جذور ألا ديمقراطية في ليبيا..
بقلم محمد شنيب..
في محاولة، لمعرفة ما وصلت إليه ليبيا اليوم،,من انسداد وفوضى سياسية ,لابد لنا من معرفة ما كانت عليه الحركة السياسية في ليبيا بشكل عام وبالذات الغرب الليبي الذي كان يسمى ولاية طرابلس الغرب في أربعينات القرن الفارط. ففي تلك الفترة التي كانت ليبيا فيها تحت السيطرة البريطانية وذلك بعد تغلب الحلفاء على قوات المحور (إيطاليا الفاشية وألمانيا النازية)؛ وتحول ليبيا من مستعمرة طليانية إلى ثلاث ولايات (ولاية طرابلس الغرب ,ولاية فزان وولاية برقة) تابعة للإدارة بريطانية….بداء هدا الوعي بالمناداة بالاستقلال سواء الاستقلال الجزئي كما حدث في ولاية برقة ,بقيادة الحركة السنوسية و”محمد إدريس السنوسي” هو الحصول على استقلال “إمارة برقة” تحت قيادة الحركة السنوسية وإمارة “محمد إدريس السنوسي” أو كما كان في “ولاية طرابلس الغرب ” التي كانت تنادي باستقلال كل ليبيا بولايتها لثلاث حسب ما كان شعار الأحزاب السياسية التي تكونت في “طرابلس الغرب” .
غير أن تكون الأحزاب السياسية وتجربتها السياسية الفتية تعرضت إلى مواجهة عنيفة من قبل التحالف البريطاني مع “محمد إدريس السنوسي” بعد توليه حكم “المملكة الليبية المتحدة” ومنعه لوجود الأحزاب السياسية ومنع مزاولتها لأي نشاط سياسي ثم ما لحق دلك نظام الديكتاتور “القدافي” الذي اعتبر وجود الأحزاب خيانة عظمى لليبيا في كل ليبيا وعلى هدا ويهدا عاش الليبيون ما يزيد عن الستين سنة بعيدين عن أي ممارسة وتطور سياسي إلا في الممارسة السرية في كل من:
1_ طرابلس الغرب
2- فزان
3-برقة
فبالرغم من أن إسم ليبيا اسم قديم وجد مند أيام الإغريق وتمت تسميته منهم آن داك ليعني كل الأرض الممتدة من غرب مصر إلى ضفاف المحيط الأطلسي كما ذكر في كتابات “هيرودوت” أبو التاريخ..
غير أن هدا اسم ليبيا ضاع عبر التاريخ بعد الغزو العربي ومجيء المسلمين بعد الغزوات العربية الإسلامية وما لحقه من خلافات وإمارات عربية وأمازيغية وعثمانية.فلم يظهر ثانية من جديد هدا الاسم لا في أيام الخلافة الأموية ولا الخلافة العباسية ولا حتى أيام الدول الأمازيغية ( دولة المرابطين ودولة الموحدين ) ولا غيرهم…حيث كانت في تلك الفترات كل البلدان الإسلامية تتبع للخلافة الإسلامية ولم يكن بعد قد تواجد مفهوم الوطن بمفهوم الحداثة والدي تواجد في العالم ككل وبالذات في أوروبا..
ونجده أن أسم ليبيا يظهر من جديد في عام 1934 من قبل الجنرال الطلياني “غراتسياني” وبعد سيطرته على ولاية “فزان” أيام استعمار “إيطاليا” الفاشية على كل أراضي هده الولايات الثلاث المذكورة أعلاه.
وكما ذكرت سابقا الوطن الليبي ,يهدا, لم يتواجد بعد الغزو العربي وكان يعتبر جزء من بلاد المغرب الكبير أي الشمال الأفريقي..على اعتبار أن مفهوم الحداثة العصري لكلمة وطن وبمفهوم الوطن في الحداثة لم يظهر إلا بعد ظهور الحداثة في أوروبا بينما ليبيا كانت مازالت في داك الوقت تغط تحت حكم الخلافة العثمانية كباقي المناطق الإسلامية..
ولكن بعد أن ظهر اسم “ليبيا” من جديد في ثلاثينات القرن المنصرم وبعد انتصار الحلفاء على قوات المحور الدي بداء في المعارك التي جرت في الشرق الليبي ( معارك العالمين وسيدي البرانى) , بدأ يتشكل الوعي السياسي مناديا بما سمي ليبيا الوطن.ليضم هده الولايات الثلاث المذكورة أعلاه, نتيجة للتقارب الجغرافي الذي يربطهم جميعا وعلاوة على التقارب والتكوين والتركيب الاجتماعي.
ظهرت بعض الأحزاب السياسية في ولاية “طرابلس” وجمعية عمر المختار في ولاية “برقة”وبدأ الليبيون يرنون للحصول على استقلال ,من قبضة المستعمر الأجنبي , “ليبيا” وبالذات بعد اندحار الطليان وخسارتهم في الحرب العالمية الثانية حيث ظهر الشعور الوطني والإحساس بترابط هده الولايات بعضها ببعض , جغرافيا و إجتماعيآ و سياسيآ و ثقافيآ , كما سبق وان ذكرت..هذا الوعي الذي نتج عنه ضرورة الدفع, لتشكيل الأحزاب السياسية حتى تتمكن من قيادة الضال الوطني للحصول على استقلال ليبيا ككل.
بدئت الأحزاب سياسية وكانت كلها تدور في الطرح السياسي الوطني ولا شك بإ نتمآتها المختلفة الاتجاهات الوطنية السياسية…وتشكل في ذاك الوقت في طرابلس الغرب تسعة أحزاب سياسية ذات رؤى واتجاهات سياسية أحيانا كانت تتباين في طرحها الهوية والنهج الذي يجب سلوكه للحصول على الاستقلال وكان على رأس هذه الأحزاب أحزاب ثلاث رئيسية لأهميتها في المخاض السياسي لتلك الفترة وهي كالتالي :
-حزب المؤتمر الوطني بزعامة المناضل “بشير السعداوي” والذي كان معروفا ب “الزعيم”.
-حزب “الكتلة” بقيادة الأخوين ” المناضلان ” “علي ومحمد ألفقي حسن”.
-حزب الاستقلال” بقيادة “محمود المنتصر”.
أما في برقة فلم تتشكل أحزاب سياسية بالمعنى الصحيح وكان أقرب شيء هو تنظيم ” جمعية عمر المختار” والذي تشكل في مدينة “درنة” وكانت بدايات هذه الجمعية ذات طابع ثقافي صرف المنهل.وكان من أهم الشخصيات للذكر التي قادت هذه الجمعية السيد “اعمر فائق شنيب” الذي كان على علاقة طيبة مع “بشير السعداوي” أيام تواجدهم في المهجر وفي سوريا وأصبح السيد ” عمر فائق شنيب” من المقربين للملك “محمد إدريس السنوسي “بعد إنشاء المملكة.
