حول مفهوم الديمقراطية..
يعتقد الكثير من الناس وبالذات في بلدان الشمال الأفريقي والشرق الأوسط، أن الديمقراطية هي تطبيق النظام الإنتخابي والقبول بنتائج صناديق الإقتراع. والحقيقة إن صناديق الإقتراع ونتائجها من الممكن أن تتم وحتى بالطريقة الصحيحة (وبدون تزوير الذي كثيرآ ما يرافق الإنتخابات في هذه البلدان) ولكن بالرغم من كل هذا تغيب الديمقراطية عن التطبيق الفعلي…!!!
كيف يكون هذا؟
فكثيرآ ما تستغل نتائج صناديق الإقتراع من قبل التنظيمات ذات النزعة الفاشية والديكتاتورية الوصول إلى سدة الحكم وبهذف تطبيق الديكتاتورية الأحادية “Unilateral Dictatorship”والسيطرة على تسيير أمور الدولة . ولنا الكثير من التجارب التاريخية على وصول أعتى الديكتاتوريات إلى سدة الحكم بهذه الطريقة الإنتهازية كما حدث في ألمانيا في ثلاثينات القرن الماضي حيث تمكنت النازية الهتلرية في الوصول لقيادة ألمانيا عن طريق الإنتخابات وصناديق الإقتراع مستفيدة من الديمقراطية الإنتخابية وبعد وصولها إلى الحكم ألغت الديمقراطية وطبقت الديكتاتورية بل أكثر من هذا سببت في قيام الحرب العالمية الثانية ….وكذلك ما حدث في الجزائر (في ثمانينات القرن الماضي) ومصر (في الإنتخابات التي تلت الإنتفاضة الشعبية ضد نظام حسني مبارك في 2011) من وصول الفاشية الإسلامية (متمثلة في تنظيمات الإسلام السياسي والإخوان المسلمين )إلى الرئاسة وكيف قوبلت بالإنقلابت العسكرية في لباس وغطاء مدني وإنتخابي كما حدث في الجزائر بالتحالف بين الجنرالات العسكريين ومجموعة منإنتهازيي جبهة التحرير الجزائري وكما حدث في مصر بوصول العقيد العسكري السيسي إلى منصب رئيس الجمهورية.وكذلك في ليبيا حيث لم يتمكن تنظيم الإخوان المسلمين من الحصول إلى على 17% من الأصوات ولكن بدعم من دولة قطر تمكن الإسلام السياسي من شراء غالبية الأعضاء الغير منتمين لأي تنظيم حزبي وبهم كسب الإسلام السياسي الأغلبية في المؤتمر الوطني (البرلمان) وخلق الفوضى في كل البلاد التي أدت إلى قيام الحرب الأهلية التي غرقت فيها ليبيا حتى اليوم.
في بلدان الشمال الأفريقي والشرق الأوسطي تربت الأجيال المختلفة على الفكر الأحادي “Unilateral Thought” من جميع النواحي وإستمر هذا الحال منذ أزمنة قديمة وبالذات بعد مجيئ العرب من شبه الجزيرة العربية منذ ألف وأربعمائة عام .فالفكر والعقل والثقافة الأحادية هي سمة منافية بل معادية لإنتشار الفكر ذو الإتجاه التعددي الديمقراطي”Plural Democracy”. الفكر الأحادي لا يتقبل بل لا يعترف بأي شكل تعددي سواء كان ذلك إجتماعيآ أو سياسيآ أو حتى ثقافيآ.ويتعلم الأطفال منذ نعومة أظافرهم بل يغرس في أفكارهم وحتى منذ ميلادهم*هذا الفكر الأحادي وبالذات المتبني إلى الإتجاه الغيبي الميتافيزيقي….
الديمقراطية هي التعددية بأشكالها المتنوعة فالتعددية السياسية تتجلى في تواجد حرية الإنتماء السياسي ومن تم تواجد الأحزاب السياسية والتعددية الإثنية أو العرقية تتضح في وجود التركيبات الإثنية ذات الأصول الثقافية المختلفة والإعتراف بحقوقها الوطنية والتعددية الدينية وتظهر الديمقراطية أيضا في الإعتراف بحرية المعتقد والإنتمآت الدينية المختلفة.
إن اللذين يسمون نفسهم القيادات السياسية والتي تطرح نفسها لقيادة بلداننا إلى خلق الديمقراطية،نجد أن معظمها يعيش حالة نفسية معقدة من (السكيزوفرينيا) ويطرح نفسه كمحقق ومناضل من أجل تحقيق الديمقراطية بينما في قرارة نفسه (شعوريآ أو لا شعوريآ) كل ما يريد تحقيقه هو الوصول إلى السلطة والسيطرة الشاملة لتحقيق أغراضه الدفينة.فكان هتلر والقذافي يحملون نفس الشعار الذي كانوا يرددونه ألا وهو (إتبعوني وسأقودكم إلى الجنة أو سأقودكم إلى الجنة ولو بالسلاسل)…..!هذا التفكير والنابع من عقلية راعي الغنم أو المواشي الدفينة في نفسيتهم المريضة ….هو الذي يسيطر عليهم عند ممارستهم الحكم ويطبقون ديكتاتورياتهم..
الديمقراطية هي ثقافة وممارسة يومية يتعلم فيها الإنسان أسلوب الحوار والإعتراف وإحترام رأي الآخر وحتى الإختلاف معه في إطار الوطن الحداثي والعلماني وليس الشمولي الأحادي،كما تعني الديمقراطية ضرورة تعميق روح التسامح بين المواطنين ولكنها تقوم أيضا بعقاب من يخالف روحها الديمقراطية السمحة.
هذه الديمقراطية لابد من الإعداد لها في أساليب وبالأساس فيي التعليم والتربية الأسرية والتعليم الأساسي حتى تَخَلَّق الأجيال التي تقبل الإختلاف بجميع أنواعه تحت ظل التعددية الوطنية. وهذا الرأي ليس رأيآ نظريآ وبعيدآ عن المتناول تحقيقه ولنا في في التجربة التي تعيشها وتمر بها الدول الإسكندناڤية وبعض دول الشمال الأوروپي خير دليل…
تعليمنا ليس ديمقراطيآ،حوارنا ليس ديمقراطيآ،علاقاتنا الأسرية والتي تتحكم في تركيبتنا الإجتماعية ليست ديمقراطية،تربية أبنائنا لا تعترف بالديمقراطية.لابد من التخلص من العقلية الأبوية الذكورية في أسرنا (الپطراركية) التي تهيمن على خفايا نفوسنا تفكيرنا وتتضح بوضوح في ممارساتنا اليومية.إن عقلية إحترام الكبير لا تعني خنوع الصغير لسيطرة الكبير بل تعني المناقشه والحوار وتبادل الرأي فيما بينهما على أساس الإحترام المتساوي.الديمقراطية تعني إحترام المرأة والإعتراف الكامل لهابالمساواة مع الرجل لا المرأة الخادمة في البيت ولا تلك التي يفرغ فيها الرجل شحناته في. الديمقراطية هي حرية الإنتماء الثقافي والسياسي وحرية التعبير والإدلاء به بدون خوف..
هذه هي الديمقراطية التي هي أساس المجتمع الحداثي. والمطلوب إدخال هذا المفهوم في مختلف مراحل تربية الأطفال في البيت أولا وقبل كل شيئ وفي المناهج والمراحل التعليمية لإبنائنا في بواكير طفولتهم حتى يتم إستيعابه وتطبيقه بسلاسة فيمابينهم عندما يكبرون وبدون أي خجل وتفرقة.
الديمقراطية بكل بساطة وتعريف هي أسلوب حياة يجب تعليمه وتطبيق ثقافته بي أجيال الشعوب وليس فقط أن يعتبر نتيجة صناديق الإقتراع.
————————-
*و هذا الأمر مازال موجودآ حتى عند بعض الأوروپيين….
اكتشاف المزيد من azulpress.ma
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
التعليقات مغلقة.