحول مع مرور الوقت الى صفة مذمومة ونعت لفاعل سلبي خارج التاريخ عوض ان يكون صفة محمودة وتسمية لفاعل ايجابي خلاق ـ لا مجال للخوض في هذا النقاش حول النخبةـ اردت فقط ان اشير الى ان المجتمع الذي لا يملك ” نخبته ” او من يقلل من احترامها وتقديرها او يحاول النيل منها او يسعى لتضيق الدائرة عليها ، لن يكون سوى لقمة سائغة في فم كل المحاولات التي تروم استتئصال ثقافته وجدوره ، سواء كانت من الخارج بداعي العولمة او من الداخل بدافع الاستقرار السياسي و”الوحدة الوطنية ” او لنقل كل اشكال الهيمنة والإخضاع التي تتلون بتلون الزمان والمكان والمحطات التاريخية. ان مساهمة الفاعل المحلي في التعريف بالثراث المادي واللامادي لمنطقته، وانخراطه في ” مسارات ” تثمين هذا الثراث في افق توظيفه بشكل يحقق التنمية من جهة ، والمحافظة عليه وتطويره من جهة ثانية لرهان اساسي لم يعه بعد كل الفاعلين !

” بيلماون ” و الحاجة الى مزيد من الصور الصادمة :

يمكن الجزم ان العصر الحالي عصر الصورة بامتيازـ يكفي ان نتذكر صورة الطفل السوري الذي لفضه البحر، وكيف عجل بفتح أبواب أوروبا للمهاجرين السوريين في وقت لم يكن احد يهتم بقضيتهم ، وعجلت (صورة الطفل ) بتغيير سياسة أقوى الدول الاروبية (المانيا ) وحلفائها من بعدها.
يمكن أن يقول قائل، وما علاقة ذلك بمشاركة ” تبعمرانت ” في احتفال ” بيلماون ” !؟
العلاقة وثيقة ، فكلتا الصورتين صادمتين ومخلخلتين لما يسميه الجماليون ” افق انتظار المتلقى” ، فلا احد كان يتوقع ان تهاجر العائلات السورية مجابهة كل الأخطار في سبيل البحث عن ” وطن ” امن ، ولا احد كان يتوقع من ” تبعمرانت ” ان ترتدي ” جلود الماعز ” وتطوف في ازقة الدشيرة ! 
استطاعت صورة الطفل السوري ان تغير بشكل مفاجئ نظرة الراي العام وبات ينظر ويترقب ما يحدث في سوريا ـ أتحدث أساسا على الإنسان الاوربي . أما صورة ” تبعمرانت ”، فهي الأخرى صادمة بكل المقاييس، وتمكنت ـ نفترض انها عن وعي تام ـ من خلخلة السائد والمألوف، وتحولت في غضون ساعات من مجرد صورة عادية لامراة ترتدي الجلود في طقس احتفالي، الى أيقونة يمكن توظيفها عند كل حديث عن اختراق المراة الامازيغية/المغرتية للفضاء الذكوري وتمردها على القواعد السائدة وعلى الانساق السوسيوـ تقافية المؤطر لفضاءنا الجمعي !
وان اختلفت درجة ” الصدمة ” (choc ) بين الصورتين باختلاف حجم الكتلة المصدومة واختلاف نوعية ” الصدمة ” إد ان الاولى صادمة انسانيا والثانية صادمة تقافيا واجتماعيا – فبلا شك لا ينزع عن صورة ” تباعمرنت ” الدورة الصدامي رغم قلة المصدومين عدديا، فهي موجهة الى فئة من المغاربة / السوسيون بشكل خاص ممن يعتقدون بان مثل هذه الاشكال الفرجوية متجاوزة اما من منطلق ديني مجحف او من نظرة دونية تحقيرية الى كلما هو محلي فنا كان او كل اشكال الثراث المادي واللامادي الذي انتجه الانسان المغربي على امتداد قرون من الخلق والابتكار.
ومشاركة ” تبعمرانت ” في احتفال ”بيلماون بودماون ” وهي الفنانة / الشاعرة / البرلمانية/ الجمعوية والفاعلة في بيئتها وكنف مجتمعها ، تقدم لنا درسا من دروس ” المواطنة ” وتبعث برسائل الى من يهمه الأمر من أشباه المتقفين والمتقفات ممن يغردون للشرق او يزقزقون للغرب، ولسان حالها يقول : ” تمغرابيت ” كثقافة وهوية وانتماء، هي فعل ثقافي وانخراط في المحيط الاجتماعي بكل فاعلية ايجابية ”.

على سبيل الختام :

هذا ليس دفاعا عن ” تبعمرانت ” كشخص ، بل هو دفاع عن ” بيلماون بودماون ” اولا ، لان ” واقعة تبمعرانت ” ستساهم لا محالة في مزيد من اتساع رقعة مصالحة المغاربة/ السوسيون مع ثراثهم وفرجاتهم، وثانيا لانها ستحقق مزيدا من ” التطبيع ” مع حضور المراة في هذه الاحتفالات كي لا تكون حكرا على الذكور فقط ومنه في الفضاء الاجتماعي بشكل عام. وهذا ما جعلنا نوسم هذه الواقعة بــ ” اللحظة المفصلية ” في تاريخ بيلماون، تنظاف الى لحظات مفصلية اخرى مرت منها مسيرة ” بيلماون بودماون ” كلحظة الانفتاح على شعوب عالمية اخرى تمارس احتفالات مشابهة واستقدامها الى مدينة انزكان تحقيقا لمايسميه المهتمون بالفرجات بــ ” تناسج تقافات الفرجة ” .
نعلم ان المجتمع الامازيغي حافظ على مجمل موروثه الثراثي والرمزي ـ أساسا ـ بفضل نسائه، لولا السيدات الامازيغيات اللواتي حفظن ما وصل الينا اليوم لتاه في غياهب الشفوية و كيد الكائدين ! فلماذا ادن ” نساق ” ـ بدون وعي في مجمل لحظات مماثلة ـ الى جلد نسائنا وسيداتنا ممن يقدمن لمجتمعنا ما يعجز الذكور عن تقديمه !

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. الموافقة قرائة المزيد