حوار : نور الدين مفتاح يشخص أزمة الصحافة بالمغرب…
حاوره محمد أصواب لمجلة باب( نعيد نشره لأهميته).
هل نشهد اليوم بداية نهاية الصحافة الورقية في المغرب؟
نور الدين مفتاح: لا يمكن لأي مجتمع كيفما كان أن يعيش بدون صحافة. ما نعيشه اليوم هو استفحال لأزمة أطلت علينا منذ منتصف العقد الماضي. جزء من هذه الأزمة مرتبط بمزاحمة التطور التكنولوجي الهائل، والذي أسهم في دمقرطة التواصل الجماهيري. كان لهذا التطور تأثير على الصحافة الاحترافية، والتي هي ليست لا امتيازا ولا تحكما للنخبة في المعلومة والإخبار، بل هي تفرغ من أجل توفير منتوج بمستوى مهني محترم يؤدي خدمة تدخل في صميم الديمقراطية، ألا وهي ضمان حق المجتمع في الإعلام الجيد والجدي، وحقه في متابعة من يدبرون الشأن العام باستمرار، في ما يشبه المحاسبة اليومية بغض النظر عن دورية الاستحقاقات الانتخابية.
فحتى إن لم توجد الوسائط التقليدية التي نسميها بالصحافة الاحترافية، سواء كانت ورقية أو إلكترونية أو وسائل الإعلام السمعية البصرية، فالمجتمع سيخلق وسيلة للتواصل على اعتبار أن الأمر يتعلق بطبيعة بشرية.
كيف أسهمت الثورة التكنولوجية، من وجهة نظركم، في تأزيم القطاع؟
لا يخفى على أحد طغيان وسائل التواصل الاجتماعي على وسائل التواصل الاحترافي، ولكن لا أحد يحاسب وسائل التواصل الاجتماعي. صحيح أن هذه المواقع خُلقت للتواصل الإنساني بين الأفراد فيما يتعلق بحياتهم الخاصة، إلا أن الأمر سرعان ما تطور ليلامس الحياة العامة. لا ميثاق للأخلاقيات يحاسب على أساسه منتجو المحتويات في هذه الوسائط، ولا قانون يضبط الشق المتعلق بالمسؤولية في هذا النوع من الإخبار، ولا أخبار متحقق من مصداقيتها.
هل مزاحمة وسائل التواصل الاجتماعي هي وحدها من أثر سلبا على الصحافة الاحترافية؟
بالطبع لا، ما يجعلنا نطرح السؤال المخيف “هل ستختفي الصحافة؟” ليس فقط هذا المعطى، بل أمور أخرى أيضا. لا يجب أن ننسى أن أعلى عدد نسخ بلغته جريدة مطبوعة مغربية في تاريخ الصحافة المغربية هو 300.000 نسخة في اليوم وهو رقم هزيل جدا. وبالتالي، عندما وقع التحول الذي شهدناه في عادات القراءة تأثرت الصحافة بشكل كبير وسريع.
ما هي التجليات الاقتصادية لهذا الوضع؟
عندما دخل الفاعل الالكتروني والتكنولوجي بالإضافة إلى الشركات العملاقة المعروفة بالـ”غافا” (غوغل، آبل، فيسبوك وأمازون) على الخط، بدأت بعض الموارد التي كانت خاصة بالصحافة التقليدية تتأثر، ناهيك عن الإذاعات الخاصة والتي استأثرت بحصة 25 بالمائة من المداخيل الاشهارية (والتي هي في الأصل حصة الصحافة الورقية)، أضف إلى ذلك اللوحات الإشهارية، بالإضافة إلى حصة الإعلام العمومي والتي تبلغ اليوم 40 بالمائةّ، وهو أمر غير مقبول على اعتبار أن المجتمع هو من يمول هذا الإعلام. كل هذه المعطيات جعلت حصة الصحافة الورقية من سوق الإعلانات (والتي هي سوق محدودة جدا) تتراجع من 25 بالمائة إلى 8 بالمائة، الشيء الذي أثر على الاستثمار في العمل الميداني، وعلى الموارد البشرية وعدد العاملين، مما أثر على نوعية المنتوج، ثم على المتلقي، وصرنا بالتالي ندور في حلقة مفرغة. وهذا ما يجعل البعض يعتبر أن الصحافة لم تعد صالحة لأي شيء. ثم هناك معطى يتعلق بالتصور لدور الصحافة والصحافي، هل دور الصحافي يكمن في “تفجير قنبلة” في اليوم؟ هل هو الإثارة؟ أم أن دوره يكمن في البحث والتأني من أجل الإخبار والتعبئة والرقابة والمشاركة؟ هي تساؤلات كبيرة مطروحة اليوم.
