حيثيات الانقلاب التشريعي على الأمازيغية
في غفلة من الجميع، تقدمت الحكومة في آخر يوم من سنة 2019، يوم 31 دجنبر، بمقترح تعديل في المادة 51 من مشروع القانون التنظيمي للمجلس الوطني للغات والثقافات، وذلك بالابقاء على معهد الدراسات والابحاث للتعريب بجميع الصلاحيات والوظائف التي تأسس بها منذ بداية الستينيات من القرن الماضي، وأن لا يتم ادماجه في المجلس الوطني للغات، وفي نفس الوقت تم رفض مقترح وطلب الإبقاء على المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية خارج المجلس الوطني، وبذلك صادق مجلس المستشارين وصوت من حضر في جلسة تشريعية ليوم 31 دجنبر 2019 لصالح مقترح الحكومة، وتم كذلك نسخ الظهير المؤسس المعهد الملكي والحاقه بجميع ممتلكاته وموظفيه إلى المجلس الوطني للغات.
هذا المقترح الفجائي الذي دفعت به الأحزاب المغربية الممثلة في البرلمان، سواء المنتمية الى الأغلبية أو إلى المعارضة، كلها اتفقت على نفس الخطوات والاجراءات التشريعية والسياسية التي تستهدف فرملة الأمازيغية ومحاصرتها داخل المؤسسات بالرغم من ترسيمها في الدستور. وقد اتضح فعليا وجود فيالق قوية ومتينة داخل الأحزاب وداخل البرلمان وداخل الحكومة، تناهض الأمازيغية، وتمتلك هذه الفيالق السياسية هواجس انتقامية من الوضع الدستوري للأمازيغية، وتسعى إلى تخويف الدولة من الامتداد الأمازيغي افقيا وعموديا داخل المجتمع وفي صفوف الجماهير. إنها جيوب وشبكات تتحرك بمثابة لوبي سياسي كبير يتوزع على جميع الأحزاب ويتحكم في القرار، لوبي مهووس بالعروبة وتسكنه الفوبيا ضد الأمازيغية، لا يظهر للعلن مخافة من الرأي العام الأمازيغي، ولكن باث مؤكدا أنه يشتغل ويضغط تحت الطاولة لفرملة وخنق الأمازيغية ومحاصرتها.
إن هذه الأحزاب التي تتحكم في المشهد السياسي والحزبي منذ عقود عديدة، تدرك تمام الأدراك أن الشعب فقد فيها الثقة ولم يعد يبالي لا ببرامجها ولا بمطالبها ولا بوعودها…وأصبحت ايدولوجيتها متجاوزة جدا، جافة وعقيمة ولم تعد تستهوي أحدا….وهو كذلك، يخاف كثيرا من الخطاب الأمازيغي الذي بدأ يتنامى سياسيا، بفعل حيوية مرجعياته وقوة منطلقاته، وهو الخطاب الذي ألحق هزائم كثيرة للخطاب السياسي للاحزاب الوطنية والمتياسرة والاسلاموية، لأنه خطاب انبثق من صلب الثقافة المغربية ومن التاريخ والحضارة واحتضن كل ما وصل إليه الفكر الانساني الكوني ولكن بالاستناد على الذات والعمق الثقافي والوعي التاريخي لاستعادة الهوية الحقيقية للمغرب ومحاربة الاستيلاب كيفما كانت مصادره وأهدافه وأشكاله….
إن هذه الأحزاب التي تشتغل بمنطق الانقلاب والتي تسعى إلى جعل الأمازيغية معلقة في دستور بدون جدوى، بتجديبها تشريعيا ومحاصرتها مؤسساتيا وخلق مبررات التأخير في إطار ما يسمى بفن اللامبالاة، ترى ما يحصل في الجزائر وخاصة في المناطق ذات الكثافة الأمازيغية الكبيرة كمنطقة القبايل الكبرى، حيث سجلت نسب تاريخية غير مسبوقة في مقاطعة الانتخابات الرئاسية الأخيرة، والتي لم تتجاوز 0.02 ، تخاف كثيرا من أن لا يتكرر المشهد هنا في المغرب، وهو ما تظهر مؤشراته في بعض المناطق….وبذل أن تسهر الحكومة على التسريع بترسيم الأمازيغية في جميع المؤسسات والادارات، لاحظنا أنها تناور وتتلكأ في تطبيق الدستور، واتضح ذلك جليا في مشروع الميزانية العامة لسنة 2020 التي لم يسجل فيها أي تقدم في هذا الإطار، ولم تبرمج الحكومة أية ميزانية للنهوض بالأمازيغية وجبر الضرر لها، بعد عقود من التهميش والاقبار…
إن سعي الأحزاب المغربية إلى الحفاظ على استقلالية معهد التعريب وتمتيعه بجميع صلاحياته المالية والمعنوية، راجع بالاساس إلى ما تعرفه الأمازيغية من انتشار ومن زخم العودة إلى الذات، وأكثر ما ازعج هذه اللوبيات المهووسة بالتعريب هو ظهور دراسات وأبحاث جامعية مكتوبة بحروف تيفناغ انجزها الطلبة في جامعة ابن زهر بمدينة أݣادير داخل شعبة الدراسات الأمازيغية، وهذه سابقة تاريخية في تاريخ الأمازيغ بشمال افريقيا على مر العصور، ويدل على أننا عائدون من بعيد، قلت من بعيد، والأهم من كل هذا، أن الأمازيغية دخلت فعلا المنافسة بين اللغات عبر بوبة البحث العلمي والجامعي، دون نسيان ما تراكمه رابطة تيرا من تراكم هائل في الابداع الامازيغي المكتوب بالأمازيغية سواء بالحرف اللاتيني او الحرف الامازبغي تيفناغ، كل هذا يجعل الأمازيغية تدخل إلى ميدان المنافسة والمقارعة داخل السوق اللغوية، وهي منافسة لم تدخلها الأمازيغية منذ آلاف السنين، حين تركت المجال الكتابة والتدوين للغات القديمة كاللغة البونيقية واللاتينية والاغريقية ثم العربية والعثمانية والبرتغالية والفرنسية والاسبانية والانكليزية….كل هذه اللغات عاصرتها الأمازيغية ونافستها بالمنظومة الشفوية فقط، وإن كانت تيفناغ صامدة في مناطق بعيدة وسط الصحراء الكبرى، ومن أسرار التاريخ البشري والعالمي هو استمرارية الأمازيغية وصراعها أمام لغات قوية مدعومة بالدين والتجارة والغزو والصناعة والرأسالمال والتحديث، وبقيت الأمازيغية منتشرة وصامدة في حوالي 12 بلد افريقي…..
إن ظهور أبحاث جامعية في أكادير مكتوبة ومحررة بتيفناغ حركت النوزاع الدفينة ضد الامازيغية عند الأحزاب المغربية كلها وسارعت إلى إحداث انقلاب تشريعي مفاجئ، وهي نفس الدوافع الدفينة التي أخرجت وزير الثقافة السابق سالم حميش من جحره وينشر حوارا مطولا على موقع هيسبريس قبل يومين يهاجم فيه الأمازيغية ويدعو إلى كتابتها بالحروف العربية كما يدعو إلى عدم الجدوى في تدريس اللغة الأمازيغية….
الأمازيغية لم تمت….الأمازيغية تزدهر وتنمو ونتنشر….وتستعيد الحياة في كل لحظة ومع مرور الأيام….
3 يناير 2020
ع بوشطارت
اكتشاف المزيد من azulpress.ma
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
التعليقات مغلقة.