لعل الجميع علم بوفاة الملكة البريطانية “إليزابيث الثانية”، تلك الملكة الفريدة، بمعاصرتها لأجيال مختلفة ولأحداث غيرت تشكل القوى بالعالم وأخرى تجاوزت ذلك إلى تغيير مجرى التاريخ، وذلك بعيشها قرنا إلا أربع سنوات، حتى في نظام الحكم اختلفت، كان حكمها ملكيا برلمانيا، فقد كانت ملكة بريطانيا العظمى التي تتضمن كل من انجلترا واسكتلندا و ويلز، عملت بحزم على توحيد الدول الثلاث والتسوية بينها، كما كانت لها تدخلات دبلوماسية في عديد القضايا العالمية كما جاء على لسان أغلب المحللين السياسيين في حفل تأبينها.
أن يدار بجثتها في كل الولايات طيلة أسبوع يبقى عرفا وتقليدا خاصا له ما له من رمزية حسب ثقافة البلد، أما حفل التأبين المقام اليوم التاسع عشر من شهر سبتمبر، فهو رمزية، ورسائل ودروس للإنسانية، فمن الرمزية تسخير الآلاف من الجنود للصهر على تنظيم وتجسيد بروتوكولات التأبين، أما الرسائل فهي عدة، فحج العديد من المواطنين والغرباء للحضور لهذه المراسيم، يدل على مكانة إمبراطورية بريطانيا في العالم، كما يدل على الحب الذي يكنه الشعب للملكة، حيث أدرك دورها في المنظومة والبناء المجتمعي للبلد، أما ما أثار انتباهي وربما ينبثق هذا من تكويني فهو التغطية الإعلامية للحدث.
أن تستمر تغطية الحدث لساعات لحظة بلحظة، بل بالزمن الواقعي كما في كرة القدم، و بتفاصيله البارزة والدقيقة، ويقدم ذلك في قالب سينمائي يوثق الواقع ويصنعه في الآن نفسه، بسلم لقطات متنوع يجعل المتفرج يتماهى مع ما يفحصه دماغه من صور وأقوال الحاضرين، أحدهم يقول “حضرت لأشكرها على بريطانيا اليوم”، وآخر يشكرها قائلا “كانت أما للجميع فتحت لنا أبواب بريطانيا لما صدت في وجوهنا كل أبواب العالم” وغيرهم الكثير.
أما الدروس الإنسانية فتستمد من هكذا تصريحات، وما يعرضه لنا إعلام الجنازة من صور للبنية التحتية وللشركات، ولشوارع وحدائق نظيفة، ولمنازل منظمة، ولتنظيم الجموع الغفيرة نفسها بنفسها دون الحاجة إلى “بارييرات”، ولأطفال يرمون الورود، ولشباب يلتقطون صور لذكرى الملكة، ولجنود يقومون بعملهم بابتسامة، وللحضور الغفير من كل بقاع العالم. وإن دل هذا على شيء فإنما يدل على المكانة العالية للوصية في قلوب الشعب.
وأن ترى المشاهدات تزداد طيلة فترة نقل التأبين وتعد بالملايين من الناس المتتبعين لذاك الشأن من كل فج عميق على سطح البسيطة، فهو يأول بكون الشعوب تتوق لهذا النوع من العيش الكريم، في أمن وأمان وسلم وسلام وحرية وكرامة، حيث يوضع كل واحد في المكان الذي يناسبه وتتبع المحاسبة كل مسؤولية، وتمارس الحرية في احترام حريات الآخرين، وتطبق العدالة دون فوارق اجتماعية. فلترقد روح الملكة في سلام.
بقلم: عبد العزيز اقباب
التعليقات مغلقة.