ما دمتم تعتبرون أن جزءا من مشاكل الصحافة ارتبط بالتطور التكنولوجي، هل كان الحل يكمن في الانتقال في وقت معين من الورقي نحو الحامل الإلكتروني؟
يوجد بالمغرب اليوم حوالي 700 جريدة الكترونية، من ضمنها تلك المهيكلة والتي لا تتجاوز 30 جريدة، أما تلك التي تحقق ضمنها التوازن المالي فتعد على رؤوس أصابع اليد. وضعية الصحافة الالكترونية بالمغرب كارثية وليست أحسن حالا من الصحافة الورقية.
بالفعل، يسود الاعتقاد بأن الحل يكمن في الانتقال من الورقي إلى الإلكتروني، إلا أن ذلك غير صحيح البتة. بالرغم من كل ما يقال بخصوص هذه الصحافة المرتبطة بحامل جديد، إلا أنها لم تستطع أن تنتزع حصة مهمة من السوق الإشهارية، فثمن الإعلانات على الإنترنت في المغرب هو الأرخص ضمن البلدان المشابهة، كما أن بلادنا تدخل ضمن خانة الدول الأرخص من حيث أثمنة إعلانات “غافا”، فحتى يعتمد النموذج الاقتصادي لمؤسسة إعلامية إلكترونية على مداخيل إعلانات “غافا” المعروفة بـ “الأدسنس” فيلزمها تحقيق مشاهدات تصل المليار في اليوم، كما يلزمها الدخول في متاهات من الإثارة. مداخيل الصحف الإلكترونية من “غافا” اليوم جد هزيلة.
لكن، بالرغم من كل ما سبق ذكره، فإن الصحافة المغربية ستستمر، لن تختفي. على سبيل المثال، قد يكون المستشفى العمومي دون المستوى المطلوب، لكن لا يمكن للبلد أن يستغني عن قطاع الصحة العمومية. نفس الأمر بالنسبة لقطاع الصحافة.
إن الصحافة في المغرب ستظل معاشية متعثرة، تبحث عن حلول لمشاكل بدائية، ما لم نعمل جميعا على معالجة المشاكل المتجذرة. في هذا الإطار، عملنا على مستوى المجلس الوطني للصحافة على إعداد دراستين حول المقاولات الصحافية، تتضمنان 50 توصية للارتقاء بالقطاع ومعالجة مشاكله.
ما الذي يجعلنا اليوم في حاجة ماسة للصحافة؟
الحاجة إلى الصحافة ضرورة من أجل حق وازن للمواطنين في المواكبة من أجل التعبئة. من حق المواطنين أن يتابعوا عمل من يدبرون الشأن العام، ولنعط أمثلة مما يجري اليوم كالإجراءات المعتمدة لإعادة فتح الحدود، تطور الوضعية الوبائية، مستوى تقدم مشروع تعميم التغطية الاجتماعية… شخص ما يقيم في منطقة معينة يود معرفة موعد إعادة فتح طريق ما أو متى سيتم افتتاح مدرسة… شخص تعرض لظلم من جهة ما ويود أن يعرف من الناحية المؤسساتية كيفية رفع هذا الظلم، أو أن تفضح الصحافة هذا الأمر حتى تضغط على هذه الجهة لرفع الظلم… من حق المواطن أن يطلع على الإجراءات والقرارات التي تتخذها الحكومة، وهو الذي صوت لصالح أحزاب الأغلبية التي تشكلها… من حق المواطن أن يعرف أسباب خروج المنتخب الوطني، الذي يشكل جزءا من الوجدان العام للمغاربة، من منافسات كأس إفريقيا للأمم… لا أحد يمكن له أن يضمن حق المغاربة في الخبر اليقين والموثوق غير الصحافة المستقلة والجادة والأخلاقية والنزيهة.
المجتمع في حاجة للصحافة الاحترافية، أضف إلى ذلك كونها وسيلة لتقوية اللحمة الجماعية والعيش المشترك. الصحافة رئة الديمقراطية، فهي التي قد يبلغ دورها، في بعض البلدان، حد كونها تحدد مصير شعوب، فهي التي ترفع الناس إلى سدة الرئاسة وتنزلهم منها، وتدفع إلى انتخاب أناس أو إلى عدم انتخابهم.
ردا على ما قلتموه، قد يعتبر البعض أن كثيرا من هذه المهام التي تقوم بها الصحافة الاحترافية صار يقوم بها مواطنون عاديون أو مؤثرون أو حتى أشخاص يعتبرون أنفسهم صحافيين. ما الإضافة النوعية التي قد تقدمها الصحافة الاحترافية اليوم؟
يجب أن يطرح هذا السؤال بشكل معكوس: ما هي الإضافة التي يقدمها هؤلاء الأشخاص الذين يعتبرون أنفسهم بديلا للمحترفين مقارنة بما تقدمه الصحافة الاحترافية؟ إذا ما قارنت أدوار هؤلاء مع أدوار الصحافة وعدد متابعيها، ومن ضمنها الإعلام العمومي، فإن دورهم يظل هامشيا. قد تجد مادة ما لمؤثر قد حققت نسبة مشاهدة تبلغ مليون مشاهدة على سبيل المثال، لكن السؤال الذي يطرح نفسه هو عن محتوى هذه المادة وأثرها، وهل يملك هؤلاء الأدوات لتلبية حق المجتمع في إعلام ذي مصداقية أو الخلفيات المهنية والضوابط الأخلاقية للقيام بذلك؟.
ما أعتقد أن ذلك يدخل ضمن أجندتهم. هم أناس أحرار، مواطنون، يخاطبون الناس في قضايا تبدأ من “الماكياج” إلى “روتيني اليومي” إلى الجريمة، ثم بعض الحواشي، بالإضافة إلى نشر بعضهم لكم هائل من الأخبار الزائفة وهم لا يتعرضون لأي شكل من أشكال المحاسبة. أما وإن نشر صحافي مهني خبرا زائفا فإنه يقع تحت طائلة الفصل 72 من قانون الصحافة وقد يطلب منه أداء غرامة تبلغ 500.000 درهم.
الوجه الآخر للعملة هو أن ما ينشر في مواقع التواصل الاجتماعي قد صار مصدرا جديدا من مصادر الصحافة الاحترافية، فهناك مثلا صحافة البيانات الكبرى (Big Data) والتي تهتم بهذا الكم الهائل من المعطيات الذي ينشر في شبكات التواصل، ودور الصحافي المحترف هو الغربلة أو الفلترة لتقديم الخبر الصحيح.
الخلاصة هي أنه قد يكون هناك مشكل في المقروئية بالنسبة للصحافة، إلا أن العزوف لن يبلغ يوما نسبة 100 بالمائة، مادام في المجتمع أناس واعون بأن مصدر الخبر اليقين والتحليل الرصين هي الصحافة الاحترافية.
ما الحلول العملية التي تقترحونها لإنقاذ الصحافة الوطنية من الوضعية التي تعيشها؟ هل من وصفة سحرية؟
بالفعل، الأمر مثلما وصفته، ليست هناك من وصفة سحرية. بداية، يجب القطع مع “العلاج التخفيفي”، أي تلك التدخلات التي لن تسعف في إنقاذ المريض من الهلاك بل تعمل فقط على تخفيف آلامه. بل يجب أن ننتقل اليوم إلى العلاج الدائم والحقيقي. لا يرى الناس سوى شق وحيد في معالجة المشكل ألا وهو الدعم العمومي، والذي يحوز نسبة 90 بالمائة من النقاش، في حين أنه لا يشكل سوى 10 بالمائة من المشكل. رقم معاملات الصحافة الوطنية قد يبلغ اليوم مليار درهم، في حين أن قيمة الدعم العمومي لا تتجاوز 56 مليون درهم. خلال الأزمة الصحية، اضطرت الدولة إلى تعبئة ميزانية قدرها 400 مليون درهم لأداء أجور الصحافيين والعاملين في الصحف، وبالتالي فإن رقم 56 مليون درهم هزيل جدا. ويجب اليوم أن نضرب صفحا عن تضخيم النقاش حول الدعم العمومي، وإن كانت منظومته يجب أن يعاد فيها النظر.
للصحافة خصوصية تجعلها تختلف عن باقي القطاعات، بالنظر للخدمة المجتمعية التي تؤديها ولأهميتها من الناحية الديمقراطية، وذلك ما يبرر حصولها على الدعم العمومي، وإلا فكل من يزاول نشاطا تجاريا يستحق دعما من الدولة ما دام يسهم في الدورة الاقتصادية وفي التشغيل. وإذا ما اعتبرنا أن لهذه الصحافة هذه الخصوصية، وجب أن لا نخلط بينها وبين باقي القطاعات حين نكون إزاء صياغة تصور جديد لمواكبتها.
ما هو تصوركم لدور الدعم العمومي حتى يِبلغ الغاية منه؟
يجب أن يظل الدعم العمومي منظومة للمواكبة وأن يراعي وأن يدعم الإعلام الجهوي. وبعدها لا بأس أن ندعم الاستثمار في القطاع، مع خلق التوازن بين الورقي والإلكتروني، وإدماج المجلس الوطني للصحافة في كل ما يتعلق بالرفع من أداء الموارد البشرية في التكوين والرفع من الأداء الأخلاقي.
ثم إن الجرائد، كما في كل بلدان المعمور، يجب أن تعيش بقرائها ومداخيل الإعلانات، وأمنيتنا هو أن تتأهل الصحافة المغربية بمساعدة الدعم إلى اليوم الذي قد لا نكون فيه بحاجة إلى هذا الدعم العمومي. من ناحية أخرى، يجب تحصين المهنة، على اعتبار أنه إذا ما انقطع حبل الثقة بين الصحافة والمجتمع قد يصعب إعادة ربطه. وهو ما ينطبق أيضا على المجالات السياسية والحزبية والثقافية. المجتمع الذي لا يثق في صحافته لن يقتني الجرائد والمجلات ولن يُقبل على المواد الإعلامية الإلكترونية أو غيرها. واليوم هناك عجز في الثقة، وسبب ذلك يرجع لما هو موضوعي (الجانب الاقتصادي والهشاشة والأداء وصورة الصحافي في المجتمع…)، بالإضافة إلى شق ذاتي، والذي يستدعي أن نبذل جهودا كبيرة لترسيخ صورة استقلالية الصحفي لدى المواطنين.
يرتبط الأمر بالعمل على ترسيخ تعددية حقيقية. لا نقول بإعطاء الصحافة حق المزايدة والشعبوية أو أن تلعب دور المعارضة. يجب أن يحس المواطن بأهمية الدور الذي تقوم به الصحافة، ويجب الاشتغال على جميع المستويات المرتبطة بمجال الصحافة: التوزيع، الإعلانات، التكوين، الطباعة… وما دمنا أشرنا إلى التكوين، نتوفر اليوم على حوالي 80 معهدا للتكوين في مجال الصحافة، هل كل هذه المعاهد توفر التكوين المناسب؟ هناك إشكالات مرتبطة بهذا المجال، ومنها المستوى العام للتعليم ببلادنا. اعتمدنا مبدأ تعريب التعليم، ولم نبتعد كثيرا عن الفرنسية، فصرنا في منزلة بين منزلتين، وحصلنا على جيل ما بين لغتين، وجزء كبير اليوم لا هو يتقن هذه ولا تلك. والصحافي لا يُطلب منه أن يخبر الناس فقط، بل أن يوصل المادة بأسلوب ممتع ومشوق وبالتالي يجب أن يكون مالكا لناصية اللغة.
كما يجب الاشتغال على مستويات أخرى، ومن ضمنها التربية والتعليم. يجب تعزيز نوادي الصحافة في الثانويات والمدارس، وإرساء آليات لتعزيز التعاون في هذا المجال. وقد أعددنا مشروع اتفاقية للتعاون في هذا المجال. إذا كان الناس قد انقطعوا عن الصحافة، فقد وجب العمل على إعادة مد الجسور المنكسرة. كيف سنطلب من الطلبة العودة إلى قراءة الصحافة وجزء من الأساتذة الجامعيين أنفسهم لا يقرؤون لا الكتب العلمية ولا الصحف والمجلات. ولإعادة ربط هذه القنوات بين الصحافة والمجتمع، يجب على ممثلي الصحافيين أن يتحلوا بالمصداقية وعلى ممثلي المجتمع أن تتوفر لديهم الإرادة والاستعداد للعودة. هو إذن ورش كبير يجب الاشتغال عليه بعزم وتلاحم.
هل مرد هذا الأمر توتر ما بين الفاعلين والصحافي؟
العلاقة بين الفاعل الرسمي والفاعل الصحافي كانت دائما متوترة ويجب أن تظل كذلك، فهي إن لم تكن متوترة فهناك خلل ما. لكن هذا التوتر يجب أن يظل إيجابيا، وأن لا يتحول إلى سعي للانتقام أو المزايدة أو الابتزاز أو محاولة للإخضاع أو الخنوع. مشاكل قطاع الصحافة اليوم أكبر من ذلك، فهي ترتبط بنظام قيمي بأكمله. نعيش اليوم مرحلة تتسم بأزمة قيم. هل كل العازفين عن الصحافة المهنية منتشون بـ “الروتين اليومي”، لا أعتقد ذلك. وحتى إن كان جزء من المجتمع، دعنا نقول 10 ملايين، فرحون بذلك، فأين هي غالبية المجتمع؟ لا يمكن أن يكون هناك فقط 40.000 شخص في بلد الأربعين مليون يقرأون الصحف. لا يمكن أن يكون كل المغاربة تافهين. يجب إعادة مد الجسور المنكسرة. ثم إن كل من يسيئون لصورة الصحافة بالابتزاز والتجارة في القيم، ومن يحصلون على بطاقة الصحافة المهنية والصحافة منهم براء، كل هؤلاء الأشخاص مجرمون في حق الصحافة. لذلك فإن إنقاذ الصحافة مسؤولية الصحافيين والمجتمع والحكومة.
ما مرد تراجع جودة المواكبة الإعلامية للأحداث ؟ هل هناك خلل ما؟
لا تعكس الصحافة سوى الجو العام السائد في البلد. هي لا تخلق الحدث، بل تواكبه. من يخلقون الحدث يجب أن يكونوا في مستوى التطلعات. لا يمكن أن تمنح الصحافة تغطية من قيمة دوري الدرجة الممتازة إذا كان مستوى من يصنعون الحدث لا يبلغ حتى قسم الهواة !
جزء كبير من دور الصحافة يقتصر على تغطية ما هو موجود. ولأن حال واقعنا لا يخفى على أحد، فقد صرنا نكاد لا نغطي سوى الفضائح. وخذ مثالا على ذلك ما يقع في البرلمان. لا نملك تغيير الواقع. صحيح أن المغرب حقق خلال العشرين سنة الماضية أمورا معتبرة على مستوى الأوراش الكبرى، إلا أن هذه الأمور يجب أن تنعكس على ثقافة المواطن.
كقطاع يعاني من كل هذه المشاكل، كيف كان تعامل الحكومة الحالية معكم خلال ال100 يوم الأولى من عمرها ؟ وما هي انتظاراتكم في هذا الإطار؟
يجب القول بأنه خلال ال100 يوم الأولى من عمر الحكومة، باشر الوزير المكلف بالقطاع اتصالات مع المعنيين مباشرة بعد توليه المسؤولية، وأتى بتصور جديد خلال الأيام الأولى واللقاءات متواصلة. هناك إصغاء للمنظمات التمثيلية. صحيح أن حذف وزارة الاتصال في التشكيلة الحكومية السابقة كان له تأثير، لكن على أية حال، كان الأمر يستلزم نوعا من التدرج.
عقدنا لقاء تشاوريا، تتم اليوم دراسة مخرجاته، وأعتقد أن الدينامية إيجابية، على اعتبار أن الموضوع المطروح اليوم على النقاش هو ما هو مصير الصحافة في أفق 15 سنة؟ وإذا سارت الأمور بنفس الوتيرة، فسوف نكون قد اقتربنا من بداية الحل في الشق المرتبط بالحكومة، علما بأن 90 بالمائة من مشاكلنا كما أسلفت ليست مرتبطة بالسلطات العمومية بل بنا نحن ويجب أن نتعاضد.
ما تقييمكم لحرية الصحافة اليوم؟
حرية الصحافة هي مسلسل ودينامية وهي ليست محطة بداية ونهاية. كنا قد عشنا في المغرب فورة مباشرة في منتصف التسعينات عندما كان الراحل الحسن الثاني يعد للتناوب، وانتقلنا إلى تحول كبير في التعبير كان لنا شرف الإسهام فيه. يمكننا أن نقول اليوم بأن وضع المغرب أحسن بكثير من بلدان تشبهنا، هامش الحرية واسع ولكن لم نصل بعد إلى المبتغى، فالبلاد كلها في حالة انتقال ديموقراطي. أضف إلى ذلك أن هناك الكثير من الرقابة الذاتية، كما أن هناك بعض حوادث السير التي كان يمكن تجاوزها. كما أن هناك قضايا غير مستساغة كمتابعة صحافيين من أجل نشر أخبار صحيحة عن لجنة في مجلس النواب.
ما هو مطروح اليوم هو تعزيز حرية التعبير من أجل التحسين والتطوير، ونتمنى أن يكون هناك انفراج قريب، كما هو مطروح كذلك جانب المسؤولية، فيما يتعلق بالتخليق وتحصين المهنة.
بالفعل، حوالي خمس سنوات مضت على اعتماد مدونة الصحافة والنشر، ما تقييمكم لها وهل هناك اليوم حاجة لتعديلها؟
توصلنا مؤخرا بمشروع نص لتعديل بعض مقتضيات قانون الصحافة والنشر، ويتعلق الأمر بتعديلات ل10 مواد ونيف. ولكن النقط الأساسية لهذا النص تتجلى في مسألة توفر مدير النشر على الإجازة، وهو ما طرح المشكل بالنسبة لصحافيين قدامى لهم خبرة طويلة في الصحافة، ولا يمكن أن تطلب منهم اليوم الحصول على الإجازة من أجل إنشاء جريدة، وكان من المفروض أن يُضاف إلى جانب مسألة الدبلوم “شرط 10 سنوات من الممارسة”، كما أنه لم يتم استثناء المطبوعات الجامعية، وبالتالي هناك ثغرة. كما أن هناك المادة 72 حول الإشادة بالأعمال الإرهابية، نفس المقتضيات موجودة في القانون الجنائي وفي قانون الصحافة، وهو ما يطرح مشكل بالنسبة للقضاء، تقترح الوزارة أن تلغي المقتضى الوارد في قانون الصحافة ليظل التجريم جنائيا، وهي مادة مطروحة للنقاش.
عموما، شكلت مدونة الصحافة والنشر تقدما هائلا في مجال التشريع بالنسبة للإعلام وقد أتت بعد المناظرة الوطنية بالصخيرات وحوار الإعلام والمجتمع واللجنة العلمية. تم حذف العقوبات السالبة للحرية من قانون الصحافة، وتم اعتماد قانون المجلس الوطني للصحافة. هناك بالفعل أمور جد متقدمة، لكنها لا تزال في حاجة إلى التطوير. المفروض في قانون الصحافة أن يصون حرية الصحافة وأن يعطي الضمانات لمزاولة المهنة وهو ما يجب تعزيزه، كما يجب معالجة مشكل القنوات التي خُلقت بين القانون الجنائي وقانون الصحافة. بالنسبة لقانون المجلس الوطني، اكتشفنا كذلك العديد من الجوانب التي يلزمها المعالجة، ومن ضمنها مسألة التحكيم والعقوبات التأديبية وشروط منح بطاقة الصحافة، والتنظيم الذاتي وعلاقته بتمثيلية غير المنتخبين داخل المجلس والكثير من القضايا التي مازالت في حاجة للتدقيق.
ما تقييمكم لتجربة المجلس الوطني للصحافة؟
إذا ما قمنا بتقييم تجربته من ناحية التأسيس، فسنقول بأنها ناجحة، فقد تم بناء مؤسسة استطاعت تأمين استمرارية خدمة الولوج إلى المهنة، وإن كان النظام الداخلي للمجلس قد تأخر خروجه لمدة سنتين. السنة الحالية هي السنة الانتدابية الأخيرة للمجلس، ومرحلة تعزيز المكتسبات ستكون في الدورة القادمة. وسنعمل على أن يعكس المجلس إرادة مكونات الجسم الصحافي وأن يتملكه هذا الجسم.
اكتشاف المزيد من azulpress.ma
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
التعليقات مغلقة.