ولاشك كان إلى جانب تلك الجمعية الحركة “السنوسية” ذات المنشأ والأسلوب الديني الصوفي القريب في اتجاهاتها وأسلوبها من الحركة الوهابية في الجزيرة العربية التي خلقت نظام العائلة السعودية بالتعاون مع بريطانيا لتعميق المد العربي الإسلامي وكان هدا التطابق حتى مع حركة “المهدي” في السودان”.أما في فزان فلم تتشكل أية تنظيمات سياسية معينه بالرغم من انتماء الكثير من سكان منطقة “فزان” للتنظيمات الحزبية بالذات في ولاية طرابلس.
وبالرجوع بعجلة التاريخ إلى الوراء وبالذات إلى نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين في الوقت الذي كانت كل من بريطانيا وإلى حد ما فرنسا تسعيان إلى مواجهة وتحطيم الخلافة العثمانية التي كانا يسميانها “رجل أوروبا المريض” وبالذات في منطقة الشرق الأوسط ,بدأتا بالقيام بالتالي :
1–خلق وإحياء وتوسيع المد القومجي العروبي في منطقة الشرق الأوسط بمزيج دو طابع ديني إسلامي لخلق تيار في المنطقة مضاد ذو صبغة قومية عربية ومعارض لوجود الإمبراطورية العثمانية المسيطرة على منطقة الشرق الأوسط ماعدا ما يسمى الآن “المملكة العربية السعودية”وكذلك الشمال الأفريقي فيما عدا ” المملكة المغربية” التين لم تتبعا الخلافة العثمانية و كان معظم سكان منطقة الشرق الوسط والشمال الأفريقي من “المسلمين السنيين”.إلى جانب المسلمين “الأباضيين” المتواجدين بنسب متفاوتة في ” ليبيا وتونس والجزائر والمغرب”. أما في ليبيا يتواجد عدد من اليهود الليبيين في مدن مختلفة “ليبيا”وكان هناك بعض العائلات الإيطالية وبالذات من جزيرة “سيشيليا”وكذلك بعض صيادي السمك المالطية.
2_فتح المجال لسيطرة هاتين القوتين (بريطانيا وفرنسا) في الشرق الأوسط بالذات والسيطرة عليه بعد انهيار الإمبراطورية العثمانية.. أما الشمال الأفريقي فقد سيطرت فرنسا على الجزائر في عام 1930ثم على تونس في عام 1981 وجاء الغزو اطلياني للسواحل الليبية في أكتوبر عام 1911. وكان المسلمين الشيعة والمسيحيين في الشرق الأوسط وبالذات في كل من العراق و الشام ومصر لا يشكلون أغلبية قوية(4) مقارنة بالمسلمين السنة. أما في الشمال الأفريقي (ليبيا وتونس والجزائر والمغرب) فلم يكن يعرف وجود للشيعة ولا للمسيحيين بل المسلمين السنة والإباضين..
وفي بداية القرن التاسع عشر ظهر السيد “محمد بن علي السنوسي” والذي كان يعيش في مدينة “مستغانم” الجزائرية(1) رجل سلفي و عميق التدين قد تأثر بشكل عميق بالحركة بالوهابية في السعودية وبالذات بعد قيامه بمناسك الحج كما تأثر في ذات الوقت بما قامت بيه حركة “المهدي ” في السودان.
وقرر “محمد بن علي السنوسي” القيام بمثل هذه الحركة في منطقة “البلاد المغاربية” التي قام بتكوينها في القرن التاسع عشر حوالي عام 1847في مدينة البيضاء بالجبل الأخضر في “برقة” بعد قيامه بمناسك الحج في الجزيرة العربية ورجوعه إلى ليبيا.
وقد أختار السيد “محمد بن علي السنوسي” نشر هذه الحركة من واحة “الجغبوب” التي تقع جنوب الجبل الأخضر في برقة في الشرق الليبي. وكان لاختياره واحة “الجغبوب” بعد استراتيجي عميق المدى ودلك من ناحية الموقع الجغرافي لهذه الواحة؛ فهي تقع قريبآ من جنوب الجبل الأخضر في برقة والشمال الغربي للسودان وغرب مصر.وكان أيضا لهذا الاختيار سبب اعتقاده بأنه سيكون له نفس طريقة النجاح في انتشار وتأثير الحركة الوهابية في الجزيرة العربية؛ وكان قد تعرف على الوهابية أثناء قيامه بمناسك الحج قبل رجوعه إلى برقة ..إلا أن الحركة السنوسية لم تتمكن من التوسع والامتداد ولم يكن لها أتباع في الغرب الليبي ولا في السودان ولا في مصر..
بعد قيامه بتأسيس حركته السنوسية تولى زعامة ،هذه الحركة وبالذات عند الغزو اطلياني لليبيا، حفيده “محمد إدريس السنوسي” بعد أن تغلب في الصراع على زعامة الحركة بينه وبين أقاربه السنوسيين. وحاول عدة مرات إلى الوصول اتفاق مع الطليان وحتى البريطانيين للاعتراف به كأمير لإمارة برقة (2),حيث أبرم اتفاقية “عكرمة” في عام 1917 مع الطليان واتفاقية “الرجمة” مع الطليان والبريطانيين في عام 1920 حيث تم الاعتراف بيه كأمير لإمارة برقة وأعطيت له عدة مزايا وخدمات له وللحركة السنوسية وتم نشر هاتين الاتفاقيتين الموقعتين في “الكتاب الأبيض في وحدة طرابلس وبرقة” الذي تم نشره في عام 1948 من طرف تنظيم ” اللجنة الطرابلسية”(3) .
غير أن “محمد إدريس السنوسي” تمكن أثناء هجرته إلى مصر من تجديد وتقوية علاقاته مع البريطانيين وخاصة بعد أن بدأت الحرب العالمية الثانية حيث ثم تشكيل فرقة تحت اسم “جيش السنوسية” الذي رافق دخول الجيش البريطاني لليبيا عام 1943 رافعا أعلام “الحركة السنوسية” السوداء اللون ،التي توسطت علم المملكة الليبية المتحدة فيما بعد والذي يعتبر الآن علم دولة ليبيا الآن بألوانه الثلاث الأخضر والأسود والأحمر وتتوسطه.النجمة والهلال.
علم الحركة السنوسية الذي أصبح علم “إمارة برقة” ودلك بعد تولية “مجمد إدريس السنوسي” أمير “إمارة برقة” تم قام إدريس بوضعه ليتوسط علم المملكة الليبية المتحدة.
