حتوس* : تحديات تفعيل رسمية الأمازيغية بالإدارة المغربية*

مساهمة في اليوم الدراسي الذي نظمه مركز شروق وحزب التجمع الوطني للأحرار

 

تعزيز المخطط الحكومي المندمج لتفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية حتى يكون في مستوى ضمان الامن اللغوي للمرتفقين، ويساهم في تعزيز التأكيد الدستوري على أن الأمازيغية رصيد مشترك ورسميتها تهم المغاربة بدون استثناء

محاولة الإحاطة بتحديات تفعيل رسمية الأمازيغية بالإدارة العمومية كما هو منصوص عليه في القانون التنظيمي رقم 16-26 ،المتعلق بمراحل تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية وكيفيات إدماجها في مجال التعليم ومجالات الحياة العامة ذات الأولوية، ليس بالأمر الهين كما قد يبدو للبعض. فرغم وضوح النص الدستوري فيما يتعلق بالعلاقة بين الإدارة والحكومة فإن الواقع عنيد جدا.

تنص المادة التاسعة والثمانون من الدستور على أنه ” تمارس الحكومة السلطة التنفيذية.  تعمل الحكومة، تحت سلطة رئيسها، على تنفيذ البرنامج الحكومي وعلى ضمان تنفيذ القوانين. والإدارة موضوعة تحت تصرفها، كما تمارس الإشراف والوصاية على المؤسسات والمقاولات العمومية”. لكن، ولئن وضع المشرع الدستوري الإدارة تحت تصرف رئيس الحكومة، فإن البيروقراطية الإدارية غالبا ما تجعل الحكومات تحت رحمتها، إذ بإمكان شعب الموظفين إنجاح الأوراش المفتوحة من طرف الحكومة كما أنه بإمكانهم وضع عصا غليظة في عجلتها.

الجميع يعرف بأن رؤساء الحكوماتـ في اغلب بلدان العالم، يعبرون عن خيبة أملهم من أداء الإدارة، وغالبا ما يعتبرونها مسؤولة عن فشل حكوماتهم. في بعض البلدان هناك حديث عن مسؤولية اللوبيات الإدارية والمزاج الإداري في إفشال عمل الحكومات والتحكم في مصائر المسؤولين السياسيين.

الأمر ليس إذن استثناء مغربيا، حتى فرنسا التي تعتبر مهد جوانب مهمة من مبادئ وأسس الإدارة الحديثة كما نعرفها حاليا، (يراجع في هذا الشأن ما يسمى في الأدبيات السياسية والإدارية الفرنسية بالإدارة النابوليونية  “L’administration Napoléonienne“)،  تعاني الأمرين مع البيروقراطية الإدارية؛ ففي كتاب قيم صدر سنة 2011 حول الموضوع تحت عنوان “Les fonctionnaires contre l’Etat ” ، أشارت الباحثة الفرنسية “ Agnès Verdier-Molinié” إلى أن العديد من مشاريع الإصلاح في فرنسا سقطت ضحية جيش الموظفين كما تسميه.

في المغرب يمكن اعتبار تاريخ العلاقة بين الحكومات المتعاقبة والإدارة، تاريخا لإفشال الإصلاحات والبرامج الحكومية. هذا التاريخ هو الذي أشار إليه الملك بالنقد في خطاب العرش لسنة 2017، حيث قال جلالته “ أما الموظفون العموميون، فالعديد منهم لا يتوفرون على ما يكفي من الكفاءة، ولا على الطموح اللازم ، ولا تحركهم دائما روح المسؤولية. بل إن منهم من يقضون سوى أوقات معدودة ، داخل مقر العمل، ويفضلون الاكتفاء براتب شهري مضمون ، على قلته ، بدل الجد والاجتهاد والارتقاء الاجتماعي. إن من بين المشاكل التي تعيق تقدم المغرب، هو ضعف الإدارة العمومية، سواء من حيث الحكامة ، أو مستوى النجاعة أو جودة الخدمات، التي تقدمها للمواطنين. وعلى سبيل المثال، فإن المراكز الجهوية للاستثمار تعد، باستثناء مركز أو اثنين، مشكلة وعائقا أمام عملية الاستثمار، عوض أن تشكل آلية للتحفيز، ولحل مشاكل المستثمرين، على المستوى الجهوي، دون الحاجة للتنقل إلى الإدارة المركزية”. (انتهى كلام جلالة الملك).

أزمة الإدارة المغربية كانت أيضا موضوع العديد من التقارير الرسمية، نذكر من بينها تقرير المجلس الأعلى للحسابات (صدر سنة 2017) الذي أوصى بإعادة الإعتبار لمنظومة القيم داخل المرفق العمومي، كما نذكر تقريرا حول حكامة المرفق العام صدر عن المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي (صدر سنة 2013)، الذي خَلُصَ من بين ما خَلُصَ إليه إلى أن إدراك المرتفقين للمرافق العمومية سلبي بصفة عامة، فالمواطن يعيش العلاقة مع الإدارة باعتبارها ميزان قوى في غير صالحه وينظر إلى الخدمة المقدمة إليه كامتياز وليس حق.

هذا الموضوع كان بشكل او بآخر محور من محاور البرنامج الانتخابي لحزب التجمع الوطني للأحرار الذي يقود الحكومة، فالالتزام الخامس في رزنامة الالتزامات التي تقدم بها الحزب لنيل ثقة الناخبين كان محوره “إدارة مسؤولة في خدمة الصالح العام”، بمعنى أوضح حزب رئيس الحكومة واعي بالدور المحوري للإدارة في إنجاح أو إفشال كل ورش إصلاحي قد تتقدم به الحكومة. ما جاء في برنامج الأحرار وجد له صدى في البرنامج الحكومي إذ خصص البرنامج محورا بكامله للموضوع : محور حكامة في خدمة المواطن وإدارة فعالة.

ما العمل إذن ؟

إذا ما كان هناك حرص من طرف جميع مكونات الحكومة على تنفيذ البرنامج الحكومي ذي الصلة بتفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية، وكان لها نفس الطموح الذي عبر عنه رئيس الحكومة في أكثر من مرة، فسيكون لتحديات تفعيل رسمية الأمازيغية بالإدارة العمومية عنوان رئيسي واحد ألا وهو البيروقراطية الإدارية والديناميات المجتمعية الكفيلة بتحقيق تملك المواطنين للغتهم وثقافتهم وهويتهم الأمازيغية. لذلك يجب الاشتغال على محورين: محور الديناميات المجتمعية ومحور الإدارة في تدبيرها لتفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية.

وحيث أن الحيز الزمني المخصص لمساهمتنا لا يسمح بالتوسع في بسط الأسباب التي جعلتنا نختصر تحديات تفعيل رسمية الأمازيغية بالإدارة العمومية في البيروقراطية والديناميات المجتمعية، وتوخيا للنجاعة والفعالية المطلوبين للخروج بالتوصيات اللازمة من هذا اللقاء، فإننا نقترح التوصيات التالية:

  1. على مستوى الديناميات المجتمعية: (توصيات)
  • دعم الديناميات والإطارات المدنية العاملة في الحقل الأمازيغي، فوجود مقتضيات تشريعية وقانونية وتنظيمية تؤطر تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية، لا يلغي التحديات الجمة التي تنتظر تفعيل مقتضيات القانون التنظيمي رقم 16-26، وعيا منا أن القوانين والمراسيم لن تُرَسم وحدها الأمازيغية، بل يتطلب الأمر ديناميات مجتمعية قادرة على مواكبة ورش الترسيم داخل الإدارة بالرصد والترافع من أجل تجويد التنزيل ووضع الأصبع على مكامن الخلل في أداء الإدارة ذي الصلة بالتنزيل.
  • تفعيل ما ورد في البرنامج الحكومي بشأن إحداث لجنة استشارية وطنية ولجن جهوية استشارية لتعزيز حكامة صندوق تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية باعتباره آلية مالية للدولة من أجل إدماج الأمازيغية في مجالات التعليم والتشريع والمعلومات والإتصال والإبداع الفني.
  • إطلاق حملة تواصلية بشأن رسمية الأمازيغية لتحسيس المواطنين بأهمية انخراطهم في نجاح ورش تفعيل رصيدهم المشترك وبدون استثناء المتمثل في الأمازيغية.
  1. على مستوى العمل الإداري: (توصيات)
  • تعزيز المخطط الحكومي المندمج لتفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية حتى يكون في مستوى ضمان الامن اللغوي للمرتفقين، ويساهم في تعزيز التأكيد الدستوري على أن الأمازيغية رصيد مشترك ورسميتها تهم المغاربة بدون استثناء.
  • تعزيز الموارد البشرية العاملة بمختلف الإدارات اعتمادا على توظيف كفاءات من خريجي الدراسات الأمازيغية (الإجازة، الماستر والدكتوراه).
  • تكوين الموظفين الذين ستسند لهم مهام تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية في مختلف الإدارات، تكوينهم اعتمادا على مداخل ثلاثة : المدخل القانوني والحقوقي واللغوي.
  • تكوين الموظفين اعتمادا على تجارب فضلى نجحت في تجويد التواصل الإداري في السياقات اللغوية المتميزة بالتعدد والثنائية اللغوية.

وفي الأخير لا يسعنا إلا أن نشكر الجهات المنظمة، ونتمنى لهذه المبادرة البناءة كل النجاح.

—————————–

*عبد الله حتوس // رئيس تكتل تَمْغْرَبيتْ للالتقائيات المواطنة – “تاضا تَمْغْرَبيتْ”

*مساهمة عبد الله حتوس في اليوم الدراسي الذي نظمه حزب التجمع الوطني للأحرار ومركز شروق للديمقراطية والاعلام وحقوق الانسان


اكتشاف المزيد من azulpress.ma

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

التعليقات مغلقة.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. الموافقة قرائة المزيد

اكتشاف المزيد من azulpress.ma

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading