جرائم وفساد موظفي هيئة مراقبة التأمينات والإحتياط الإجتماعي أمام أنظار رئاسة النيابة العامة

بقلم يونس بوبكري*

* رئيس جمعية وسطاء ومستثمري التأمين بالمغرب

إن استمرار مايقوم به موظفي هيئة مراقبة التأمينات والإحتياط الإجتماعي بالبلاد من فساد وإفساد تدبيري و إداري لهيئة وصية على قطاع التأمين، والعبث بمصالح المؤمن لهم والمستثمرين على حد سواء، يتخطى كل الحدود ويبعث على التساؤل، الى متى سيظل الوضع كما هو عليه؟ ولصالح من يشتغل هؤلاء الموظفين ؟ وما هي مهمتهم الحقيقية؟؟ وذلك أمام هول الجرائم المقترفة.

نطرح هاته الأسئلة، لكون مصالح جمعية وسطاء ومستثمري رفعت العديد من الشكايات والمراسلات والمعطيات والتقارير والشهادات في اجتماعات رسمية عن واقع الفساد بقطاع التأمين للسلطات القضائية بجميع مكوناتها، وكان آخرها التقرير الصادر في أبريل 2022 عن اختلالات وفساد قطاع التأمين بالمغرب، والذي يتضمن العديد من الأرقام عن حجم الجرائم الإقتصادية والمالية الكبرى بحق الاقتصاد الوطني وإشارات عن درجة المس بحريات المستثمرين والسطو على حقوقهم وحقوق شركائهم المكفولة قانونا ودستوريا، ممارسات تسيء لصورة وجاذبية الإقتصاد الوطني وتهدف الى إضعاف هيبة الدولة في إحدى أهم مؤسساتها الإستراتيجية للرقابة والتقنين ، مقابل تكريس لمنطق الهيمنة والريع والجشع وإستغلال النفوذ وإعطاء مشروعية لعمليات التأمين تدخل في باب النصب والإحتيال والتطبيع معها في ذهن المستهلك والتأسيس لسياسات إحتكارية بنيوية فيما بين شركات التأمين من جهة وبين شركات الأبناك وشركات التأمين من جهة أخرى، للإستفراد بالمستهلك المغربي.

ممارسات لاعلاقة لها بالبرامج الإنتخابية للحكومة ولا بتوجيهات وتعليمات رئيس البلاد، جلالة الملك محمد السادس نصره الله وأيده، والمعلن عنها في العديد من خطبه الرسمية، والتي تدعو في كل مناسبة على تعزيز جاذبية وتنافسية الإقتصاد الوطني وتوفير مناخ ملائم للمستثمرين و العمل على النهوض بالحماية الإجتماعية للمواطنين، والحد من مظاهر المضاربة والتلاعب بالأسعار وإستتباب الأمن الإقتصادي والإجتماعي وتحقيق التوزيع العادل للثروة.

ولعل التقرير الأممي الصادر حديثا، والذي احتل فيه المغرب المرتبة 123 عالميا، في مؤشر التنمية البشرية مع تغيير طفيف بمركز واحد فقط بالمقارنة مع السنة الماضية، يوضح جليا عمق الإشكالية التدبيرية للشأن العام ببلادنا، حيث أن جل دول العالم تسعى لتحقيق الرخاء الإقتصادي لمواطنيها وتحسين مؤشراتها التنموية عبر اقتناص كل فرص التنمية التي توفرها العولمة الإقتصادية الحديثة، من تعدد الأقطاب وإنفتاح للأسواق التجارية وحدف للرسوم الجمركية وانخفاض لكلفة نقل الموارد الاولية و استغلال أمثل للتكنولوجيا الحديثة في التواصل، وحده اليوم المغرب يظل في أسفل قائمة الترتيب ولأكثر من عقدين من الزمن حول مؤشر التنمية البشرية رغم كل الجهود المبذولة وتوفر مختلف العوامل التي سبق سردها، و وجوده في محيط دينماميكي متغير، يحقق فيه شركاؤه و جيرانه بالبحر الأبيض المتوسط وشمال افريقيا ودول أوروبا مراتب جد مشرفة.

وهنا يجب أن نطرح أسئلة جوهرية، ماسبب انحباسنا في ذيل القائمة بين الرتبة 121 او 126؟ وماهي مسؤولية المؤسسات الدستورية الرقابية بالبلاد عن هاته الوضعية الكارثية في مؤشر التنمية البشرية؟؟؟ وأين أدوارها الفعلية في محاربة الفساد وتخليق الشأن العام ؟؟؟ وماهي برامجها لتصحيح هاته الإختلالات ؟!!! وأين التزاماتها للمساهمة في التنمية والتوزيع العادل للثروة بالبلاد في تقاريرها السنوية المرفوعة إلى الملك..؟

قطاع التأمين بالمغرب بما نعيشه اليوم، يعتبر مثال حي لغياب مفهوم التوزيع العادل للثروة وحاجز حقيقي في تطور الإقتصاد الوطني وتحسن مؤشر التنمية البشرية بالبلاد ، ويساهم بشكل رئيسي في تعطيلها والتدني المسجل في الرتبة التي يحتلها المغرب حاليا، ومرد ذلك، ليس لقلة الإمكانيات ولا لضعف نسبة النمو الإقتصادي الوطني ولا لإنعدام الموارد البشرية المؤهلة، وإنما بشكل كبير للقرارات الإرتجالية والعبثية لموظفي الدولة في الهيئة الوصية الذين يتحصلون على أجور وتعويضات مكلفة من المال العام، في حين أن أدوارهم الوظيفية بعيدة كل البعد عن الصالح العام وتوجهاته، ومضادة لمصالح الدولة والمواطنين، ومافتئوا يعملون بشكل دؤوب على خرق كل القوانين المنظمة للقطاع في كل فرصة سانحة، ولا ينضبطون للقانون المنظم للهيئة نفسها، 64.12 منذ إحداثها ، حيث يتم التستر على التهرب الضريبي وحرمان صناديق الدولة من موارد جد هامة، ونهج سياسة تواطؤية مع مصالح لوبي الفساد لشركات التأمين، و خلق كل العراقيل الممكنة تجاه المستثمرين قي الوساطة في التأمين حتى تسهل إبادتهم إقتصاديا و تغيب بالتالي كل أوجه المراقبة عن التجاوزات من طرف شركائهم التجاريين.

وفي الوقت الذي تصدر فيه شركات التأمين أرباح خيالية كل سنة، فإن موظفي الهيئة لايقومون للأسف بالتحقق من مدى صحة هاته الارقام و يتم اعتمادها أوتوماتيكيا و دليلنا في ذلك عدد الملفات القضائية المعروضة بمختلف محاكم المملكة حاليا بين شركات التأمين ووكلائها تكشف بالملموس مدى الحضيض والإفلاس في التدبير الذي تعرفه الهيئة الوصية وأيضا حجم الطعون بالزور في الوثائق المحاسباتية لهاته الشركات، تؤكد حجم التلاعب في أرقام المعاملات التجارية لهاته الشركات والتي تمعتمدها الهيئة في تقاريرها السنوية المرفوعة لرئيس الحكومة.

جرائم موظفو الهيئة عديدة ومتعددة، نذكر بعضا منها، القيام بمهمات تحت الطلب لفائدة شركات التأمين وتزوير للمحاضر الرسمية والتستر على الجرائم الإقتصادية والمالية وانكار التوصل بالشكايات المرفوعة إليها من طرف المهنيين وتمتيلياتهم ورفض التحقيق فيها و المشاركة في التهرب الضريبي والتطبيع مع الفساد وقبول الإكراميات والرشاوي تحت إسم الهدايا والتنصيص عليها في مدونة الأخلاقيات، واتخاذ قرارات ضد الصالح العام والقوانين المنظمة للقطاع وإصدار مايسمى بالتعليمات وتحقير توصيات مؤسسات دستورية، وإصدار تقارير سنوية مغلوطة، والتستر على تضارب المصالح وحالات التنافي لرئيس الهيئة نفسه، كيف لا ورئيسها السابق “ح. ب. ” صحبة الكاتب العام الحالي “ع. خ. ع”، المشرف الأول بالهيئة كان رئيس للهيئة وفي نفس الوقت الرئيس المدير العام لشركة Africa-ré شركة دولية لإعادة التأمين تابعة لجنوب إفريقيا وهو ما يعني أن جميع أسرار القطاع ومشاريع المملكة كانت تسرب لهاته الشركة الإفريقية ويتحصل على تعويضات سمينة وتحت الدف بالعملة الصعبة!!

وللعلم فالسيد “ح. ب.” هو المدير العام الحالي للصندوق الوطني للضمان الإجتماعي يمارس مهامه كما لو أن لم يخرق قانون الوظيفة العمومية لأزيد من 8 سنوات…

في كل يوم تتأخر فيه التحقيقات القضائية ضد هؤلاء الفاسدين والمفسدين بهيئة مراقبة التأمينات والإحتياط الإجتماعي ستدفع البلاد التكلفة باهضا، إقتصاديا واجتماعيا وماديا وتنمويا وتزبد هاته التكلفة عند تصحيح هاته الإختلالات بإلنظر الى ارتفاع أعداد الضحايا من جميع الفئات وتدمير مستقبل آلالاف العمال والأجراء و مقدرات الأجيال القادمة لهذا الوطن..

بدون تعليق

والمثال الصارخ لهذا الفساد تحكيه واقع الصورة المرفقة مع هذا المقال والتي تأتينا هاته المرة من مدينة مراكش لوكيل التأمين يعمل لفائدة شركة دولية “آليانز المغرب”، والذي يرفعها في واجهة مكتبه بحي المحاميد، لافتة اخبارية للعموم بكون الوكالة لم يعد بإمكانها تقديم خدمات التأمين لزبنائه رغم توفرها على رخصة من طرف الدولة والصادرة من وزير الإقتصاد والمالية، لأنه بطبيعة الحال ضحية فساد مسؤولي المراقبة بالقطاع وغياب المحاسبة، وسعيهم لخلق عراقيل مقصودة، تتجلى في توقيف تعسفي لنشاط الوكالة بدون أي مبرر قانوني لذلك، والمسؤول عنه الشركة الموكلة آليانز الألمانية بالمغرب والتي أوقفت عن المكتب شواهد تأمين العربات الإجبارية لخدمة الزبناء، كل هذا يحدث بعلم ومباركة موظفي الهيئة بطبيعة الحال والذين لم يحركوا ساكن رغم اشعارهم بهاته الخروقات.

أمام هؤلاء المسؤولين الفاسدين لم تعد هناك أي قيمة مضافة للإستثمار الأجنبي بالبلاد ولا وجود للفارق بين شركة دولية وأخرى وطنية حتى أن الخدمات لأكبر شركة للتأمين في العالم مستثمرة بالمغرب تجدها تقدم نفس الخدمات و المنتوجات التأمينية لتعاضدية رأسمالها لا يتجاوز رقم معاملات وسيط للتأمين بالمغرب، بسبب السياسات التواطؤية الموحدة والإحتكارية في السوق والتي تضرب في الصميم كل فرص التنافسية و التطوير، وهو مايفسر كما سبق وأشرنا، لما توجد بلادنا في أسفل المراتب لمؤشر التنمية البشرية العالمي ..

أي تنمية ننتظر والمسؤول الرقابي عن الشأن العام المفروض فيه أن يراقب مدى إحترام القوانين هو نفسه، يسعى لتحقيق تجارة مربحة من عمليات التأمين ويساهم بشكل فعلي في سرقة مقدرات وطنه ويحرض على نهب جيوب وحقوق المواطنين عوض حمايتهم من أي استغلال في خيانة عظمى للأمانة واستغلال للنفوذ .

و خلال الأسبوع الفارط خرج علينا أحد مسؤولي هاته الهيئة بتصريح صحفي لموقع إلكتروني، يجيب فيه عن تساؤلات الرأي العام حول معاناة أباء وأولياء التلاميذ مع كل دخول مدرسي، من فرض المدارس الخاصة لرسوم التأمين ليؤكد هذا المسؤول بكل وقاحة للرأي العام أن هناك إجبارية في أداء هاته الرسوم على أولياء التلاميذ ، دون أن يكترث للقانون المنظم لمهنة الوساطة في التأمين وشروطها ولا المقتضيات المنصوص عليها في القانون 06.00 المتعلق بالتعليم للخاص، في تغليط جديد للرأي العام وانحياز مفضوح لمصالح ناهبي جيوب المواطنين من مدارس التعليم الخصوصي !!!

وبالتالي فإن الأمور أصبحت واضحة، لا علاقة لهؤلاء المسؤولين بأدوارهم ووظائفهم ولا بمصالح الوطن والمواطنين و السكوت عن كل هاته الممارسات البشعة، هو في حد ذاته جريمة يعاقب عليها القانون وخيانة عظمى للوطن، ويجب على السلطات القضائية أن تتحرك بشكل عاجل وفتح التحقيقات اللازمة في هذا الشأن، حتى يتسنى لنا حماية الدولة من الانهيار وفرض سيادة القانون بإعتباره فوق الجميع وحماية مقدرات الأمة ومصالح هذا الوطن من أي مكروه وإيقاف عداد الضحايا وعلى رئيس النيابة العامة تفعيل هاته المساطر في إطار مهام هاته المؤسسة في الدفاع عن الحق العام ومتابعة الفاسدين والمفسدين والمتآمرين على الإقتصاد الوطني قبل فوات الآوان.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. الموافقة قرائة المزيد