- بقلم سعيد الهياق //
” للغربة آهات وأوجاع لا يشعر بها إلا مَنْ تجرع مرارة العيد خارج الديار”
يا هذا…
ها نحن على مقربة من السفر إلى قضاء عيد الأضحى (عيد الكبير كما تعودنا وكما عودتنا على تسميته و نحن صغاراً) مع أسرتي.
لعلها أسرتك أيضاً ولعله بيتك الثاني.
قالتها وصدى تدوينة عيد الفطر الماضية لازالتْ ترخي بظلالها الكاسحة على مخيلتها.
أنذاك كانت التدوينة تحت عنوان ” العيد ومتاهات الغربة”؛ والتي حققت انتشاراً على صدر المواقع الإلكترونية المغربية والعربية.
وتفاعل معها بإيجابية أبناء المهجر وكل من حرمته آليات القهر الفردية والجماعية من قضاء العيد داخل الديار بين الأهل والأحباب.
لعلها تدوينة لامست إلى حد ما جوهر الحرمان من نشوة فرحة العيد بطقوس الحي والمدينة وزيارة الأهل والأحباب.
وقد تكون هذه الطقوس الجميلة الرائعة من الأسباب الكامنة وراء توديعي عالم الجندية بلا رجعة.
ألازلت تذكر يا صاح…
يوم كنا أطفالاً نجوب أزقة أسواق المدينة بلهفة لرؤية ملابس العيد منها المترامية عند الباعة المتجولين على حافة الشارع وهم يصرخون وأصوات حناجرهم تصعق الآذان:
” لا غلاء على المسكين”؛ وبالجهة المقابلة ملابس فوق العادة بألوان زاهية وبتصاميم خارقة.
لكنها داخل المرايا تسرق الأنظار من بعيد.
ألازلت يا صاح…
تذكر يوم فكرتَ أنتَ قبل أن أفكر أنا، وتجرأتَ على لمس الزجاج لتريني جمال تلك البدلة المذهلة.
وبسرعة البرق الخارق تلقيت صفعة صاعقة اخترقت الزجاج.
وكأن المجسم الثابت تمت برمجته على صفع من هم أمثالنا.
حتى لا تسول لهم أنفسهم الاقتراب من زينة ملابس ليستْ لنا؛ ولا للحلم بها.
وليبلغ الشاهد الغائب هذه أسواق الأسياد و الأعيان.
ألازلت تذكر يا صاح…
في تلك الليلة المعلومة المشهودة أطلقنا السياق للريح إلى أن وصلنا إلى ثكنة الحي ونحن نلهث.
ولما سألونا عن الخذ الشديد الحمرة لم تنطق ببنة شفة.
فقلتُ لهم كنا في سباق وقد اجتزتَ مسافة الميل بسرعة عويطة الخارقة. (مسافة الميل تساوي 1609 متر )
أمازلت تذكر يا صاح؛
في الصباح الباكر كنا نتسابق إلى ركوب الشاحنات المزينة هي الأخرى؛ والتي وحدها تستقبلنا وتنقلنا إلى المصلى ونحن نتباهى بملابس العيد الجديدة.
أما السيارات على قلتها فلها مرتادوها.
ونحن في الطريق نغني بصورة جماعية أغنيتنا المشهورة:
” ِزيدْ… زِيدْ يا شِفُورْ (السائق) شوية بالموطور يعني أسرع… أسرع أيها السائق نريد أن نسبق إلى المصلى.
والسائق هو الآخر منتشي بفرحة العيد بجانبه أولاده أو أحد من أصحابه.
كنا نعيش فرحة هستيرية جماعية بالعيد السعيد.
تلك ملحمة من ملاحم الطفولة في عز البساطة والتلاحم الأسري وعنفوان التماسك الاجتماعي.
تلك كانت نوستالجيا من الزمن الجميل.
بعد مراسيم دبح الأضحية وبعد حفل الغذاء الجماعي البهيج. اِلتمست من زوجتي وأفراد العائلة الخروج بدل القيلولة الجماعية.
قالت إلى أين أنت ذاهب يآ سيد.
إلى مقهى المسافرين الموعود.
قالت وكأنك تريد أن تعيد التدوينة؟
رفقاً يآ سيد بنا، أظن أنك قضيت أجواء العيد في أبهى وأحلى صورة جميلة على حد تدويناتك.
ما تكتبه يُرَسَل إلي من بعيد وبالتفصيل؛ حتى وإن لم أكن من أصدقائك على وسائل التواصل الاجتماعي.
يا زوجتي العزيزة ما كتبتُ إلا القليل مما يشعر به الغريب والمسافر على حد سواء.
مهما كتبت عن فرحة هذا العيد فهي مزيفة بلا طعم.
فرحة استلبت من أبناء الطبقات الشعبية بلا رحمة.
مجموعة من الأسر والعائلات لم تنعم بأضحية العيد بسبب الغلاء الفاحش للأضاحي.
والتي كانت في الأسواق بأرقام فلكية وقياسية.
وذلك لأسباب اقتصادية واجتماعية بنيوية حيرت عقول أولي الألباب.
وتصدرت أخبار الشناقة (الوسطاء ) العناوين الكبرى في غياب توضيحات من الجهات الرسمية.
وكأنهم هم السبب المباشر في حرمان العديد من الأسر والعائلات من أضحية العيد!
ذهبت بعد صلاة العصر من يوم العيد الإثنين 17 يونيو 2024 الموافق ل ١٠ من شهر ذي الحجة 1445 إلى مقهى المسافرين.
للأسف الشديد وجدته خارج الخدمة. نسيتُ أو تناسَيْتُ أنه يوم العيد.
ولربما قد يكون أحداً أزعجته التدوينة التي كنت بصدد كتابتها عن فرحة العيد المزيفة الناقصة.
أعود وأقول أنها فرحة ناقصة ومزيفة في غياب تلك الأرواح الطاهرة التي كانت تسكن بيتنا البسيط.
وكانت تسهر بحرقة على تمتيعنا بفرحة العيد كباقي الأطفال الآخرين وبدون مركب نقص.
اكتشاف المزيد من azulpress.ma
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
التعليقات مغلقة.