حوار حصري لمهدي مالك مع الباحث أحمد عصيد أو حين يبوح عصيد بكل شيء لشاب قهر الإعاقة

قبل كل شيءأعبر عن مدى سعادتي و اعتزازي بهذا الحوار الحقيقي مع مثل هذه الشخصية الاستثنائية في هذا الظرف الاستثنائي بالنسبة للإنسانية جمعاء لأن احمد عصيد بالنسبة لي ليس معادي للإسلام بالمرة بل هو يريد الاصلاح الديني لنتقدم كمسلمين على درب العلوم الانسانية دون اي تناقض مع ايماننا الديني الراسخ في القلوب .

 تقديم:

يشرفني عظيم الشرف أن أجري هذا الحوار المطول مع هرم من أهرام الحركة الأمازيغية بالمغرب، إنه أستاذ الفلسفة، الشاعر والباحث والناشط الحقوقي أحمد عصيد، الذي له مسار طويل داخل الحركة المدنية المغربية عموما، والحركة الأمازيغية على وجه الخصوص، والتي عاش كل محطاتها الكبرى منذ التحاقه بـ”الجمعية المغربية للبحث والتبادل الثقافي” سنة 1981. ترأس “جمعية مدرسي الفلسفة بالمغرب” سنة 1996، وانضم إلى المكتب المركزي لـ”اتحاد كتاب المغرب” سنة 1999، وساهم في تأسيس “المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية” الذي صار عضوا بمجلسه الإداري منذ 2002، وباحثا به بمركز الدراسات الأدبية والفنية والانتاج السمعي البصري. وبجانب ذلك

يعدّ أحمد عصيد حليفا رئيسيا للحركة النسائية المغربية، وعضوا ضمن الائتلاف المغربي لهيئات حقوق الإنسان، وقد شارك في تأسيس تنظيمات مدنية كثيرة مثل “منتدى المواطنة” و”بيت الحكمة” و”اليقظة المواطنة” و”حركة ضمير”، وأسس سنة 2009 “المرصد الأمازيغي للحقوق والحريات” الذي هو اليوم رئيس له.

صدر للأستاذ أحمد عصيد 12 مؤلفا في الفكر والأدب، ونشر منذ سنة 1979 ما يقرب من 3000 مقالة بالجرائد والمجلات المغربية والدولية، كما أعدّ العديد من البرامج الإذاعية والتلفزية لقنوات مغربية وأجنبية. وقد عمل مؤخرا على إنتاج “حلقات التنوير” على اليوتوب، يعرض من خلالها بالتحليل والمناقشة لأسباب تخلف البلدان الإسلامية.  

والأستاذ عصيد شاعر بالعربية والأمازيغية، وهو عضو مؤسس لـ”بيت الشعر بالمغرب”، وأشكره كثيرا على قبول دعوتي لهذا الحوار في موقع “أهل القرآن” بأمريكا حول جملة من  القضايا التي يُعدّ فاعلا رئيسيا فيها.

السؤال 1 من هو أحمد عصيد في سطور ؟                

هو كما ذكرتم في التقديم كاتب وشاعر وناشط حقوقي، يعمل من خلال دينامية المجتمع  المدني على الإسهام في إشاعة الفكر الديمقراطي الحديث، وإكساب المغاربة وعيا مواطنا يؤهلهم للمشاركة والبناء والتغيير، وذلك من أجل الخروج من التخلف الذي أعتقد أنه تخلف بنيوي، وقبل أن يكون اقتصاديا أو سياسيا هو تخلف فكري وقيمي.

السؤال 2 ما الذي جعلك تختار دراسة وتدريس الفلسفة ؟                             

في الحقيقة اختياري للفلسفة كان منذ التعليم الثانوي، حيث لاحظت وأنا في سن السادسة عشرة، الفرق الكبير بين هذه المادة التربوية وبين التربية الإسلامية التي كانت تحرص على أن تجعل منا مؤمنين بدون تفكير، أي فقط عبر حفظ النصوص والتسليم بها دون مناقشة أو بحث أو مساءلة، كان الفرق بين أستاذ الفلسفة وبقية الأساتذة فرقا كبيرا، حيث كان يأتينا دائما بالجديد وبمنهجية حديثة تعتمد على قراءة النصوص وتحليلها ومناقشتها فيما بيننا، فهمت منذ السنة الأولى من دراسة الفلسفة أنها مادة لا تحمل حقائق قطعية ونهائية ولا أوامر ونواهي زجرية، ولا تهديدا بعقاب أو إغراء بجزاء، وأن أفكار الفلاسفة ليست عقائد ومذاهب مغلقة بقدر ما هي دروس  تعلم التفكير المنظم والشكّ قبل التدقيق والتيقن والبحث وإعمال العقل، وأدركت بأن الفلسفة هي المادة التي تحترم فعلا الفرد وتحترم حوافزه الفكرية وطبيعته بوصفه كائنا قلقا باحثا عن الحقيقة طموحا إلى التغيير والتجاوز، ولهذا اخترتها، خاصة وأنني أتحدث عن ما بين 1978 و1980، والتي عاش فيها المغرب مرحلة قلقة طرحت فيها أسئلة كثيرة حول الوضع السياسي والثقافي وحول صراع الإيديولوجيات الذي كان على أشده. وقد صادف حصولي على شهادة الباكالوريا سنة 1980 أن قررت السلطات المغربية إغلاق شعبة الفلسفة وفتح شعبة “الدراسات الإسلامية”، التي اخترقها “الإخوان المسلمون” واستغلوها أبشع استغلال، بتحالف مع السلطة لمواجهة الفكر التقدمي والنقدي، وكان ذلك من أكبر أسباب انهيار الجامعة في المغرب، لكن رغم تلك الظروف قررت انتظار إعادة فتح الشعبة للتسجيل بها، وهكذا درست الفلسفة على يد المؤلفين الكبار لتلك المرحلة ومنهم الدكتور محمد عابد الجابري وطه عبد الرحمان وعلي أومليل ومحمد سبيلا وسالم يفوت وآخرون..

السؤال 3 متى بدأت ممارسة فن “أحواش” لأول مرة ؟        

“أحواش” هو مدرسة عريقة للشعر والفن والإيقاع، وأهم ما فيه بجانب الرقص والغناء الجماعي، الحوار الشعري المرتجل واللحظي بين شعراء يعتبرون عباقرة حقيقيين، وقد كنت منذ سن الرابعة عشرة من عمري قد شرعت في نظم الشعر باللغتين العربية والأمازيغية، وقد نظمت الشعر العربي على البحور القديمة، كما نظمت الشعر الأمازيغي على أوزانه التقليدية العريقة التي تتجاوز 48 وزنا في الجنوب المغربي وحده، ولكنني لم أستطع أن أخوض الحوار الشعري المرتجل الذي يسمى “أنعيبار” إلا في سن الثامنة عشرة سنة 1979، حيث كان من الصعب لطفل يافع أن يقف في مواجهة شعراء متمرسين وذوي صيت وسطوة، وقد كانت بدايتي موفقة، ولكنني اضررت لخوض معارك شعرية كبيرة ولسنوات طويلة لإثبات الذات أمام فطاحل النظم الذين لا يعترفون إلا بمن كانت له قدم راسخة في هذا الفن،  وقد حاورت على مدى 41 سنة 168 شاعرا نصفهم اليوم متوفى، ومنهم شعراء مسنون أدركتهم وقد تجاوزوا التسعين. ومن أهم التجارب الناجحة التي حققتها في هذا المجال تأسيس فرقة “معمورة” لأحواش سنة 1984 بالرباط، وذلك برفقة الشاعر الكبير ابراهيم لشكر، وهي فرقة ما زالت نشيطة إلى اليوم.  

السؤال 4  كيف دخلت مجال النضال الأمازيغي في عقد الثمانينات ؟        

كانت البداية مع “الجمعية المغربية للبحث والتبادل الثقافي” AMRECالتي هي أولى الجمعيات التي تأسست بالمغرب ما بين 1965 و1967،فقد قادتني الصدف لزيارة أحد الأقرباء بمستشفى ابن سينا بالرباط، فالتقيت بالسيد ابراهيم أخياط الرئيس المؤسس للجمعية المذكورة، فعرّفني على مقر الجمعية ثم على بقية أعضائها الذين كانوا كلهم من الجيل الأول المؤسس أمثال علي صدقي أزايكو وأحمد بوكوس وعبد الله بونفور والحسين مجاهد والحسين أيت باحسين والصافي مومن علي والحسين جهادي، وكنا في صميم سنوات الرصاص آنذاك حيث لم يكن متاحا لنا القيام بأنشطة علنية ما جعلنا نجتمع فيما بيننا ونلقي العروض ونناقشها داخليا في مقر الجمعية، كان اهتمامي آنذاك في مجال الأمازيغية منصرفا إلى حقل الأدب وخاصة الشعر الأمازيغي التقليدي، بعدها بدأت اهتم بكتابة المقالة للدفاع عن الحقوق الثقافية الأمازيغية، ومحاولة لفت الانتباه إلى أهمية العناية بالتنوع الثقافي الذي يعتبر ثروة رمزية حقيقية لا تتم الاستفادة منها، بسبب سياسة التهميش والطمس التي كان سببها تبني الطبقة السياسية المغربية لنموذج الدولة الوطنية الفرنسية، المبنية على مبدأ التمركز وخلق التجانس المطلق ومحاصرة عناصر التنوع ومحوها من أجل سيادة الثقافة الرسمية وحدها (بشعار العروبة والإسلام) بجانب الثقافات الأجنبية.

بعد ذلك انخرطت في جمعية الجامعة الصيفية عام 1991، كما بدأت أشارك في أنشطة مختلف الجمعيات التي تستدعيني إلى أنشطتها والتي بدأت تتكاثر بالتدريج بعد تأسيس المجلس الوطني للتنسيق.

