جمال محافظ يكتب: *في الحاجة إلى تعريف الصحافي بالمغرب*

بقلم الصحافي والكاتب: د. جمال المحافظ

يشكل قرارُ محكمة الاستئناف الإدارية بالرباط الصادر مؤخرا والقاضي بمطالبة رئيس المجلس الوطني للصحافة بتنفيذ الأمر بتجديد بطاقة الصحافة لأحد الإعلاميين، بناء على الدعوى، التي رفعها، سابقةً في تاريخ الوقائع الصحفية المغربية، وقد يساهم كذلك في إثراء القضاء الإداري المتعلق بالصحافة والإعلام ببلادنا.

ويبدو أن هذه القضية الأولى من هذا النوع التي يجرى فيها اللجوء إلى القضاء بهدف استصدار حكم لإثبات الحق في تجديد بطاقة الصحافة، ليس فقط منذ إحداث المجلس الوطني للصحافة عام 2018، ولكن حتى حينما كانت وزارة الإعلام تشرف على عملية منح هذه البطاقة، قبل تأسيس هذا المجلس.

وكانت محكمة الاستئناف الإدارية بالرباط قضت، في جلسة علنية، بتأييد الحكم الابتدائي القاضي بإلغاء القرار الضمني والحكم على المجلس الوطني للصحافة المطلوب في الطعن، بتجديد بطاقة الصحافة للاعلامي والناشر إدريس الوالي، مدير الجريدة الجهوية “صدى تاونات”، (تصدر منذ 1994 إلى الآن) مع ترتيب كل الآثار القانونية الناجمة عن ذلك.

وبعد نشر قرار الحكم القضائي بمنابر صحفية، أصدرت لجنة البطاقة بالمجلس الوطني للصحافة “بيانا توضيحيا”، أكدت فيه بالخصوص أن “المزاوجة بين الوظيفة الإدارية ومهنة الصحافي، أمر غير قانوني”، مشيرة إلى أن “المعلومة التي أدلى بها المعني بالأمر، عندما قدم طلبه إلى المجلس لتجديد بطاقته المهنية، أنه موظف لدى مجلس النواب، وبالتالي فأجره الأساسي لا يتأتّى من ممارسة مهنة الصحافة، كما تنص على ذلك المادة الأولى من القانون المتعلق بالصحافيين المهنيين”.

وتنص هذا المادة على أن الصحافي المهني هو “كل من يزاول مهنة الصحافة بصورة رئيسية ومنتظمة، في واحدة أو أكثر من مؤسسات الصحافة المكتوبة أو الإلكترونية أو السمعية أو السمعية البصرية أو وكالات الأنباء عمومية كانت أو خاصة التي يوجد مقرها الرئيسي بالمغرب، ويكون أجره الرئيسي من مزاولة المهنة”.

*ما معنى أن تكون صحافيا؟*

وبغض النظر عن حيثيات هذا الحكم وما أثارَهُ من وردود فعلٍ، خاصة من الأوساط الصحفية، فإنه يشكل، على مستوى البحث العلمي، محفزا للباحثين في المؤسسات والمعاهد الجامعية للعلوم القانونية والاجتماعية والإعلامية وللمهتمين بقطاع الإعلام والاتصال لتسليط الضوء على اسقاطاته العلمية.

أما على المستوى المهني، فتُطرح إشكاليات مفاهيمية، في مقدمتها تعريف الصحافي ومفهوم الصحافة، وتساؤلات متعددة حول ما معنى أن تكون صحافيا اليوم؟ وهل ما زالت المادة الأولى من القانون رقم 89.13، المتعلق بالنظام الأساسي للصحافيين المهنيين، تفي بالغرض في الألفية الثالثة؟.

وأيضا هل ممارسة الصحافة تقتصر على الحاصلين على البطاقة؟ وهل الصحافي يظل هو نفسه في أي زمان وفي أي مكان؟ وبأي معيار يمكن أن نفرز الصحافي عن غيره؟ وهل لصحافي اليوم نفس السلطة الرمزية، في ظل التحولات الرقمية واختلاف وسائل التعبير الإعلامي والتقني بين هذا وذاك؟

وهل الصحافي هو ذاك الذي يحرر المادة الخبرية بتوظيف خبرته ومعرفته بحدود وطبيعة الأجناس الصحفية؟ وهل يمكننا أن نعتبر كل من يشتغل في حقل الصحافة والإعلام والتواصل صحافيا؟ وهل الصحافي هو ذاك الذى يرتبط بشكل فعلي بخصوصية عمله أولا، وبالأسئلة الحارقة المطروحة عليه وأيضا على مجتمعه؟.

*النطاق الضيق لتعريف الصحافي*

وتخرج هذه التساؤلات عن النطاق الضيق للتعريف الذي ينص عليه قانون الصحافي المهني، وهو ما يزيد من صعوبة الإجابة عنها، اعتبارا لارتباط ممارسة الصحافة بحقول أخرى حقوقية وسياسية وقانونية وأخلاقية. فإذا كان الصحافي “موظفا”، فإنما يتعين أن يكون موظفا في مجال البحث عن الحقيقة، وأن يحوّل وقائع المجتمع وتجاربه الإنسانية إلى معطيات خبرية تساهم في تشكيل آراء واتجاهات الأفراد والجماعات.
وإذا كانت الصحافة بمتاعبها المتعددة، تظل مهنة حقيقية كباقي المهن، فلها قواعدها وأخلاقياتها، وليست مهنة من لا مهنة له.

*”عمال” مهرة في الإعلام*

غير أن الصحافة تواجه تحديات كبرى لن تجيب عنها قوانين الصحافة والإعلام، منها ما تفرزه التحولات المتسارعة نتيجة الثورة الرقمية، مع استحضار هشاشة الوضعية الاقتصادية والاجتماعية للصحافيين خاصة الأجيال الجديدة، الذين أصبحوا يشكلون طبقة جديدة توصف بـ”العمال المهرة في الإعلام”، كما جاء في كتاب “الثورة الرقمية ثورة ثقافية” للباحث الفرنسي ريمي ريفيل المتخصص في اجتماعيات الإعلام.

*الصحافة فن الممكن*

وعلى الرغم من أن الصحافة عبارة عن نشاط فكري وإبداعي له خصوصيته وقوانينه وأساليبه وطرق عمله، فإن القيمة المركزية، رغم التطور التكنولوجي، تبقى للعنصر البشري، الذي له تأثير حاسم في العمل الصحفي، الذي يرتكز على التحري الموضوعي عن الأخبار والمعلومات لجعلها في متناول الجمهور.

فممارسة الصحافة، تتطلب قدرا كبيرا من التكيف مع شروط وسياقات الواقع السياسي والاجتماعي والثقافي والاقتصادي، لكن شريطة ألا يصبح هذا التكيف خضوعا لما يتعارض مع حقائق الأشياء، ومع معايير المهنة وأخلاقياتها، إذ أن من لا يقتنع بأن الصحافة كفن للممكن، فقد يصطدم بمختلف أشكال المقاومة السياسية والاجتماعية والثقافية والقانونية والمالية.

*مؤثرون في الفضاء الرقمي*

نوع آخر من التحديات تواجه الصحافة بسبب التكنولوجيات الرقمية، التي أحدثت تحولات عميقة في الفضاء العام، ومن إفرازاتها تنامي ما يطلق عليهم حاليا بـ”المؤثرين”، وهي الظاهرة التي تجتاح وسائل التواصل الاجتماعي، وتنافس الصحافيين المهنيين، ويتعاظم دورها في توجيه الرأي العام والاستئثار باهتماماته.
فالتكنولوجيا الرقمية، وإن كانت وسيلة للدفاع عن حقوق الإنسان، لكن قد تستخدم أيضًا لقمع هذه الحقوق والحد منها وانتهاكها من قبيل الرقابة والمضايقات عبر الإنترنت، فضلا عن سوء تأثير استخدام هذه التكنولوجيات على الأفراد والجماعات المهمشة، وإشاعة عدم المساواة والتمييز، عبر الإنترنت وفي الحياة الواقعية، كما تسجل تقارير للأمم المتحدة.

فهل سيتمكن المجلس الوطني للصحافة القادم، الذي تفرزه الانتخابات المقبلة، من كسب رهان المصداقية واتخاذ مبادرات لتحفيز النقاش العمومي حول أهمية الصحافة والإعلام، والإسهام في توطين موقع الصحافيين والصحافة ووظائفها؟.

*كاتب وإعلامي مغربي*

الرباط في:6 اكتوبر2022


اكتشاف المزيد من azulpress.ma

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

التعليقات مغلقة.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. الموافقة قرائة المزيد

اكتشاف المزيد من azulpress.ma

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading