ننشر هنا تجربة مع فيروس كورونا للزميلة رجاء ميسو كما نشرتها على حسابها في الفايسبوك
” لم يخطر ببالي يوما أنني سأصاب بفيروس كورونا، كنت دائما أراه بعيدا وأرى أن احتمال اصابتي به من أساطير الخيال، حتى أتت تلك الليلة التي شعرت فيها بحرارة مرتفعة بجسمي لدرجة بدأ الاحمرار يظهر بشكل واضح على وجنتي، أسرعت أمي باعطائي دواء خافض للحرارة الذي كان متوفرا بالمنزل، أخذته وماهي هي الا دقائق قليلة حتى انخفضت درجة الحرارة، خلدت الى النوم في غرفة مشتركة مع أختي الصغيرة لكن في الصباح الباكر صحوت على صداع شديد في رأسي وألم حاد في عيناي كدت اقتلعهما، حينها شعرت أن هناك شيء غير طبيعي، غادرت غرفتي وقمت بعزل نفسي بغرفة ثانية، طلبت من عائلتي عدم الاقتراب، كنت أحاول اقناع نفسي أن الأمر بسيط وخاصة أن “السخانة وصداع الرأس” أعراض عادية جدا نتعرض لها طيلة أيام السنة. لكن بداخلي صوت يلح علي بمواصلة العزل.
عاد المساء وبدأت درجة الحرارة ترتفع من جديد لكن هذه المرة رافقها عياء وارتخاء رهيب بجسمي لا أدري ماالذي وقع تلك الليلة كنت أتصفح تطبيق الفايسبوك وحتى الجوال بات حمله ثقيلا على يدي، حاولت أن أخلد للنوم لعله التعب، لكن الأرق بات ينخر جسدي، جلست طيلة الليل أخاطب نفسي ” كورونا ؟ لا رجاء ماشي كورونا حتى واحد من معارفي المباشرين مامرض بها!! منين غادي نجيب العدوى؟ هذا غير الوسواس ”
أسئلة كثيرة و مؤرقة تدور برأسي، انتظرت الصباح وتوجهت الى مختبر “خاص” الوحيد بأكادير لاجراء تحاليل الكشف عن الفيروس. للتخلص من كل الشكوك التي تراودني، ويالها من صدمة المختبر يعج بالفوضى ولا يمكنك الحصول على رقم ترتيبي، الأول والأخير ينتظران ولا من مخاطب، بدأ الصراخ يعج المكان والحارس الذي كان يبدو انه المكلف بتنظيم العملية لا يملك جوابا … انه العبث مختبر يجري التحليلة الواحدة ب 500 درهم وتتوافد عليه عشرات الناس لا يملك جهاز رقمي يساعد على ترتيب المتواجدين.
بدأ الغضب يسيطر على الناس وبدأت الأيادي تطرق مكتب الطبيب المسؤول عن المختبر لكن على مايبدو أن هذا الأخير لم يجد حلا سوى الاتصال بقائد المنطقة الذي بدأ يطلب من الناس بصوت عال الابتعاد وترك مسافة الامان واعطى أمرا للحارس باستلام نسخ من البطائق الوطنية وهنا بدأت الفوضى تعم المكان الكل يتسارع ويركض ليكون أول من يجري الاختبار، اغضبني كثيرا تصرف المواطنين وحتى القائد الذي من المفروض ان يعد تقريرا لوزارة الداخلية ويفرض على المختبر احضار جهاز رقمي وعدم السماح للناس بالدخول دفعة واحدة، تصرفه زاد هو الاخر من التدافع، ودعوني اخبركم ان المختبر تنعدم فيه ابسط ما تم فرضه على الشركات والفنادق وباقي المؤسسات، غياب لاجهزة التعقيم لا وجود للاسفنجة الخاصة بالأحدية ولا اي اجراء من البرتوكول المعمم.
اقل ما يمكن ان يقال عنه انه بؤرة مكتملة.
انتابني غضب شديد. لن اخفيكم فكرت في العودة الى المنزل لكن جحيم الشك أبقاني جالسة منتظرة فبعدما كنت من أول من طرق باب المختبر أجريت التحليلة وكأنني اخر من قدم.
بعدما انتهيت مباشرة من اجراء الاختبار اتصلت بي الصديقة مريم التي كان من المنتظر ان التقي بها بذلك المساء، اعتذرت منها واخبرتها انني لا استطيع وان اللقاء سيتأجل الى ان تظهر نتيجة اختبار الكشف عن الفيروس، مريم التي تأسفت كثيرا ألحت علي بالتوجه إلى منزلها والجلوس معها الى حين ان تظهر النتيجة، لازلت اتذكر جملتها ” اجي جلسي معاية باباك مريض واللهم نمرضو حنا الشباب ولا يمرضو الوالدين” أخجلتني مريم بالحاحها ونبلها، وبعد نقاش طويل وافقت على عرضها وتوجهت الى منزلها وفي تلك الليلة ربطت اتصال بإحدى صديقاتي التي كنت قد التيقتها بنفس الاسبوع اخبرتني ان اختها تعاني من نفس الاعراض وانهم اتصلو بها من نادي رياضي اخبروها بضرورة اجراء التحاليل باعتبارهم مخالطين لسيدة حاملة للفيروس، هنا بدأت الشكوك تراودني بشكل أكثر.
مرت 3 أيام وكلما اقترب موعد النتائج ظهرت معي اعراض اخرى كنت غير قادرة على المشي من كثرة العياء الذي بجسمي، وصلت اللحظة المنتظرة مريم أصرت على مرافقتي للمختبر، حين وصولنا سلمت الورقة الخاصة بي للمسؤولة وبعد دقائق قليلة سمعت ممرضة تناديني باسمي من أمام مكتب بعيد “رجاء مسو ستتصل بك المديرية الجهوية لوزارة الصحة.”
لم افهم شيء وأصبت بالدهشة كنت احاول الاقتراب منها لأسئلها لماذا المديرية الجهوية ولماذا لا تسلمني ظرفا افتحه واجد فيه نتيجتي كيفما كانت، لكن يبدو أنها كانت خائفة مني وخاصة انها لم تكن مرتدية البدلة الخاصة بهم ، تفهمت الوضع حاولت اخبارها انني دفعت 500 درهم لاعرف هل انا مصابة ام لا وان اللعب باعصاب الناس غير مقبول في هذه اللحظات اجابتني انها تعليمات ولايمكن اعطائي اي معلومة اكثر مما قالته. جلست بالدرج وانا اسئل لماذا ستتصل بي المديرية الجهوية هل انا مصابة ام ان هناك مشكل اخر بالتحاليل ام ام ام…. عدنا انا ومريم الى المنزل مصدومين انتظرنا اتصال المديرية الجهوية … ولا من متصل اتصلت بالرقم الخاص بالوزارة لا من مجيب، كنت في ورطة حقيقة، عائلتي تنتظر عودتي للمنزل وانا لا اجد جوابا…. هل اجتهد واخبرهم انني مصابة ام انتظر لعل في الأمر شيء غلط ضاعت مني كل الكلمات،
وبدأت الحرارة في ارتفاع شديد الكحة الجافة وتبوريشة لدرجة اشعر “بالسخفة”، مريم بدأت تشعر بالقلق فوضعي الصحي بدأ يتطور الساعة العاشرة ليلا لا من متصل، الحل هو ان تتنقل مريم للبحث عن صيدلية لشراء دواء أكثر فعالية للحرارة، لكن مع الاسف بعد ساعة ونصف لم يعطي اي نتيجة الحرارة لازالت مرتفعة، مريم اقترحت الاتصال بالاسعاف واخدي لمصحة خاصة لاخد حقنة تساعد على خفضها. لكن سرعان ماغيرنا رأينا وجلسنا نفكر ماذا لو كنت مصابة بكورونا سأصيب المشتغلين بسيارة الاسعاف و الأطباء واحتمال من سيجلس بمكاني بعد خروجي…..وربما تكون اللائحة طويلة.
كنت بين مشنقنين الاولى مرضي وضعفي والثانية ضميري. وضعت مريم القفازات وجلست تضع لي الخل والبصل الا ان وصلت الواحدة ليلا بدأت الحرارة تخف فتوجهنا الى المختبر نطرق بابهم، حارس ليلي يطل علينا من الاعلى اخبرته انني مريضة جدا واحتاج لعلاج احيلوني ان كنت مصابة بكورونا على المستشفى رفقة المصابين واذا كنت غير مصابة أخبروني لاتوجه للمصحة بشكل عادي، الشاب لا يجد جوابا توسلته مريم الاتصال ب الطبيب صاحب المختبر اخبرها انه لا يمكنه ذلك.
لم يبقى امامي سوى حل التوجه الى المصحة لكن بمجرد التفكير في ان اصابتي محتملة وانني سأصيب اخرين لا ذنب لهم اعدل عن ذلك القرار لان الاحساس بالذنب اكثر من الموت بسبب الفيروس، جلست ابكي من الألم اخبرت مريم ان هناك حل أسهل وهو التوجه الى القيادة التابع لها المختبر، طرقنا بابها فتح مخزني طلبنا منه لقاء السيد القائد لان الامر عاجل اخبرنا ان القائد مسافر اقترح علينا الاتصال بموظف يقوم مقام القائد أثناء غيابه، اتصلنا مرات عديدة لكن الرقم مغلق، توجهنا الى مقاطعة اخرى على أساس ان القائد الاخر هو الذي يعمل معوض رسمي للقائد المسافر. طرقنا الباب شرحت مريم للمخزني ان الامر عاجل ونحتاج حضور السيد القائد…… هذا الاخير لم يأخرنا اخبرنا ان القائد في منزله نائم وانه لا يملك رقمه او بالاحرى لا يريد الاتصال به.
استغربت كثيرا …وزاد ألمي النفسي على الألم الجسدي توجهنا للعمالة واخبرناهم بما وقع، وأنني اريد ان اتكلم مع احد المسؤولين اخبرني المخزني الذي يقف امام العمالة ان الوقت متأخر ولا يوجد أي موظف بالادارة، اخبرتهم ان الامر يستحق ان يتصلو بالوالي او الكاتب العام يجب عليهم ان يعلمو ما الذي يقع بهذه المدينة “الناس كتموت المديرية الجهوية في عطلة لايمكن ان السلطة حتى هي تكون ناعسة” ..اليست حالة الطوارىء في البلاد والمفروض كما نسمع انهم لا ينامون…! ام انها مجرد شعارات ؟؟
جلست امام باب العمالة مدة طويلة ولا من مجيب، المخازنية يفكرون فقط في كيفية ابعادي عن الباب في ذلك الوقت المتأخر من الليل، مريم اخبرتهم ان ابعادنا مستحيل واننا سنظل امام الباب وعلى الجميع تحمل المسؤولية، جلست شبه مغمى علي كل ما كان بوسعهم هو مدي بقنينة ماء، مرة اخرى طلبت من المخزني الاتصال ب شاف DAI واعطائه اسمي لان المفروض اذا كنت مصابة سيسلم المختبر الاسماء للمديرية الجهوية للصحة ونسخة للسلطات الاقليمية، أخبرت المخزني ان الاتصال به هو الحل الوحيد لمعرفة هل انا مصابة لاتوجه لمستشفى الحسن الثاني ام ان بامكاني التوجه لمصحة بشكل عادي…
بعد مشاورات كثيرة اتصلو به لكن الاخير لم يحمل نفسه عناء البحث عن اسمي باللائحة اخبرهم ان بامكاني الذهاب الى المنزل وان غدا سيرون الموضوع ….
لم يعلم هذا المسؤول انني مصلوقة بالسخانة رئتي كنحس بها طايبة وبلي تنقلت من مكان لاخر غير من الحر لي فيا …
عدت الى البيت متأسفه جدا على ما يقع في هذا البلد حاولت مريم ان تضع الحامض ومواصلة وضع الخل على عنقي ورأسي الى ان نمت قليلا.
في صباح اليوم الموالي وعلى التاسعة والنصف صباحا جوالي يرن رقم عادي 0662 بامكان اي مصاب عدم الرد عليه… اجبت انها اخيرا المديرية الجهوية للصحة بجهة سوس ماسة بعدما دوزو يوم عطلة يتصلون لاخباري أنني مصابة بالفيروس لا وجود لأي ابداع في اتصالهم تخيلت انهم منعو المختبر من اخباري على اساس ان لديهم طريقة واااو … طلبو مني التوجه لمستشفى الحسن الثاني لا أكثر ولا أقل …بالفعل توجهت دون اي تأخير، وبعدما وصلت تحققو من ان اسمي ضمن لائحة المصابين ثم طلب مني الانتظار مند الساعة العاشرة صباحا وبعد كل نصف ساعة اتوجه اليه سيدي تعبت من الانتظار انا مريضة ولا استطيع الوقوف تحت الشمس واحتاج مرحاض جوابه المستمر انتظري… انتظري… انتظري… الى حين وصلت الساعة 12.30 ما يقارب ساعتين ونصف وانا انتظر لا من مجيب حملت نفسي وعدت الى البيت.
بعدها بساعتين جوالي يرن 0667 انها المديرية الجهوية من رقم اخر وشخص اخر يتصل لاخباري مرة اخرى انني مصابة اخبرتهم انني تلقيت الخبر صباحا وتوجهت الى المستشفى لكن الأمر لا يستحق التنقل،حاولت السيدة اقناعي بالعودة مرة اخرى اخبرتها انني غير قادرة الحرارة اتعبتني، بعدها بنصف ساعة تتصل المديرية مرة اخرى من رقم اخر 0668 هذه المرة رجل يتصل يخبرني من جديد انني مصابة شعرت انهم علبة صوتية يكررون نفس الجملة انه العبث فبعد كل ذلك التأخير في ليلة كدت اموت فيها الكل يتسابق للاتصال اليس الاجدر ان أول من اخبرتني صباحا هي من وجب عليها مواصلة تتبع الحالة الى ان يتم استقبالي بالمستشفى، للاسف الكل يركض لملىء ملفه الإخباري لجنة يقضة فاشلة همها فقط الشكليات وإعطاء تقارير بانها اخبرت المصابين لا احد يهتم بحياتهم
لا يهمها مع من تتنقل وكيف تصل الى المستشفى ومن هم المخالطون …
وبعد الكثير من التدخلات تم نقلي لمستشفى الحسن الثاني بسيارة اسعاف واجريت الفحوصات على الساعة الرابعة مساء ليخبروني بمنتصف الليل ان بامكاني مغادرة المستشفى ومتابعة العلاج بالمنزل لكن سرعان ما تدهور وضعي الصحي بعد يومين وعادت سيارة الاسعاف لتعود بي الى المستشفى، بعد ان وصلنا المستشفى وقفت سيارة الاسعاف امام باب الادارة لاصطحاب ملفي قبل دخولي للجناح 6 سمعت الطبيب يسأل الشاب بسيارة الاسعاف ماذا هناك؟ اجابه: سيدة بالداخل كانت هنا قبل يومين ويبدو ان الاعراض تضاعفت وغير قادرة على التنفس.
اجابه الطبيب “تقحبين” لقد سمعته جيدا صدمت كثيرا من جوابه اوجعتني الكلمة لان هذا الطبيب لم يكشف بعد عن وضعي الصحي ولم يرى بعد حتى وجهي، شعرت بحكرة كبيرة حتى الجانب النفسي بات عاجزا عن مساعدتي، طلب مني الشاب النزول لتعبئة ملفا جديد لان الحارس اقفل الباب على الملفات القديمة، سألته عن اسم الطبيب لكن الشاب كان خائفا لانه علم انني سمعته، نزلت من سيارة الاسعاف تفاجئت الطبيب رجل ستيني وقبل ان اعطيه المعلومات اجبته “دكتور انا ماجاياش لدار باك”
وعيب انسان بحالك نتوسلو الرحمة بين يديك يتكلم كلام ساقط ” الطبيب توثر في الكلام واخبرني ان ماسمعته لم اكن معنية به، اخد المعلومات وتم وضعي في المستشفى بالجناح 6 لمدة خمسة أيام.
في المستشفى كل شيء كان مختلف لكن يبقى مجهود بعض الضمائر يستحق الشكر فالف شكر للماجورة خديجة شهبون والممرض عبد الله الجداوي على ضميرهم العالي.
وشكرا للصديقة البطلة مريم الادريسي التي عاشت معي تفاصيل المرض لحظة بلحظة والتي رغم انها لمست جسمي المحترق في تلك الليلة الحمد لله لم تصب بالفيروس.
شكرا لجميع من تدخل لأكون بخير.
انا الحمد لله شفيت نهائيا من فيروس كورونا لكن أصبت بمرض الخوف من ضمائر ميتة بهذا الوطن. ”
رجاء مسو.
اكتشاف المزيد من azulpress.ma
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
التعليقات مغلقة.