السؤال 5 كيف كان شعورك آنذاك أمام بث التلفزة المغربية للطرب الأندلسي في مناسباتنا الدينية عموما وشهر رمضان خصوصا عند انطلاقك في نضالك الأمازيغي؟

كان الطرب الأندلسي يرمز عندنا نحن الأمازيغ وكذا عند الفئات الشعبية الناطقة بالدراجة، لهيمنة العائلات الأندلسية ـ التي كنا نسميها “أهل فاس” أو “فاسا”ـ على نسبة كبيرة من مراكز النفوذ في الدولة، كما كان يرمز عندنا للتحالف بين تلك العائلات وبين النظام السياسي الذي تبنى هذا الطرب كما لو أنه موسيقى رسمية للدولة، حيث عمل الملك الحسن الثاني على فرضه يوميا بالإذاعة المركزية، وفي التلفزيون في أيام الجمعة والأعياد، في مقابل طمس الفنون الأمازيغية وتهميشها، لقد كانت وزارة الثقافة مثلا تفرض الطرب الأندلسي في التطبيقات بمعاهدها الموسيقية، ما أنتج نخبة فنية مغتربة في معظمها عن التراث الوطني. وقد أدى هذا الوضع إلى شعورنا بالقرف والاشمئزاز من الطرب الأندلسي بسبب السياسة المتبعة من طرف النظام، وكان يبدو لنا نموذجا لرجعية الثقافة الرسمية وتخلفها. ولهذا كنا نقاطعه ونغادر أي مكان يسمع فيها، ولا ينبغي أن ننسى بأن هذه المرحلة من تاريخ المغرب كانت مرحلة انتشار الخطاب اليساري الماركسي الذي يهتم بما كان يُسمى “الثقافة الشعبية” أو “ثقافة الشعب” ضدا على الثقافة في شكلها الرسمي، والتي كانت تهدف إلى استيعاب الجمهور وإخضاعه لثوابت السلطة.

طبعا هذا الشعور تغير بالتدريج بفضل الاعتراف التدريجي بالأمازيغية من طرف السلطة العليا بالمغرب. حيث كلما ازداد الاعتراف بالثقافة المهمشة كلما ازدادت نسبة التسامح مع الثقافات الأخرى المهيمنة، وهذا يدلّ على أن العنصرية والنزعات الانفصالية إنما تخلقها السلطات الاستبدادية بسب الإقصاء الذي يطبع سياساتها.

السؤال 6  متى تم لقاؤك الأول بالأستاذ محمد شفيق ؟                   

التقيت بالأستاذ محمد شفيق سنة 1992 بمناسبة تكريمه من طرف الجمعية المغربية للبحث والتبادل الثقافي، وكنت سعيدا بأن ألقي عرضي بجانبه وهو معي في المنصة، كان عرضي حول الشعر الأمازيغي والانتقال من الشفاهة إلى الكتابة والتحديث، وقد خاطبني في نهاية عرضي قائلا: أنت تجمع بين شيئين هامين التكوين الفلسفي والأدبي وهذا معناه أنك ستعطي الكثير للأمازيغية، وقد كانت تلك بداية علاقة وطيدة بيني وبينه. حيث كنت شديد الإعجاب بعقلانية خطابه ونزاهة شخصيته وفصاحته التي لا نظير لها في اللغات الثلاث الأمازيغية،  العربية والفرنسية، وبمعرفته الدقيقة بتاريخ شمال إفريقيا بفضل المراجع الكبرى التي تتواجد جميعها في مكتبته الغنية، والتي استفدت منها فيما بعد. محمد شفيق اليوم في الرابعة والتسعين من عمره، لكنه لم يفقد شيئا من حسه العقلاني وواقعيته، أزوره كل شهر وأتحادث معه طويلا، وما زلت أذكر كيف أن الملك محمد السادس استقبله ليعينه عميدا للمعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، فاشترط عدم تقاضي أي أجر على عمله، وهو موقف نبيل يقدم نموذجا نادرا لشخص مؤمن بقضيته، مستقلا في رأيه وموقفه، ويرفض أن يدخل تحت الوصاية أو يتدخل أصحاب السلطة في عمله.

السؤال 7 ماذا كانت أهدافكم من وراء تأسيس المجلس الوطني للتنسيق سنة 1993 ؟

كان الهدف جمع شمل الجمعيات التي بدأت تتكاثر بعد ميثاق أكادير، وخلق قنوات التنسيق بينها ومحاولة بناء خطاب مطلبي مشترك وموحد، وقد شاركت في أشغال المجلس الوطني للتنسيق ما بين سنة التأسيس 1993 وسنة حله في 1997، ولم يكن عدد الجمعيات في نهاية مسار المجلس  يتجاوز 18 جمعية، ومن أهم المحطات التي شاركتُ فيها صياغة الرسالة الموجهة إلى القصر الملكي من أجل ترسيم اللغة الأمازيغية عام 1996، حيث قمت بمعية الأستاذ محمد الشامي بصياغة المسودة الأصلية التي تم تدقيقها داخل لجنة كان من أعضائها الأستاذ حسن إد بلقاسم بمقر جمعية تاماينوت بالرباط.

وطبعا كانت الخلافات الشخصية من أهم الأسباب في انفراط عقد التنسيق الوطني للأسف، وهي خلافات اندلعت بين الرؤساء المؤسسين فيما بينهم، وكذا بين الجيل القديم والجديد من الشباب الحديث الالتحاق بالحركة.

السؤال 8  متى كانت معركتك الأولى مع الاسلاميين في عقد التسعينات؟

المعركة مع الإسلاميين انطلقت في الواقع منذ سنة 1988، حيث كنت قد بدأتُ مشواري المهني مدرسا للفلسفة بمدينة تارودانت، وبما أنني كنت راغبا في تنشيط المدينة الصغيرة فقد شرعتُ في إعطاء محاضرات وتأطير النقاش العمومي مما جعل تنظيمات الحركة الإسلامية وخاصة “العدل والإحسان” و”الإصلاح والتجديد” تتنبه إلى عملي وتناصبني العداء منذ ذلك الوقت، حيث نجحت في إفشال الإذاعة المدرسية التي كنت قد أحدثتها بالثانوية، بعد أن حاولوا اختراقها ولم يفلحوا، كما قامت بدعاية واسعة في صفوف العامة تقول بأنني شخص ملحد ومعادي للإسلام. لكن المواجهة المباشرة في الصحافة كانت مع ظهور خطباء عام 1995 يتحدثون من منابر المساجد عن الجمعيات الأمازيغية بوصفها عميلة للاستعمار وضليعة في مخطط تآمري، فكانت تلك بداية المواجهة على الصعيد الوطني، خاصة وأنني أصبحت مستقرا بالرباط وعلى صلة بالجرائد والمجلات والنخب المختلفة. وقد بلغ التوتر مداه في علاقتي بالإسلاميين بعد إصدار الشيخ عبد السلام ياسين مرشد جماعة “العدل والإحسان” كتابا يحمل عنوان “حوار مع صديق أمازيغي”، حيث بعد أن قمنا في جمعية التبادل الثقافي بتنظيم لقاءات لقراءة هذا الكتاب الذي كان ضدّنا، أصدرتُ بعد عامين أي سنة 1998 كتابي “الأمازيغية في خطاب الإسلام السياسي”، الذي كان نقدا علميا لأخطاء الشيخ ياسين، وهو ما لم تقبله الجماعة فقاطعت القراءة التي نظمناها لقراءة كتابي وتلقيت بعد ذلك بعشرة أيام رسالة تهديد مما جاء فيها “لنسلخنك كما تُسلخ الشاة”، هكذا انتصرنا فكريا على الإسلاميين، ليبدأ العدّ العكسي عند بعضهم الذين قاموا بمراجعات وصاروا يعترفون بحقوق الأمازيغية مثل حزب “العدالة والتنمية”، ولكن مع استمرار رفض الخطاب العلماني للحركة الأمازيغية، واضطرار بعضهم إلى التزام الصمت أمام تطور الأحداث كما كان عليه الحال بالنسبة لـ”العدل والإحسان”، بينما سيظهر تيار آخر سيمارس العنف اللفظي والتكفير بشكل سافر وهو التيار السلفي، خاصة بعد حرب العراق وظهور “السلفية الجهادية” مع ابن لادن.  

السؤال 9 لماذا اخترت الجمعية المغربية للبحث والتبادل الثقافي مارس 1999  لإعلان عن ترجمة معاني القران الكريم الى اللغة الامازيغية برأيك ؟

لأن هذه الجمعية هي التي احتضنت أعمال السيد الحسين جهادي مترجم القرآن، حيث سبق أن نشرت له ترجمة “السيرة النبوية” إلى الأمازيغية، لكن المشكل آنذاك هو التصرف السلطوي لأجهزة المخابرات والأمن ضد الترجمة الأمازيغية للقرآن، حيث بعد صدور مقال صغير بجريدة الـ”إكونوميست” اللندنية، الواسعة الانتشار، حول هذا الموضوع، فوجئنا باضطهاد السيد جهادي، حيث اقتحمت قوات الأمن بيته وصادرت كل أوراقه وهدّدته إن هو تعامل مع الصحافة، حدث هذا سنة 1999 بضعة شهور قبل وفاة الحسن الثاني، غير أن تولي محمد السادس العرش ومبادرته بالاعتراف بالأمازيغية “مسؤولية وطنية لجميع المغاربة” وإصداره قرار تعليمها في المدارس وإحداث المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، كل ذلك جعل الأجواء تنفرج بالتدريج وبالتالي صار ممكنا للسيد جهادي أن ينشر الترجمة بدون مشاكل، وأذكر أنني قمت بالحديث مع السيد حسن أوريد آنذاك في مدينة إفران خلال ندوة دولية حول “تجديد الفكر الديني”، ووعدني بأن يردّ علي، وفعلا بعد بضعة أيام أخبرني بأنه لا أحد يرى أي مانع من وجود ترجمة أمازيغية للقرآن، ما دام مترجما للكثير من لغات العالم.

السؤال 10 ماذا كان ردّ وزارة الأوقاف والشؤون الاسلامية وقتها أو تيارات الاسلام السياسي على هذا الخبر؟

بعد نشر الترجمة جاء تنويه وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية السيد أحمد  التوفيق، وكذا السيد سعد الدين العثماني الذي كان آنذاك رئيسا لحزب “العدالة والتنمية”. حيث طبّع الجميع علاقته مع الترجمة ولم تعد تبدو لأحد تهديدا لأي شيء، مع استمرار بعض المواقف اللاعقلانية كالذي عبر عنه السيد أحمد الريسوني رئيس “حركة التوحيد والإصلاح” آنذاك عندما طعن في ترجمة القرآن إلى الأمازيغية أو العامية الدارجة معتبرا ذلك “تمييعا” للنص المقدس، وأن ترجمة القرآن تفقده لغته الإعجازية وتجعل منه نصا عاديا.

السؤال 11 ماذا كان شعورك عندما أصدر الأستاذ محمد شفيق بيانه الشهير من أجل أمازيغية المغرب في فاتح مارس 2000 ؟

أولا ينبغي التنبيه إلى أنّ تسمية البيان الأمازيغي في الصحافة بـ “بيان شفيق” جعل الكثير من الناس يعتقدون بأنه وثيقة شخصية صاغها شخص واحد بأفكاره ومجهوده الفردي، والحقيقة أنّ البيان ثمرة نقاشات طويلة لمدة أزيد من سنة، كانت تتمّ في بيت الأستاذ شفيق مع العديد من الوجوه البارزة من الحركة الأمازيغية من مختلف المناطق، ولهذا ضمّ أفكار ومواقف الحركة، وعبّر عن مستوى تطور الخطاب الأمازيغي في تلك الحقبة من التاريخ، ولكن للأستاذ شفيق فضل تحريره بلغته الراقية، سواء بالعربية أو الفرنسية.

وقد انخرطتُ في دينامية البيان الأمازيغي التي انطلقت في مارس 2000، بعد أن اطلعت عليه مباشرة، حيث كان لي موقف سلبي منه بسبب ما سمعته من الأستاذ ابراهيم أخياط، غير أنني غيرت نظرتي كليا بعد اطلاعي في بيت محمد شفيق عن نسخة البيان التي قرأتها بإمعان واقتنعت بها بنسبة 90 في المائة.

وقد نتج عن دينامية البيان كما هو معلوم بدء المفاوضات مع النظام بشأن تأسيس المعهد المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية عام 2001، وخلال السنوات التي تلت هذه الأحداث جميعها بقيت مواظبا على حضور الأنشطة الجمعوية المختلفة التي كنتُ أستدعى إليها من قبل الجمعيات المتواجدة في كل مناطق المغرب، وذلك بمعدل سبعين إلى ثمانين نشاط ثقافي في السنة.

وقد حاولت بعد ذلك المزاوجة بين عملي بالمعهد الملكي واشتغالي مع الجمعيات الأمازيغية  المختلفة، حيث كنت حريصا على توضيح سياسة المعهد في اللقاءات الجمعوية، وفي نفس الوقت حمل ملاحظات الجمعيات ومواقفها وأولوياتها إلى المجلس الإداري بالمعهد، وقد ساعد على ذلك أن الوجوه البارزة بالحركة الأمازيغية صارت أعضاء بالمجلس المذكور. في نفس الوقت واكبت تطور الخطاب الأمازيغي بالتنظير والتحسيس عبر وسائل الإعلام، وكذا خطاب “إركام” ومكتسباته التي كانت تتحقق تباعا دون أن ينتبه إلى ذلك كثير من الناس.

السؤال 12 ماهية الأسباب التي جعلتك تقرر مغادرة جمعية أخياط سنة 2002 بكل صراحة ؟

في الواقع كان ذلك بسبب خلافي مع السيد أخياط حول البيان الأمازيغي، حيث أعطانا في الجمعية وخلال اجتماع المكتب فكرة في غاية السلبية عن البيان، وصوره لنا على أنه بيان  معادي للجمعية وأنه من وحي السلطة، وأن شفيق “عميل للقصر” إلى غير ذلك من الكلام، لكن من حسن الحظ أنني بعد ذلك اتصلت بالأستاذ شفيق وطلبت قراءة البيان خاصة بعد لقاء بأكادير حدثني خلاله بعض الفاعلين الجمعويين عن الوثيقة بشكل مغاير تماما، ومعلوم أن البيان في ذلك الوقت لم ينتشر بعد بل كان نسخة وحيدة في بيت الأستاذ شفيق تخضع هناك للقراءة والتوقيع، وهذا ما حصل بعد اطلاعي على الوثيقة حيث وقعتها على الفور وكان ذلك سبب بدء الخلاف، وجدير بالذكر أن الأستاذ أخياط في مرات كثيرة قبل ذلك كان يؤاخذني على بعض الأفكار التي أعبر عنها في اللقاءات الجمعوية معتبرا إياها بعيدة عن توجهات الجمعية، وكنت أقول إن لي وجهة نظري الخاصة في بعض القضايا، هذا كله في الواقع جعلني أغادر الجمعية بعد خلاف حاد وجدال لم أكن لأخوضه في الواقع لأن الأمر لم يكن مهما بالنسبة لي، لأن عملي كان قد توسع كثيرا على التراب الوطني ولم يعد محصورا في جمعية واحدة، ما جعلها تضيق عن أسلوب عملي الذي يتميز باستقلالية يصعب إخضاعها لدواعي التنظيم.

السؤال 13 متى أدركت أن العلمانية هي شيء أصيل في مجتمعنا الأمازيغي ؟

في الواقع كان هذا منذ طفولتي وحتى قبل أن أعرف معنى كلمة علمانية، حيث تشبعت بقيمها من خلال “لجميعت” في قريتي التي هي مسقط رأسي، واكتشفت بعد ذلك بأن ذلك التمييز بين تدبير الشؤون الدنيوية للجماعة والشأن الديني أمر على قدر كبير من الأهمية، خاصة بعد اطلاعي على كتابات الفرنسيين الذين اهتموا بالتنظيم الاجتماعي لدى إمازيغن قبل نشأة  الدولة الحديثة، ولكن اللحظة الحاسمة التي تيقنت فيها من أهمية وضرورة تبني الحركة الأمازيغية  للفكرة العلمانية هي سنة 1995 عندما بدأ هجوم الإسلاميين على الحركة وعلى مطالبها المشروعة، حيث اكتشفت بأن تحقيق المطالب اللغوية والثقافية أمر غير ممكن في ظلّ المنظومة العربية الإسلامية وفي ظل القراءة الرسمية للتاريخ، كما اكتشفت بأن الاعتراف بلغة أمازيغية ليس بالسهولة التي نعتقد، ذلك لأن هذا الاعتراف من شأنه أن يغير العديد من أساليب التفكير ومن الذهنيات لدى المغاربة، وأعتقد بأن هذا ما وعى به النظام نفسه عندما قرر الاعتراف في “خطاب أجدير” بأهمية الأمازيغية في الكيان المغربي، فقد كان الخطر الحقيقي الذي يُهدد النظام وما يزال هو الإسلام السياسي، ولذلك اعتبر أن الامازيغية سيكون لها دور نقل الوعي العام من الأحادية إلى النسبية والتنوع والاختلاف، وهذا يساهم في إضعاف الإيديولوجيا الإسلاموية. وقد قادني هذا في النهاية إلى تخصيص فقرات هامة من كتابي الأول “الأمازيغية في خطاب الإسلام السياسي” لموضوع العلمانية، كما خصصت لها محاضرات كثيرة في مختلف جهات المغرب.

السؤال 14 هذا سؤال متعلق بالتاريخ، برأيك هل صحيح أن المهدي بن تومرت لما عاد من المشرق أسس دولته الموحدية وفق المنظور المشرقي الاستبدادي كما صرحت في ندوة سنة 2012 ؟

نعم، فالسبب الرئيسي الذي اضطر الموحدين إلى استعمال العنف الوحشي ضدّ قومهم من الامازيغ هو اصطدام نموذج الخلافة المشرقية مع ثقافة القبائل الأمازيغية التي لم تكن تقبل التشدد الديني، وكانت تحتكم إلى أعرافها التي تدبر بها شؤونها الخاصة، حيث لم تكن مثلا تطبق العقوبات الجسدية المسماة بـ”الحدود” بل كانت تحكم بالغرامات، كما لم يكن لديها الحكم بالإعدام بل فقط بالنفي، كما كانت تغرم العنف اللفظي والمادي وخاصة ضدّ النساء. بينما جاء ابن تومرت بخطاب الأشعرية وبتشدد فكر الغزالي وبضرورة “إحياء السنة وإماتة البدع”، وفرض الدين كنظام عام شامل مفروض بقوة السلطة، وبالطبع اعتبرت  الثقافة الأمازيغية كلها “بدعا” من هذا المنظور، فكان العنف أساس الدولة، ولكن كان ذلك التصادم سببا في انهيار الموحدين في النهاية، حيث عبر أحد المؤرخين بعد سقوطهم عن ارتياح الجميع بقوله “فتنفس الناس الصعداء”. لكن ينبغي القول بن بنيات التنظيم القبلي قد بدأت تتعرض منذ ذلك الوقت للتحطيم والإضعاف إلى أن جاءت الدولة الحديثة مع الاستعمار ليتمّ إخضاع التراب الوطني جميعه لسلطة العاصمة وتفكيك التنظيم القبلي وتعميم الشريعة الإسلامية والقوانين الفرنسية بعد الاستقلال، وإقصاء القوانين العرفية الأمازيغية من التشريع، فكانت تلك بداية النهاية بالنسبة للإسلام الأمازيغي التاريخي السمح، وبداية فرض إسلام البداوة المشرقية على المغاربة اعتمادا على مؤسسات الدولة الحديثة نفسها.

السؤال 15 ما هو موقفك الحالي من تسييس الأمازيغية ؟  

أعتقد أنه ينبغي التمييز بين “التسييس” و”التحزيب”، فالأمازيغية مُسيّسة منذ البداية، ذلك لأنها عندما تتحدث عن الحقوق الثقافية واللغوية وعن الهوية تعني في نفس الوقت ضرورة تغيير سياسات الدولة ومنظورها لنفسها وكيفية قراءتها لتاريخها، وهذا عمق السياسة، فروح السياسة هي الثقافة، والسياسة بدون ثقافة عمياء تماما لأنها ستكون بدون فكر، أما التحزيب فهو أمر آخر، لأنه يعني الجانب التنظيمي أي خلق إطار سياسي من أجل تأطير الجماهير سياسيا بهدف الوصول إلى السلطة عبر الانتخابات، وهذا مفهوم إجرائي وتقني أكثر وميداني كذلك، وأصحابه يريدون نقل ثقافتهم وفكرهم من النظري إلى التطبيق المؤسساتي، وهذا من حقهم، لكن مشكلتهم أن غالبية الأمازيغ المؤطرين في الحركة الجمعوية لا يهتمون بهذا المعنى الحزبي، فالفكرة جيدة في حدّ ذاتها من الناحية النظرية، لكن وسائلها منعدمة، وقد توفرت نفس الفكرة عند الإسلاميين وحققوها بفضل توفر جميع الإمكانيات لهم وهي وجود قواعد كثيرة في مختلف مناطق المغرب ووجود ممولين سواء داخل المغرب وخارجه وخاصة أموال البترودولار، وكذلك وجود زعامات وكل هذه الشروط لا تتوفر للأمازيغ الذين في قيم ثقافتهم يرفضون الزعامة ويفضلون التسيير الجماعي، بينما هذا لا ينفع في الحزب لأن الذي سيجمع الناس هو الزعيم صاحب الكاريزما، ورغم تغير مفهوم الكاريزم اليوم إلا أنه ما زال هو العامل الرئيسي في التحزيب.

السؤال 16 هل ترى معي أن حقلنا السياسي الوطني الرسمي حاليا مازال سجينا لايديولوجيا الظهير البربري؟

لا أعتقد ذلك، فبفضل الجهود التي بذلتها الحركة الأمازيغية وعلى رأسها جهود الراحل محمد منيب تم القضاء على هذه الإيديولوجيا التي لم تعد إلا في أذهان بعض الأفراد من الجيل السابق، أما الدولة فقد عملت نسبيا على تجديد معنى الوطنية في خطابها، وسيزداد أثر ذلك عند تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية، إن الأثر السيئ والخطير لإيديولوجيا الظهير كما عبر عنها حزب الاستقلال واليسار المغربي في مرحلة ما هو جعل الأمازيغية من المحرمات السياسية التي تحيل مباشرة على نقيض الوطنية وعلى معنى التفتيت والتقسيم ، وهذا انتهى اليوم، فلا أحد يمكن له أن يعتبر لغة رسمية عامل تقسيم للمغرب، إذ على الجميع احترام الدستور.

السؤال 17 كيف ترى مستقبل الأمازيغية في شموليتها هوية ولغة وثقافة ؟                          

أنا متفائل دائما بالنسبة للمستقبل، ذلك لأن جميع العوامل المحيطة بنا هي في صالح الأمازيغية: اندحار القومية العربية وسقوط أنظمتها، اندحار الإسلاميين وسقوطهم سواء في الحروب التي دخلوها باسم “داعش” و”جبهة النصرة” و”القاعدة”، أو باسم الانتخابات والعمل المؤسساتي حيث فشلوا في إيجاد حلول لمشاكل الشعوب التي تعاني من الاستبداد والتفقير والتجهيل، وبالمقابل هناك مسلسل المأسسة والترسيم الذي انطلق منذ سنوات في المغرب، وأعتقد أن الجانب الذي علينا العمل فيه بكثافة هو مستويان: مستوى الضغط من أجل تفعيل الطابع الرسمي خاصة بعد صدور القانون التنظيمي الخاص بهذا التفعيل في الجريدة الرسمية، ، ومستوى عمق المجتمع لجعل الأمازيغية لا تكتفي بالاعتراف الرسمي وبالقوانين والدستور وبما هو مكتوب، بل أن تصبح دينامية اجتماعية فاعلة ومؤثرة، وذلك عبر استثمار الأمازيغ في لغتهم وثقافتهم والإنتاج بها واستعمالها في الكتابة والإبداع والمقاولة، فلا مستقبل للغة ما إذا لم ترتبط بالرأسمال الاقتصادي، وبتشبث أهلها بها.

السؤال 18 ما رأيك في تيار “أهل القرآن” بأمريكا باعتبارك باحثا ومفكرا علمانيا مهتما بالشأن الديني ؟

لفت القرآنيون اهتمامي منذ سنوات حيث كنت أعتبر دائما بأن مصيبة المسلمين هي في الفقه التراثي الذي يمثل حصّارا قويا يمنع العقل من العمل بشكل طبيعي، وكنت أقول دائما كذلك بأن القرآن نص مفتوح على القراءة وإعادة القراءة حسب مستجدات كل عصر، وكنت أقول أيضا بأنّ الأحاديث هي مصدر الكثير من المشاكل بل معظمها لأن الفقهاء القدامى وضعوا الحديث قبل القرآن، مع العلم أن الأحاديث أخبار ظنية مروية عبر 200 سنة بالتقليد الشفوي قبل تدوينها، وآثار الوضع والاختلاق واضحة فيها حيث عبّرت عن طموحات سياسية واجتماعية مختلفة، وإسنادها إلى النبي واعتبارها أخبارا “صحيحة”  واعتبار كتب مثل “صحيح البخاري” و”صحيح مسلم” كتبا لا يأتيها الباطل، كان كارثة حقيقية على الفكر الإسلامي والمجتمع الإسلامي والدولة الإسلامية، وأكثر من تضرر من الأحاديث النساء اللواتي تم استعبادهن باسم البخاري ومسلم، ولهذا كنت سعيدا ان أطلع على مقالات وكتب القرآنيين الذين أعادوا للعقل وللقرآن اعتباره، كما أنهم يقومون بعمل تأسيسي نحو المستقبل عندما أدخلوا النظرة الإنسية إلى مجال الفكر الإسلامي، حيث أدى الفقه الإسلامي إلى قتل تلك النزعة منذ القرون الأولى. وما أحوجنا اليوم إلى أنسنة قراءة النصوص الدينية.

السؤال 19 ما رأيك في التنوير الاسلامي في بلادنا خلال السنوات الاخيرة ؟

التنوير الديني في بلادنا متعثر بسبب السياسة الدينية الرسمية المتبعة، حيث تعمد السلطة إلى اللعب على الحبلين عوض الحسم في اختيار الديمقراطية بقواعدها المتعارف عليها، وتأهيل ودعم فقهاء التنوير وتبني اجتهاداتهم وحلّ “المجلس العلمي الأعلى” الذي يعد رمزا لفقه عصور الانحطاط، إن رغبة السلطة في المزايدة على الإسلاميين تصل أحيانا إلى حدّ محاولة مجاراتهم وهذا يؤخر التغيير المنشود وبلوغ المواطنة المطلوبة، ولهذا لا يتعدى التنوير الديني بعض الأشخاص عوض أن يصير تيارا مجتمعيا مؤثرا، بينما يحظى دعاة التطرف والكراهية بدعم كبير وتمويل خطير يعرقل حتى عمل المؤسسات.

السؤال 21 برأيك لماذا يتجه الناس الى الالحاد في مجتمعاتنا الاسلامية ؟  

في الحقيقة إنّ الظاهرة الإلحادية لها ثلاثة أسباب رئيسية:

ـ استعمال الأنظمة والحكام للدين في المجال السياسي باعتباره من آليات التخدير والإخضاع، في غياب الشرعية الديمقراطية.

ـ ظهور الإسلام السياسي الذي أدى إلى تنفير الكثير من الشباب من الدين الإسلامي بسبب الغلو والتطرف والمواقف اللاعقلانية واللاإنسانية. وخاصة بسبب تعارض هذا النمط من التدين البدوي مع الحريات بمعناها الحديث.

ـ الانفجار المعرفي الحادث في وسائل الاتصال الحديثة وشبكات التواصل الاجتماعي، والتي جعلت الشباب يكتشفون الكثير من المعطيات التي كانوا بحاجة إلى عدة شهور أو سنوات لاستخراجها من بطون الكتب، بينما أصبحت اليوم متاحة للجميع على الأنترنيت.

السؤال 22 هل من الطبيعي أن يظهر نقاش حول “صحيح البخاري” في بلادنا الآن بينما في مصر مثلا ظهر هذا النقاش منذ  سنوات طويلة ؟

ينبغي التذكير بأن بلدان الشرق الأوسط سبقتنا إلى التنوير الفكري والديني بعقود، فقد كنا نتناول كتب العديد من مفكري التنوير في الوقت الذي كانت فيه الساحة المغربية خجولة في مثل هذه المواضيع، وذلك جراء انغلاق الساحة الفكرية لمدة عقود بسبب سنوات الرصاص، وكذا بسبب إفراط السلطة في استعمال الدين والفقه التراثي القديم والمتخلف في ترويض المجتمع، ما جعل مستوى التفكير متواضعا إلى السنوات الأخيرة، حيث حدث العكس، فقد تسلطت الوهابية والإخوانية على بلدان الشرق الأوسط لتعيدها إلى سابق عهدها من التقليد والاجترار والتزمت، بينما شهدت بلدان المغرب الكبير انفتاحا فكريا، وهكذا انقلبت الأوضاع، فعندما وصل كتاب “صحيح البخاري نهاية أسطورة” إلى مصر بمناسبة المعرض الدولي للكتاب بالقاهرة تمت مصادرته على الفور من قبل الأزهر والتنديد به بينما تم الإقبال عليه بقوة على الأنترنيت لدرجة أن مائة ألف قارئ مصري اطلعوا عليه في وقت وجيز جدا، كما كان الكتاب الأكثر مبيعا بمعرض الكتاب بتونس. لذا أعتقد أن مسلسل التطورات الأخيرة يجعل من الطبيعي أن تظهر عندنا كتب من هذا النوع في المغارب أكثر من المشارق.

هل لكم بكلمة أخيرة ؟

أتمنى التوفيق لهذا الموقع ولـ”أهل القرآن” في محاربتهم للدجل والتخلف الفكري والديني، كما أتمنى أن يحمل شباب المرحلة مشعل التنوير في كل بلدان شمال إفريقيا والشرق الأوسط، ويمضي به بعيدا من أجل تحرير العقول من قيود الفقه الجامد ومن التراث الميت في معظمه، وسلاح الشباب هو العلم وحقوق الإنسان والإبداع الفني والجمالي والنزعة الإنسية التي تنتصر دائما للإنسان حيثما كان ووُجد.

حوار نشره الزميل مهدي مالك في موقع أهل القرآن .


اكتشاف المزيد من azulpress.ma

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

التعليقات مغلقة.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. الموافقة قرائة المزيد

اكتشاف المزيد من azulpress.ma

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading