دعا شاب، يوم الاثنين 11 يونيو 2018 ، من قرية “سريغنة” باقليم بولمان ساكنة المنطقة الى الخروج الى جبل توجد به مغارة بها كنز وفير، مما دفع حشود من الناس للحج الى عين المكان، والقى فيه الشاب كلمة دعاهم من خلالها إلى عبادة الله، وقرأ مجموعة من الآيات القرآنية، منها “فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى، ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى”. وقال أيضا: “أي شخص يختار الطريق التي سيتبعها وهو يعرفها، وسألهم لماذا يخاف الناس من البشر بينما الخوف من الله وحده”، مضيفا: “ضروري من الضربات، طيح ونوض والرزق من الله عز وجل”.
وظل المواطنون يكبرون جماعة تفاعلا مع كلمة الشاب، بعدما أنهى الخطبة الأولى وانتقل إلى الخطبة الثانية، التي كانت مكتوبة على الورق أيضا. وقال الشاب، إن الناس تعتقد ان تحت الجبل يوجد الذهب، وأنا أقول انه يوجد أغلى من الذهب، وهو ملك للعالم وليس فقط ساكنة “سريغنة”.
وفي مشهد غريب، حمل الآلاف من الساكنة الأعلام الوطنية، وجاؤوا من كل فج عميق، طمعا في “الكنز”، وقال أحدهم إنه جاء منذ فجر اليوم لمتابعة الحدث، وقطع الكثيرن مسافات كبيرة من أجل الحضور، مشيا على الأقدام، أو عبر سيارات للنقل الجماعي.وقال الشاب: “إن الجبل توجد به مغارة، بها دفینة عبارة عن كنز لا یفنى”!، وبدأت القصة عندما قام أحد شباب القریة “ح.ج”، بإخبار ساكنة القریة على أنه في أكثر من لیلة یحلم بأن مخلوقا على ھیئة رجل یخرج في منامه، لیخبره بمكان تواجد الكنز، قبل أن يلتقيه حقيقة في الجبل المذكور، حسب قوله.
والمثير في هذه الخرجة، وخرجتين أخريتين ظهرتا مؤخرا تتعلقان بالمهدي المنتظر وملائكة مكناس، أن وسائل الاعلام اهتمت بالشخص وبقصة الكنز ولم تعر قضية خروج المواطنين شيبا وشبابا نساء وأطفالا ورجالا، راجلين وراكبين لسيارات أي اهتمام ، مما يطرح العديد من التساؤلات جول هؤلاء جميعا ، أصحاب وسائل الاعلام والمواطنين ببولمان، أي عصر نحن ؟ أية ثقافة نمتلك ؟ أو أي عقل نملك؟ هل نصدق أننا مغاربة القرن 21 أو مغاربة القرون الغابرة؟؟؟هنا تعليقين للزميل الحسين بويعقوبي والزميل ابراهيم رامي حول الظاهرة المثيرة.
الحسين بويعقوبي : المتخيل الديني في استراتيجية صاحب “كنز بومالن”
بغض النظر عن السياق العام الوطني المحتقن الذي ظهرت فيه ملائكة مكناس والمهدي المنتظر وكنز بولمان، فان ما وقع بسرغينة ببولمان يبين بوضوح مدى رسوخ الفكر الخرافي المغلف بالدين في عقل جزء كبير من المغاربة. فالملاحظة البسيطة للاستراتيجية المتبعة من طرف بطل هذا الكنز تبين قدرته (أو قدرة من كان وراءه) على استثمار المتخيل الديني. البداية كانت بالحلم والالتقاء برجل أخبره بوجود كنز في الجبل. والالتجاء للحلم فيما يشبه الالتقاء بجبريل استراتجية ناجحة لاعتمادها على الاستعداد القبلي للمتلقي للايمان بذلك دون البحث عن أدلة مرئية. ثم يأتي الجبل كفظاء شاسع تسكنه قوى ما وراء الطبيعة ويتطلب جهدا للوصول اليه في احالة لجبل عرفة المقدس لدى المسلمين وقد خلق له المغاربة مثيلا في سوس بنواحي تافراوت (أفرقاد) كما خلقوا سابقا حج المسكين في ماسة وأماكن أخرى. في جبل بولمان يحضر الغار، في احالة لغار حراء، حيت اختبأ رسول الاسلام في بداية دعوته. بل ان بطل “كنز بولمان” رغم قدرته على استمالة ما يقارب 4000 شخصا(وهناك من يقول 20000)، وهم مصدقين لرؤيته، لم يثق أساسا الا في عائلته، وأقربائه، (ذوي القربى)الذين سيشكلون ذراعه الأيمن. أما “خطبته” فلا أحد يشك في كونها صيغت من طرف شخص اخر، عارف بالخطب الدينية وأسلوبها، ولذلك قرأها بطل القصة بكثير من الصعوبة وضمنها أخطاء فاذحة في نطق الكلمات لدرجة يتغير معها المعنى المقصود. والى جانب الاعتماد على المتخيل الديني، تمت اضافة المتخيل الوطني من أعلام وصور الملك وشعارات تضفي على الحدث بعدا وطنيا ودينيا.
بعدما ظهرت الملائكة بمكناس … وبعدما ادعى شخص المهدوية مؤخرا ولم يتفاعل معه أحد واعتبروه أنه يعاني من اضطرابات نفسية، ها هو شخص أخر بقرية سرغينة أطلس بإقليم بولمان يدعي أنه حلم بوجود كنز بجبل عباد المعروف بالمنطقة، .ولم يكتف بالحلم بل حول حلمه إلى حقيقة حيث دعى القبائل لتجتمع اليوم 26 رمضان استجابة لملوك الجن ووعد الناس بأن أحوالهم ستتحسن وسيحقيقوا طموحاتهم وأحلامهم وأن المنطقة برمتها سيصبح قدرها أفضل فما اكتشفه المدعي قيمته أكبر من قيمة الذهب والألماس…
ما يثير الانتباه هو أن خطابه لاقى تفاعلا وتجاوبا أكبر من السياسيين حيث تمكن من تعبئة الالاف من الناس منهم النساء والرجال، وكلهم حجوا من كل مكان لصعود الجبل الموعود رغم ما يتطلبه ذلك من مجهود كبير وبعدما وقف الناس في الجبل في طقوس أشبه بطقوس احياء عرفة في مناسك الحج… وبعدما استمعوا للخطبة التي ألقاها المدعي على مسامعهم هللو وكبروا تكبيرا كثيرا، ورفرفوا بالأعلام الوطنية في أجواء تذكرنا بذكرى المسيرة الخضراء في أجواء قل نظيرها من حيث الإنظباط خصوصا ونحن نتكلم عن الالاف وفي الخلاء ..
بعد متابعة خطبة مول الكنز والطقوس السحرية التي قال أنها ستفتح الجبل للوصول إلى الكنز إكتشف جمهور الطماعين أنهم شاركوا في أكبر مقلب من مقالب الواقع الذي يعكس أن نسبة الوعي بوطننا الحبيب كاريثية وأن برامج محو الأمية والتعليم والإعلام ووو… لم تنجح بعد في خلق واقع جديد يفنذ مثل هذه الوقائع التي تتكرر كثيرا ببلادنا.
شخصيا ما أثار انتباهي هو إقحام الأعلام الوطنية في هذه المهزلة وغياب السلطات المحلية، فربما لو تم العثور على شيء في الموقع لوقع ما لا تحمد عقباه ولتحول المكان لأرض معركة يسقط فيها عشرات الضحايا (ضحايا الجهل والفقر). ما نرصده بين الفينة والأخرى يبرز جليا أن هناك خللا ما في المنظومة الاجتماعية لوطننا وخاصة في الجانب النفسي للمواطنين الذي لم يسبق أن تم الاشتغال عليه في أي برنامج حكومي، وربما حان الوقت لاعادة النظر في مختلف البرامج المسطرة للنهوض بالمجتمع في بلادنا فواقع الحال يعكس صورة قاتمة لا تشرف المغرب ولا المغاربة.
اكتشاف المزيد من azulpress.ma
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
التعليقات مغلقة.