بينما كانت الأحزاب السياسية( 4)في طرابلس الغرب تتوق وتناضل من أجل الحصول على استقلال ليبيا كوطن يضم الأقطار الثلاث التي كونت ليبيا (ولاية برقة ،ولاية فزان وولاية طرابلس الغرب) كانت الحركة السنوسية بقيادة “إدريس السنوسي” تسعى وتتوق للحصول على الاعتراف بأمارة برقة وعلى رأسها الأمير ” محمد إدريس السنوسي” فيما عدى “جمعية عمر المختار” التي كانت تسعى إلى استقلال ليبيا وكانت على أتفاق وتنسيق مع الأحزاب في طرابلس الغرب للوصول إلى هدف الاستقلال، أي استقلال ليبيا كوطن واحد.
كان كلا من حزب “المؤتمر الوطني” وحزب “الكتلة” الوطنيان يناديان باستقلال ليبيا كوطن واحد وبدون تولية “إدريس السنوسي” ملكا على كل ليبيا, غير أن نتيجة للصعوبات التي لم تمكن من ذلك وبتدخل المخابرات البريطانية وبالذات بعد فشل تمرير مشروع “بيڤن” وزيرة خارجية بريطانيا آن ذاك و”سڤورزا” وزير خارجية إيطاليا في مجلس الأمن واللذان تقدما بمشروع مشترك إلى مجلس الأمن يفضي بتقسيم ليبيا إلى ثلاث ولايات تحت الوصاية على النحو التالي :
– ولاية طرابلس تحت الوصاية اطليانية
-ولاية (إمارة ) برقة تحت الوصاية البريطانية
-ولاية فزان, تحت الوصاية الفرنسية.
وبعد فشل المشروع البريطاني الطليان نتيجة لڤيتو الإتحاد السوڤياتي الذي كان يطمع في الحصول على موقع في مياه البحر المتوسط الليبية .
تمكنت بريطانيا من إقناع “بشير السعداوي” زعيم حزب المؤتمر من قبول النظام الاتحادي لليبيا المستقلة وعلى أن يكون إدريس السنوسي ملك المملكة الليبية المتحدة. قام حزب الكتلة بمعارضة هذا التصور البريطاني وما تبعه من اتفاقات سرية بين المخابرات البريطانية ومحمد إدريس السنوسي.تم قرار الجمعية العمومية في الدول المتحدة في نوڤمبر من عام 1949 على أن تمنح ليبيا استقلالا في شكل إتحادي يضم ثلاث ولايات برقة و فزان وطرابلس الغرب ويكون لكل ولاية حكومة تسمى حكومة ألولاية (المجلس التنفيذي) ويتم تعين الوالي بمرسوم ملكي بعده يقوم الوالي بتعيين مجمعة من النظار ( بمستوى الوزراء المحليين في الولاية) ويتم اختيارهم على أساس التمثيل الجهوي والقبلي والوجاهة الاجتماعية ويتم انتخاب المجالس التشريعية الثلاثة والبرلمان الاتحادي من منطلق قبلي و جهوي (حيث تم التخطيط والإنفاق من قبل مع المخابرات البريطانية والملك بمنع وإلغاء وجود الأحزاب بل التركيز على إحياء وتثبيت القبائل.كذلك يتم تعيين رئيس الوزراء الاتحادي على أساس الوجاهة الاجتماعية وإنتمآته الجهوية..
أما بالنسبة للبرلمان الاتحادي لكل المملكة فيتم انتخابه على أساس قبلي وجهوي وإلى حد ما على الوجاهة الاجتماعية.
]ظهر في الصورة الملك جالسا على الكرسي ومن ورائه “الشيخ” “أبو الأسعاد العالم” عضو حزب المؤتمر ومفتي ليبيا ويظهر ” بشير السعداوي” إلي يسار المفتي وبعده بشخص وبطول قامته وطربوشه. ومن الملاحظ غياب المناضلان “محمد وعلي الفقيه حسن زعيما حزب الكتلة الذي لم يوافقا على تولية “محمد إدريس ألسنوسي” ملكا على ليبيا.
وكانت ليبيا دولة ملكية فقيرة جدا وكان تركيبها الاجتماعي في ولاية طرابلس الغرب أساسه مجتمع خليط من زراعي بسيط ومن نوع وطابع الزراعي الموسمي يقوم بزراعة الحبوب (بالذات الشعير والقمح) في موسم الخريف ويحصده في موسم الربيع، وزراعة الأشجار المثمرة مثل الزيتون وبالذات في جبل نفوسة ( يفرن وغربان ومسلاته و ترهونة ) والفواكه الأخرى كالحمضيات والعنب والكروم أما في المناطق القريبة من البحر فيما يسمى بالشريط الساحلي؛ فكانت تشتهر بزراعة بعض الفواكه مثل الحمضيات والعنب والكروم وأشجار النخيل المحدودة الإنتاج من أنواع مختلفة من البلح و التمور المعروفة ب(الرطب) وكانت طبيعة الحياة في طرابلس الغرب يغلب عليها الطابع الريفي وإلى حد ما التجاري المحدود وصيد الأسماك والتي لم يكن لها تأثير اقتصادي دو مردود فعال في اقتصاد البلاد ؛ وكان منتج “الحلفى” الذي ينموا في ليبيا ذو أثر على الاقتصاد الليبي نوعا ما وكذلك إنتاج التبغ الذي يتم إنتاجه وتصنيعه والمستهلك محليا في طرابلس الغرب.وكان لكل من مصنع التبغ ومحطة الكهرباء المستخدمة للفحم الحجري لإنتاج الكهرباء المحدودة وميناء طرابلس هي الأماكن التي بدأت بها الطبقة العاملة في ليبيا.وكان معظم العمال المستخدمين في هذه الأماكن من سكان ودواخل مدينة طرابلس ؛ بينما كان العمال في البني والتشييد وصيانة المباني معظمهم من سكان مدينة طرابلس.وكان معظم العمال من خارج مدينة طرابلس يأتون لمدينة طرابلس عزاب وليسوا مصحوبين بعائلاتهم وذلك حتى يستتبوا في العمل و يحصلوا على سكن (في العادة على غرفة في بيت مسكون من أكثر من عائلة وأبنائها)..
تم في تلك الآونة وبالتحديد في نوفمبر عام 1949 صدور قرار الجمعية العمومية في الأمم المتحدة الذي يمنح ليبيا استقلالا في خلال عامين ( 24-12-1951) وتم تعين السيد ” إدريان بلت” ليقوم بتشكيل لجنة من ستين شخص , عشرين من كل ولاية لإعداد دستور المملكة الليبية المتحدة وعلى أن تكون مملكة متحدة ودستورية متكونة من ثلاث ولايات ونص الدستور : بأن ويكون لكل ولاية مجلس تنفيذي يرأسه والي ويتم تعيينه الملك بمرسوم ملكي ويقوم الوالي بتعين حكومة الولاية من مجموعة نظار في مقام وزراء وبحسب إنتمآتهم الجهوية والقبلية وواجهاتهم الاجتماعية و أما المجلس التشريعي لكل ولاية يتم انتخابه على أساس جهوي وقبلي…
وكذلك بالنسبة للبرلمان الاتحادي الذي يتم انتخابه بالطريقة القبلية و الجهوية أيضا ومجلس وزراء إتحادي يتم تعين رئيسه بمرسوم ملكي ويقوم رئيس المجلس بتعيين مجموعة وزراء بطريقة الوجاهة الاجتماعية و الانتماء القبلي و الجهوي وكان هناك اتفاق ضمني بين إدريس بينه وبين بريطانيا بمنع الأحزاب السياسية في ليبيا وهدا ما تم تطبيقه في ليبيا أثناء حكم المملكة.
وكذلك تجدر الإشارة هنا أنه تم إبعاد المناضل “بشير السعداوي”من ليبيا إلى الخارج ولم يتم أي اعتبار قيامه بالنضال طيلة حياته من أجل الحصول على استقلالها.وكان منع ألأحزاب السياسية هو الخطوة الأولى التي قادت ليبيا وأوصلتنا إلى حالة الفوضى والتبعثر والعيش في عقلية عدم التسييس التي نعيشها في ليبيا اليوم. ودلك لعدم معرفتنا ومزاولتنا بالعمل السياسي والثقافي علنيا….
كانت ليبيا مع بداية الاستقلال دولة مدقعة في الفقر محدودة الموارد وكان التركيب الاجتماعي إلى حد ما مختلف ومتفاوت بين الولايات الثلاث:
—ولاية طرابلس الغرب كانت مجتمع ريفي بسيط ذو طابع زراعة حبوب موسمية (الشعير والقمح) مستغلا أمطار الخريف القليلة في الزراعة والحرث في موسم الخريف وبالذات في سهل الحفارة وأشجار الفواكه والزيتون المتناثرة على منطقة جبل نفوسة والشريط الساحلي وزراعة الخضروات والدخان علاوة على صيد الأسماك..
كما كان لمنتوج زيت الزيتون وزراعة البطااطا والكاكاوية التان يتم تصديرهما ونبات الحلفى الذي ينمو في ليبيا ويدخل كمادة في صناعة الورق وصناعة التبغ في مصنع التبغ في السوق المحلي دور بسيط في حركة الاقتصاد الليبي…
وكانت هده الصناعات البسيطة والمحدودة علاوة على محطة كهرباء طرابلس وميناء طرابلس دور أساسي في خلق جذور الطبقة العاملة في ليبيا وبالذات طرابلس الغرب…
__ولاية برقة كانت طبيعتها الاجتماعية رعوية وبالذات رعي المواشي وكان مجتمع برقة يغلب عليه طابع الزراعة الموسمية وخاصة في مناطق الجبل الأخضر الذي كان مشهورا بزراعة القمح والشعير (في منطقة المرج)وكذلك الرعي ومزاولة التجارة
__ولاية فزان فكانت مجتمع مزيجا من الزراعي البسيط والرعوي وإلى حد ما مجتمع تجاري بعد الحصول على الاستقلال قامت أول انتخابات اعتمدت القبلية و الجهوية والوجاهة في برامجها ودعايتها السياسية وهدا كما ذكر سابقا هو أساس الميل نحو الاتجاه القبلي و الجهوي في ليبيا الحديثة..
وكانت سمات النظام الملكي نظام “الملك محمد إدريس ألسنوسي” هي التي زادت من تعميق الروح القبلية وبالذات في الشرق الليبي “ولاية برقة” ومن أهم ما قام به ذلك النظام لمساعدة الروح القبلية والانتماء الجهوي كالتالي:
1-إلغاء الأحزاب السياسية التي كانت قائمة ومنع تواجدها للقيام بالنشاطات على الساحة السياسية وهدا ما مهد بداية الطريق المعبدة نحو “ألا ديمقراطية” و”الأحادية” وتركيز وتعميق الاتجاه نحو الجهوية والقبلية والوجاهة الاجتماعية في العمل السياسي وهدا ما خططت له بريطانيا وعلى شاكلة ما تم في النظام السعودي والأردني الهاشمي, مع ملاحظة اختلاف التركيب القيلي في الشرق الليبي (برقة) مع دلك التركيب في السعودية والأردن من ناحية عدم وجود العشائر القوية والمؤثرة في تركيب القبائل الليبية…
2-عدم تشجيع قيام النقابات بالمفهوم المهني والحرفي , بل حتى محاربتها وعدم الاعتراف بها كتنظيمات نقابية ديمقراطية مهنية.
3-طرد زعيم البلاد آن داك “بشير السعداوي” الذي قاد حركة النضال في فترة أربعينات القرن الفارط للحصول على الاستقلال وبحجة عدم تملكه للجنسية الليبية, وكان المناضل ” احمد زارم” (5) قد قام بمغادرة الأراضي الليبية في اتجاه الجارة ” تونس” قبل دلك وبالذات بعد قيام حزب المؤتمر بقبول شرط بريطانيا بتولية “محمد إدريس السنوسي” ملكية ليبيا المتحدة.
4-المضي بالدستور الذي قام “أدريان بلت” ممثل الأمم المتحدة مع لجنة الستين بتكوينه (تكونت لجنة الستين من عشرين عضو عن كل ولاية ولم يتم اعتبار التفاوت في التعداد السكاني بين الولايات الثلاث ولم يتم أي اعتبار الاختلافات الثقافية في المكونات الاجتماعية في الولايات الثلاث وبالذات الأمازيغ في ولاية طرابلس وإلى حد ما في برقة (في واحة أوجلة) والطوارق في ولاية فزان..ولم يتم إعطاء أي اعتبار لا لليهود الليبيين في ليبيا ككل واعتبارهم جالية مقيمة في ليبيا وليسوا مواطنين ليبين ولا الجالية الإيطالية التي كانت متواجدة في ليبيا من قبل مجيء الغزو الإيطالي في عام 1911…
5- تجاهل النظام “محمد ادريس السنوسي” نهائيا فترة النضال التي قام بها المناضلون الليبيون وبالذات في طرابلس الغرب (وكان النضال في منطقة طرابلس الغرب ذو طابع يتقارب مع العصرية والحداثة نسبيا في تلك الفترة من القرن العشرين حيث ظهرت علامات على ذلك ومن أبرزها تكوين أول جمهورية سميت “الجمهورية الطرابلسية “وكان صاحب فكرة تأسيس الجمهورية هو المناضل والمثقف وخريج جامعة السربون في باريس ” محمد فرحات” والتي أيده في إنشائها المناضل سليمان الباروني الذي أسس قبل ذلك حكومة “يفرن” . والمناضل رمضان السوي حلي الذي قام بإنشاء حكومة “مصراته”وكانت عاصمة هذه الجمهورية “مصراته”وتكونت هده الجمهورية من مجلس رئاسي ومجلس شبه برلماني معين وللمفارقة لم يتم ذكر هذه الجمهورية الطرابلسية والتي كانت أول جمهورية في جنوب البحر الأبيض المتوسط (شمال أفريقيا أي بلدان المغرب الكبير وفي أفريقيا والعالم الإسلامي آن داك) ولم تعطى لها أي أهمية تاريخية سواء من نظام المملكة ولا حتى من زمرة العسكر القذافية .وكان من الممكن أن تكون ,تلك الجمهورية , رائدة وسابقة تاريخية في طريق عصرنه ليبيا نحو الحداثة وطريق الديمقراطية لو لم يقم المستعمر اطلياني بمحاربتها وحتى طرد المناضل “سليمان الباروني” من ليبيا في عام 1922. حين كان رئيسا للمجلس الرئاسي لتلك الجمهورية.وتشكل لهذه الجمهورية،حسب ،ما ذكره المناضل والمؤرخ “أحمد زارم ” الذي كان من أكبر قادة حزب المؤتمر الوطني :
الزعماء الأربع “للجمهورية الطرابلسية” الزعيم “سليمان الباروني” و”رمضان السويحلي “و”عبدالنبي بالخير”و”أحمد المريض”
ألمناضلين “محمد بك فرحات” و”سليمان باشا الباروني “و”الطاهر بك القرمانلي “في غرفة العمليات ضد اطليان
مجلس راسي من أربعة مناضلين (سليمان الباروني،رمضان السويحلي، وَعَبَد النبي بالخير وأحمد المريض) ويرافقه مجلس يعتبر كمجلس تشريعي وكبرلمان وسمي مجلس شورى على النحو التالي:
-محمد سوف المحمودي ويعاونه عبد الله الباروني
-علي شلابي عن منطقة سوق الجمعة والنواحي الأربعة
-عبد الرحمن شلابي من الزاوية
-علي المنقوش عن مصرانه
-محمد فكيني من الرحبان
-أحمد البدوي من الرنتان
-سالم البر شوشي من يفرن
-الشيخ شطيبة من غريا ن
-علي بن تنتوش من ورشفا نة
-الشيخ عبد الصمد النعاس من ترهونة
-مفتاح التريكي مسلاتة
-الشيخ علي بن رحاب من فماطة
-محمد بن خليفة من الساحل
-عبدالسلام الجدايمي من زليتن
-مفتاح التايب من ورفلة
-محمد المنتصر من سرت
-محمد بن بشير من ولاد بوسيف
-الشيخ الحبيب عز الدين من غلدامس
-عبد الرحمن بركان من مرزق
-عبدالرحمن الفايدي من الشاطئ
-عبيدة المحجوبي من صرمان والعجيلات
-إبراهيم بوالحباس من الجبل
وتشكل مجلس من علماء الشريعة ما يشبه السلطة القضائية من أربع أعضاء هم:
-الشيخ عمر الميساوي
-الشيخ الزورق بورخيص
-الشيخ محمد الإمام
-الشيخ مختار الشكشوكي.
وتم إختيار “مختار كعبار” مسؤول عن شئون الجمهورية المالية.وتم تعيين “عبدالرحمن عزام” مستشارا للمجلس الرآسي.
وكما يذكرنا المناضل “أحمد زارم ” بأن الجمهورية الطرابلسية قامت بإصدار جريدتين كانت إحداهما في العاصمة آن داك “مصراته” باسم “صحيفة أفريقيا” والثانية في “مسلاته” باسم “اللواء الطرابلسي”…وتم إعلان هذه الجمهورية يوم 16 نوڤمبر 1918.في مدينة “مسلاته “في مسجد “المجابرة.”
بينما ركز النظام الملكي ، منطلقا من الأحادية ومتنكرا للتعددية ،على النضال في شرق ليبيا وإظهار شخص “عمر المختار” كأنه هو المناضل الوحيد في ليبيا ونجد أن أسم هذا الشيخ سمي على أكبر الشوارع في المدن الليبية،ووضعت صوره على الأوراق النقدية الليبية، حتى أن معظم الليبيين لا يذكرون من النضال الليبيين إلا “عمر المختار” مع أن طبيعة النضال في المنطقة الشرقية كانت ذو طابع مقاومة إسلامية ضد الغزاة الطليان المسيحيين ، بل كان في واقعه امتداد للحروب الصليبية ولم يكن منطلقا من أي بعد ومفهوم وطني.بل كان منطلقا مما كانت تهدف له الحركة السنوسية وهو المد الديني ومحاربة الصليبين.
6-قام النظام الملكي باعتماد علم المملكة الليبية المتحدة يتوسطه علم الحركة السنوسية (الأسود اللون و تتوسطه نجمة واحدة وسط الهلال) (6) متناسيا ومتنكرا” لعلم الجمهورية الطرابلسية الذي كان بلونه الأزرق السماوي تتوسطه النخلة.ولا شك أن علم الجمهورية كان يمثل الاتجاه نحو المستقبل ومتخلصا من الخلافة العثمانية ودخولا في مرحلة الحداثة وإنشاء دولة الديمقراطية والمواطنة….
وهكذا تمكن النظام الملكي بالتخلص وبالتنسيق مع المخابرات البريطانية وتوجيهاتها والتعاون معها بالقضاء على التنظيمات الحزبية الفتية ،التي كانت متواجدة في كل منطقة طرابلس الغرب وجمعية “عمر المختار” التي كانت متواجدة في “درنة” في “برقة”، ومنعها من التواجد والاستمرارية,بل أكثر من هدا هو وإنكار دورها الأساسي والرئيسي الذي قامت به في استقلال ليبيا ككل وليس كما كان يريد “محمد إدريس السنوسي”حيث أنه كان دوما مناديا بالحصول على إمارة برقه وتوليته أميرا عليها بل أكثر من هذا تبعيتها الدينية للحركة السنوسية؛ و قام بطي صفحة النضال الليبي بشكل كامل فيما عدا تلك التي قامت به الحركة السنوسية وإنكار الدور التاريخي للمناضلين أمثال الذين قاموا بإعلان الجمهورية والتركيز وتعظيم وبشكل أحادي على دور “عمر المختار” وإظهاره كمناضل من أجل ليبيا كلها في الوقت الذي كان فيه هذا الشيخ هو من شيوخ وفقيه في إحدى زوايا الحركة السنوسية التي كانت تدعو إلى أهداف الحركة السنوسية،ومن تم همش النضال وتم إبرازه في شخص “عمر المختار”.
وأزيل من تاريخ النضال أسماء المناضلين الذين سجلوا تاريخا مشرفا ومشهودا له حتى من طرف المستعمر اطلياني في حربهم للغزاة الطليان من أمثال سليمان الباروني ورمضان السوي حلي وعبدا لنبي بالخير وأحمد المريض والمناضل “خليفة بن عسكر” ذلك المناضل المغوار الذي قاوم الطليان في منطقة جبل نفوسة وكان منخرطا أيضا في المقاومة التونسية ضد االإستعمار الفرنسي لقرب بلاده “نالوت” من الجنوب التونسي ،وكذلك تنكر النظام الملكي الكامل للمناضل “محمد فرحات” رجل الحداثة إبن مدينة “الزاوية” الذي كان أول ليبي يدرس في جامعة “السريون” بباريس وصاحب فكرة “الجمهورية الطرابلسية” ولا أولئك الذين قادوا النضال السياسي والحزبي للحصول على استقلال كل ليبيا من أمثال المناضل “بشير السعداوي” و”أحمد زارم” و”محمد وعلي الفقي” قادة حزب “الكتلة” وغيرهم.بل قام الملك محمد إدريس السنوسي بتعليمات من حلفائه البريطانيين باستبعاد إلى خارج ليبيا المناضل “بشير السعداوي” الذي كان من أبرز قادة النضال الحزبي والوطني المنادين بإ استقلال ليبيا في وطن واحد…
حيت كان مارآ ونصب له بعض العملاء الليبيين متظاهرين باستقباله و لتناول الغداء معهم وعند دخوله الخيمه وبعد جلوسه ونزع بندقيته قاموى بالهجوم عليه وتكتيفه وتسليمه لقوات اطليان الدين أعدموه.
وكان هدا المناضل يزاول نضاله مع رجال المقاومة التونسية في نضالهم ضد الإستعمار الفرنسي, وكان يتنقل بي مدينته “نالوت” القريبة من الحدود التونسية إلى الأراضي التونسية لمزاولة النضال ضد القوات الفرنسية.
كان مؤمنا بأن النضال لايقف عن الحدود الليبية لمقاومة الطليان بل لابد من هزيمة الفرنسيين مع المناضلين التونسين.
كان “خليفة بن عسكر” يؤمن بان النضال ضد الإستعمار لا تربطه حدود معينه… كان هدا المناضل سبق “تشي إيفارا” في نظرته “لاحدود للثورة والنضال.”
تنفيد حكم الإعدام في المناضل “خليفة بن عسكر” وإسمه يظهر باللغة اطلياني.
وفي حقيقة الأمر كان موقف كلآ من “السعداوي” و”حزب المؤتمر الوطني” حين تمت موافقتهم من أجل الحصول على استقلال كل ليبيا القبول بالشرط الذي وضعته بريطانيا مقابل ذلك بتنصيب “الملك محمد إدريس السنوسي” على ليبيا حتى أعطيت ليبيا الاستقلال لابد وأنه كان أمرا.يحتاج إلى الكثير من الإيضاح لتبريره والقبول به..
وبالرغم من كل هذا الذي قام به “بشير السعداوي” وحزب “المؤتمر الوطني” من قبول الشرط البريطاني بتولية “محمد إدريس ألسنوسي” نجد أن الملك قام بطرد”بشير السعداوي” من ليبيا وبحجة أنه لا يملك جواز سفر ليبي….وأنه كان يحمل جواز سفر سعودي..
وبهذا تم إخراجه من بلاده التي ناضل من أجل استقلالها كوطن واحد لكل الليبيين حتى تم طرده منها..
وبعد ظهور البترول وفي غياب نضج الوعي السياسي الذي كان سببه هو ما قام به النظام الملكي من منع وجود الأحزاب السياسية والتنظيمات النقابية والجمعيات الثقافية في ليبيا، بحيث أصبحت ليبيا عبارة عن ساحة خاوية من كل تأثير وطني محلي لتكوين وإنماء الوعي السياسي والنقابي والثقافي في وطن حديث النشوء ونظرا لازدياد تأثيرات التيار القومجي العروبي بشقيه البعثي والناصري في دول المشرق كسوريا ومصر،أنتشر بعض الهوس السياسي الساذج واتي من خارج ليبيا بطابعه القومجي العروبي والديني بين المتعلمين الليبيين في هذه الدول المشرقية وبالذات في مصر ودخول الإعلام المشرقي ودلك في غياب وضعف الإعلام الوطني المحلي ، بدأت تتشكل تنظيمات قومية عروبية منها حزب البعث في ليبيا والذي أشرف عَلى تأسيسه في ليبيا أحد قيادات حزب البعث العراقي ( علي سعدون حمادي) الذي تم سجنه في ليبيا مع مؤسسي الحزب من الليبيين من أمثال “عامر الدغيس ومحمد حمي” القياديين الليبيين لهذا التنظيم افي بداية الستينيات من القرن الفارط , وتكرر نفس الشيء مع تنظيم القوميين العرب الذي قام بإنشائه الفلسطيني “جورج حبش” ،الذي صار رئيس الجبهة الشعبية الفلسطينية،مع بعض الليبيين أمثال “نصر الدين البقّار وعمر مصطفى المنتصر” وغيرهم. .وأيضا تم سجنه مع بعض مؤسسي ومنتسبي التنظيم من الليبيين في عام 1967.
ومن الملاحظ أن فترة السجن التي تم تطبيقها على الذين تم سجنهم في هاذين التنظيمين كانت لفترة قصيرة الأمد ولم تتجاوز السنتين في أقصى حد, ولم يعرف سبب دلك في حقيقة الأمر.. وتبوأ كل من “علي سعدون حمادي” وجورج حبش” مناصب عليا في القيادة البعثية في العراق (رئيس وزراء الحكومة العراقية) وفي الإنتفاضة الفليسطينية (رئيس الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين)….
في ذات الوقت بداء, التخطيط من طرف المخابرات الخارجية لبعض الدول من أمثال بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية ,(للدولة الشمال الأفريقية التي تشير البوادر المستقبلية الواعدة إلى أنها ستكون دولة غنية ومصدرة للنفط وقريبة جدا من الجنوب الأوربي) وتم الإعداد لوصول طغمه عسكرية قومجية غريبة المنشأ مدفوعة بمزيج مختلط الاتجاهات السياسية الساذجة وذات الطابع الإسلامي المتخلف والمدفوعة بميول قومجية عروبية وأدخلت ليبيا في تناقضات لتنتهي بها إلى فاشية ابتدأت بالفردية ومنتهية بسيطرة العائلة والقبيلة التي إنتمى لها الديكتاتور “معمر القذافي” والدي مارس أشد أنواع الديكتاورية في ليبيا من إهدار لحقوق الإنسان وتبذير أموال ليبيا في محاولات يائسة لبناء مجد خيالي لشخصه..
كانت الفترة التي حكم فيها الديكتاتور معمر القذافي والتي زادت عن الأربعين عام من أسوأ الحقنات التاريخية في العصر الحديث التي مرت على ليبيا عانت فيها من كل النواحي.فمنذ بداية حكم العسكر تم الاستمرار على طريقة المملكة من حيث منع الأحزاب السياسية بل واعتبرت خيانة عظمى وأعتبر كل من تحزب خان حيث قام بالتخلص من بعض الضباط الوطنيين بعد أن استولى على الحكم.خوفا من إنتمائاتهم السياسية والثقافية, فبعد أقل من ثلاث أشهر.ففي شهر نوفمبر من عام 1969 قام باعتقال العقيد “الحواز” الذي أسس جريدة “الجندي” ذات الطابع التقدمي والتي تناوئ الإتجاه القومجي الإسلاموي الميول وتم قتله بالسجن في ظروف غامضة وضم معه الضابط “محمد فرج التومي” اليساري الانتماء والدي تم قتله في ربيع عام 1976 أيضا في ظروف غير معروفة ولفقت له كذبة الانتحار وكذلك المقدم “موسى أحمد ” الغير وتم إخراجه في القرن الفارط تم أعدم في ظروف غامضة. في ديسمبر من العام نفسه قام بقفل صحيفة “الميدان” للمناضل ” فاضل المسعودي” وأمم ممتلكاته البسيطة ” مقر سكناه وأضطر هدا المناضل للفرار والعيش خارج ليبيا حتى مات في “سويسرا” وكان يسكن في بيت العجزة قبل دخوله للمستشفى ورفض المستشفى لأخد جثمانه حتى يتم دفع مصاريف إقامته في المستشفى قبل موته وتدخلت حكومة الوفاق الوطني بدفع دلك حتى تمكنت أسرته من دفنه في “سويسرا””..
خرج القذافي في عام 1973 ليعلن ما سماه بداية “الثورة الثقافية” تلك الحركة المشؤومة التي كانت شعارتها كلها لا تمت لا للثورة ولا للثقافة. أوقف تطبيق القوانين في كل البلاد وحرق الكتب وسماها الفكر المستورد الذي أباح محاربته سواء كان يمينيا أو يساريا وسجن كل من أتهم بالإطلاع والثقافة وكتب كتيبا يعكس تصحره الفكري المتخلف وسماه ” الثورة العالمية الثالثة” وأسس ما سماه “الجماهيرية العربية الليبية الاشتراكية العظمى” مدعيا تجاوزه تاريخيا عصر الجمهوريات وبدء عصر الجماهيريات وليبرر نفسه من كل الأخطاء والحماقات الفاشية المجنونة التي كان يزاولها ويرتكبها وعلى أساس أنه ليس رئيسا لليبيا وإنما قائد الثورة العالمية وأن الشعب في ليبيا هو من يحكم ويقرر مصيره عن طريق ما سماه “المؤتمرات الشعبية”،وأدخل ليبيا في حروب مع جاراتها وأشعل حروب و”انتفاضات” سواء كانت في دول جارة أو حتى بعيدة جغرافيا من ليبيا،دمر التعليم ودمر الصحة والنظام الأمني في البلاد بل جعله مسيرا لحمايته والسهر عليه شخصيا..
أصر على تعريب ليبيا ونكران وضع جغرافيتها وتاريخها المتوسطي في الشمال الأفريقي،ليعود بعد فترة مدعيا انتمائه إلى أفريقيا وليسمي نفسه ملك ملوك أفريقيا…
توقع الشعب الليبي أن يصل إلى وطنه ليبيا كوطن حديث تتاح له فيه فرصة النضج والوعي السياسي والثقافي لينطلق في بناء داك الوطن على أسس حسب ما يتطلبه العصر, وجد نفسه من جديد في مرحلة القبلية والجهوية والوجاهة الاجتماعية. هكذا تعرضت ليبيا والشعب الليبي من جديد لتعميق وبناء الفكر القبلي والجهوي في فترة الملكية لتدخل في فترة الانقلابات العسكرية المبنية على الكذب إلى الأحادية القاتلة للتعددية السياسية والثقافية, لم يعرف الليبيون معنى العمل السياسي العلني ولا النقابات المهنية ولا معنى الانتماء الوطني ولا معنى الوطن الذي يتساوى فيه المواطنون جميعا ويغترف فيه بحقوقهم الوطنية ولا ما عليهم من واجبات لابد عليهم القيام بها,لم يعرفوا حرية الانتماء السياسي والثقافي ولا حق الاختلاف الفكري ولا حق التنوع والاختلاف الديني العقائدي,سيطر عليهم إبان حكم الديكتاتور القدافي الخوف من دلك النظام الشرس الذي كان يحتقرهم ويعاملهم معاملة الكلاب فلا تعليم ولا صحة ورعاية صحية ولا رواتب,فانتشرت البطالة والسرقة والمخدرات وحتى الدعارة. علمهم الكذب والاعتقاد بأنهم يملكون السلطة والثروة والسلاح وكان هو وعائلته وبعضا من زبانيته وأزلامه يملكون كل السلطة وببدرون ثروة البلاد في حماقات ويهربونها إلى خارج البلاد في البنوك الخارجية وشراء السلاح للكتائب الي تحميهم.
وهكذا تكون الشعب الليبي بعد حصوله على الاستقلال من الملكية التي نكرت النضال الليبي المتمثل في تكوين الجمهورية الطرابلسية ونكران مناضيلينها واختزال النضال في شخص وتضخيم دوره من خلال الحركة الدينية (الحركة السنوسية) ثم من منع الأحزاب السياسية من الوجود وتمهيد الطريق للقبلية والوجاهة الاجتماعية ثم إلى مجيء العسكرية المتخلفة التي حكمت البلاد لمدة اثنان وأربعين عام من القهر والعزلة السياسية والثقافية وحصارها بعيد عن أي تطور حضاري عصري,لم يعرف الليبيون الديمقراطية الحقيقية المبنية على احترام النظام واحترام الآخر حتى وإن أختلف عن في الرأي في هذه الظروف وهذا الواقع الاديمقراطي وبدون هوية وطنية وبدون الإحساس أو الانتماء للوطن وأرض الوطن ليبيا….
وفي هده الأجواء قامت انتفاضة (17 فبراير) في عام 2011, وبالطبع لم تكن هده الانتفاضة مصحوبة ببرنامج سياسي يمثل اتجاه معين وإنما كانت انتفاضة هدفها قيام تغيير وحسب وخاصة بعد انتشار البطالة و استياء الأحوال المعيشية في كل البلاد.وانعدام أي نمو أو إنشاء في ألبنية التحتية للبلاد.
وبطبيعة الحال لم تكن الدوائر الأجنبية وبالذات في الدول الكبرى (بريطانيا وفرنسا ) إلى جانب الولايات المتحدة من جانب ودولة روسيا من الجانب اآلآخر وقامت الدول العميلة المختلفة والطامعة بعيدة عن استعمال واستغلال الواقع الليبي إما لخدمة الدول الكبرى أو لتحقيق أطماعها ومصالحها أيضا في محاولة توجيهه لخدمة مصالحها وفوق دلك وتحقيق مطامعها السياسية والاقتصادية. وكان للدول الجارة العميلة وكذلك الدول الجارة لليبيا (دولة مصر) والدولة التي تدعي زعامة العالم الإسلامي (المملكة العربية ألسعودية الوهابية) والدول الخليجية والبعيدة (الإمارات العربية وقطر) عن شواطيء البحر المتوسط وجنوب أوروبا (الإمارات العربية وقطر) كل هده الدول سارعت في التدخل في ليبيا الوطن والشعب الذي كانت ثقافته غالبا عليها تصحر الهمجية والفوضوية القدافية التي نتج عنها عدم وجود أحزاب سياسية ولا تنظيمات نقابة مهنية ديمقراطية وكان هناك تصحر سياسي عميق ولا نضج ولاإدراك ديمقراطي ومتشبع بالسذاجة السياسية…
هذا الوطن “ليبيا”الذي به فسيفساء تجمع العديد من التكوينات الإثنية المختلفة التي تشكل التركيب الأساسي للمجتمع الليبي والتي هي جزء لا يتجزاء من المغرب الكبير الممتد من الحدود الشرقية لليبيا حتى المغرب؛ ومن ضفاف البحر المتوسط حتى للصحراء الكبرى ؛لم يتم اعتباره من الناحية التكوينية الإثنية العرقية ولم تطبق فيه التعددية بل طبقت به الأحادية العروبية القومجية وعلى إعتبار أن سكانه هم من العرب؟؟؟؟ وفرض دين الإسلام كدين دولة واحد في الوقت أن المنطق العصري و لمنطلق من مفهوم الحداثة يحترم فيه الدين على أساس أنه إعتقاد وإيمان يربط الإنسان بالخالق ويتطلب إبعاد الدين عن سياسات الدولة ويؤكد الاعتراف بالتعددية العرقية.
فكل ما كان عربيآ هو التحدث ب “الدارجة الليبية ا لعربية” التي تحتوي على ما يقارب من ال 25% من الكلمات والمصطلحات الأمازيغية والتي كانت تحتوي أيضآ على بعض الكلمات التركية الإيطالية نتيجة لتواجد آثار الاستعمار التركي والإيطالي لفترة زمنية منفاوته….
حاولت الدول الكبرى (تركيا الحالمة برجوع حكم الخلافة العثمانية ودولة روسيا التي كانت تنوي الحصول لها على قاعدة تطل بها على البحر المتوسط وتدخل بها إل الدول الأفريقية جنوب ليبيا للسيطرة ومواجهة الإمتداد الأوروبي والأمريكي) وحاولت معها الدول العميلة مساعدتها كل مع جهة معينة,وكان التيار الإسلامي والعسكري والعروبي من منطلق تحقيق ما يدعيه من مصالحه وما يريد تحقيقه من أطماع مندفعا في هدا الإتجاه ومرتبطا ببعض الليبين ومشجعا لهم جتى نجحوا في الدفع باللاد إلى إشتعال الحرب الأهلية بين شرق البلاد وغربها…
محمد شنيب
طرابلس ديسمبر 2022
(1)كان محمد بن علي السنوسي(الذي ولد في مدينة “مستغانم” الجزائرية) شيخا متدينآ وبينما كان في طريقه إلى الحج وتوقف في منطقة البيضا بالجبل الأخضر التي قرر عند رجوعه من الحج الاستقرار بهاو ونشر دعوته السنوسية التي كان قد قرر إنشائها بعد تأثره بالوهابية في ألجزيرة العربية وأختار واحة الجغبوب لبناء أول زاوية سنوسية بها وكان إختياره للواحة إختيارآ إستراتيجيآ
(2) راجع مقالتي “ليبيا الماضي والحاضر” في شهر يونيو 2021 نشرت في موقع أزول بريس الأمازيغي باللغة العربية ” azulpress.ma
(3)كانت الأحزاب السياسية في الغرب الليبي تنادي بإستقلال ليبيا كوطن واحد ولم تكن مقتنعة بإنشاء نظام ملكي مرتبط بالحركة الدينية السنوسية والتي تزعيمها “محمد إدريس السنوسي” كانت تنادي فقط بإنشاء إمارة برقة وعلى أنيكون أميرها الأمير ” محمد إدريس السنوسي”.وكان طرح الأحزاب في طرابلس الغرب في توافق مع جمعية”عمر المختار” في برقة.لكن المخابرات البريطانية رأت غير ذلك وأقنعت كلا من زعيم حزب المؤتمر وجمعية عمر المختار بعد أن وعدتهم باستقلال ليبيا ككل وعلى أن تكون ملكية تحت نظام إتحادي ملكه “محمد إدريس السنوسي”.وفي ذات الوقت خطت معه بإلغاء وجود أحزاب سياسية تشارك في قيادة البلاد الجديدة.وبهذا تكون هوية هذا النظام ملكية سنوسية قريبة الشكل من النظام الوهابي السعودي والهاشمي في العراق والأردن
(4) يشكل المسيحيين في ما يسمى منطقة الشام والعراق مكونات احتفظت بديانتهم المسيحية حتى بعد الغزو الإسلامي كأهل ذمة ( العراق وسوريا نسبة تصل إلى حوال 15% من المسيحين والشيعة بالذات في العراق فتصل نسبتهم إلى ما يقارب 30-40%،والأردن وفلسطين بنسبة 20-25% ولبنان حوالي 50-60% بينما تصل نسبة أقباط مصر إلى 20-25% إسرائيل
(5) المناضل “أحمد زارم” من مؤسسي حزب “المؤتمر الوطن” وكان رئيس تحرير جريدة الحزب “شعلة الحرية”.عاش مهاجرا في الأراضي التونسية التي عاد إليها قبل استقلال “ليبيا” وكان دلك عدم موافقته على تولية “محمد إدريس السنوسي” الملكية.
(6)وقد جاء في كتاب المناضل “صالح عمار ألنائلي صفحة 257 في كتابه الذي لم يتمكن من نشره نص الرسالة التي قام “يحيى سليمان الباروني” بإرسالها إلى “الجمعية الوطنية” التي تولت تصميم العلم بتاريخ 25-12- 1950 لافتا نظرهم إلى أن “لو يكون هناك تعديل طفيف مناسبا وهو زيادة نجمتين ويكون على صورته الأولى المفردة : احمر وأسود وأخضر يربطهما الهلال وثلاث نجمات التي تدل على أجزاء ليبيا الثلاث” غير أن هده أللفتة لم يعر لها أي حسبان. وكان قصد كل من المناضل “صالح عمار ألنائلي” والمناضل “يحيى سليمان الباروني” بهده أللفتة هو التذكير بأن العلم ألأسود أحادية النجمة إنما هو في الواقع علم الحركة السنوسية وبرقة ولا يعكس واقع النضال الليبي ككل.
اكتشاف المزيد من azulpress.ma
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
التعليقات مغلقة.