حصون ضاربة في عمق التاريخ :

رحلة خارج الزمن إلى " إكودار " أو أكادير إكونكا

مينة الحدادي

 

رحلة خارج الزمن إلى إكودار أو أكادير إكونكا .

أحجار مستطيلة ، طراز معماري أصيل ، أساسات صامدة أمام عوادي الزمن ، أبواب تاريخية ، رائحة التراب ، أرض صلبة ، أبراج مراقبة تلقي التحية مرحبة بالزائرين ، سور عريض و كبير و ممتد ، حراسة دقيقة …..هذه أول ما واجهتنا به ” إكودار ” بأيت باها ، حيث وقف المرشد بطريقة قدسية و كأنه لا يريد التشويش على ذاكرة الأهالي ، صمت مطبق و صوت المرشد هادئ و كأنه يخرج مع كل معلومة زفرة عميقة ملآى خوفا من الضياع على هذه المعلمة الضاربة جذورها في عمق التاريخ .
وقفنا أمام المرشد منتبهات لتوضيحاته التاريخية الدقيقة عن سبب التسمية وتاريخ هذه المخازن الجماعية و التي تعود إلى القرن السابع عشر على شكل حصن مجهز بأبراج مراقبة و بعد أن عرفنا بالشكل المعماري الخارجي لإكودار و مرافقه ، ولجنا من باب خشبي عتيق جدا ، لحظتها تذكرت رواية” أرض زيكولا ” و السرداب الذي سار فيه البطل ، غير أنني في هاته  المرة لم أكن أقرأ رواية بل كنت أمشي بكل ثقة  و حقيقة بين جدران شاهدة على ماض عريق.أأخبرنا أنها تضم حوالي 147 حجرة للتخزين مثبتة على واجهتين و بينهما ممر طويل، و نحن نتأمل بكل شغف ، كان المرشد يواصل شرحه متشبتا بجغرافية جبلية وعرة ، و ذاكرة تاريخية عصية على النسيان تعود لأكثر من 300 سنة .
لقد كانت هذه المخازن في زمن مضى رمزا للتكتل القبلي و التضامن و التكافل العشائري ، فالزائر لإكودار أيت باها يشم رائحة تراب لا يخطئه أنف عاشق

للتراث ، شغوف بعبق الثقافة ، حيث يرى هذا الحصن الشاهد على عظمة     وثراء الثقافة و المعمار الأمازيغي المغربي الأصيل .

إن هذه المخازن الجماعية تعد مكانا للمحافظة على المحصول السنوي من الحبوب و الممتلكات و الأغراض الثمينة و الحلي لأهالي المنطقة و كذا الوثائق العدلية ، ” إنها أقدم نظام بنكي عرفته الإنسانية ” على حد تعبير الباحث خالد ألعيوض .
إضافة إلى كونها بنكا ،لاننسى دورها في الحماية من الآفات الطبيعية مثل الجفاف أو القحط ناهيك عن كونها حصونا منيعة أمام التقلبات السياسية و الاجتماعية حيث تتحول إلى ملاجئ و مخابئ للسكان و أحيانا أخرى تصبح مكانا لاجتماع أعيان المنطقة للتداول في شؤون القبيلة و فضاء لعقد الصفقات التجارية .
عموما ستظل ” إكودار ” باشتوكة أيت باها صرحا قويا شاهدا على نظام تدبيري مجتمعي ناجح ،شامخ ، واقف أمام تقلبات الزمان ، نابضا بروح مجلس القرية أو القبيلة أو ما يدعى بالأمازيغية ب ” انفلاس ” و الذي كان حكيما في تسيير هذه المخازن الجماعية طيلة القرون السابقة .
هذا هو مغربنا الحبيب ، الغني بتاريخه و المتنوع بجغرافيته ، العميق بثقافته و المتعدد بروافده .

 

 


اكتشاف المزيد من azulpress.ma

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

التعليقات مغلقة.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. الموافقة قرائة المزيد

اكتشاف المزيد من azulpress.ma

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading