الآن… وقد برمج عقارب ساعته على صوت الآذان … تراه يهرول بين أزقة حي الخيام نحو مكانه المعتاد وراء الإمام… إذ تلتقي به… أو تتعمد أن تراه تحسّ بنبضات قلبه قريبة إليك… يضغط على يديك بقوة… يستفسر عن كل المعارف والأقارب والأصدقاء… يتجاهلك حين تستفسره عن حاله… ملحّا على استغلال هذه الدقيقة التي لا تخلوا بدورها من تشتيت تركيزه لكثرة الرّد على أغلبية المارّة الذين يقفون للتحية والسلام عليه..
تنتهز الفرصة لتوديعه.. بعد مسافة وبعفوية تتابع خطواته.. تتراءي لك شخصية طويلة القامة… متوازنة الطول كالعرض.. ذو قابلية بدنية عالية.. لم يقفل الأربعون بعد وسط ساحة مؤسسة تعليمية على مشارف إنهاء بعض مرافقها تحت إسم ( الإعدادية الجديدة – أمسرنات ) آواسط سبعينات القرن الماضي والتي تشير الوثائق الرسمية لذات الوقت إلى أن المنطقة خارج المدار الحضري…
منذ تلك اللحظة وتاريخ المؤسسة ومديرها عملة بوجه واحد… وبسقف زمني ممتد إلى أكثر من ربع قرن من التدبير الإداري لأكبر إعدادية على المستوى الإقليمي حتى تخوم شتوكة ايت باها.. استطاع الأستاذ جامع إكرو أن يضع بصمته الكبيرة في كل المجالات الحياتية داخل المؤسسة… انطلاقا من رمزية تسميتها بعبد الكريم الخطابي الذي تمّ اعتماده باقتراح من طرف الأساتذة وهي سابقة نوعية آنذاك على المستوى الوطني… خصوصا ونحن نستحضر المناخ العام المرشحون لسنوات 77/78… هي ذات التي تحولت فيها الإعدادية إلى أكبر تجمع تربوي بوصول عدد تلامذتها إلى 2800 من جل الأحياء الشعبية للمدينة.. من أمسرنات إلى البطوار… بوتشكات.. العيب والخيام.. وأكثر من 100 استاذ ومن مختلف التيارات السياسية والنقابية ووو
هي البصمة الأكبر لمدير المؤسسة الذي استطاع هذا التجمع بكل تتاقضاته حد الانفجار وليس بأقل الخسائر بل بهذا الدور الإشعاعي للمؤسسة الذي بدأ يتأسس منذ مطلع ثمانينيات القرن الماضي..
لقد استطاع سي جامع إكرو أن يعطي لمنصب المدير مفهومه الحقيقي في الدفاع عن مصالح المؤسسة وطاقمها الإداري والتربوي… بدأها منذ الأسبوع بالترافع لدى المصالح الخارجية للوزارة على إتمام سكنيات الأساتذة بالاعدادية وإن كان هذا الملف قد أغلق لأسباب خارجة عن طاقته.. إلى جانب الضغط وبقوة وإلحاخية على تتمة بقية المرافق العامة كالتسوير والملاعب الرياضية وتجهيز المؤسسة بالعجة التربوية نظير حاجيات المختبر وغيره… ليؤكد إحد الأطر الإدارية عاصر هذه التجربة بقوله ( لوكان كل مدراء المؤسسات التعليمية يدافعون عن مؤسساتهم بالطريقة والالحاحية كما عند سي جامع… ما بقيت مؤسسة بدون تجهيز)
هو لا يدافع بل يعتبر ذلك ضمن مسؤوليته المهنية والأخلاقية اتجاه محيطه…. وهي التي جعلته يقف ضد الهجوم الذي تعرضت له الإعدادية من طرف البوليس يوم 10ابريل 79 ضد إضراب الأساتذة… وكيف حوّل مكتبه إلى مكان آمن لأغلبيتهم… بعد أن تعرض للضرب والاعتقال… ليبدأ مسلسل آخر وهو الإشراف المباشر على صرف حوالاتهم ومدّها لعائلات المعتقلين بالرغم من خطورة الموقف فهي يقنعك حين يعتبر ذلك فعلا نضاليا اتجاه أطفال قطعت موارد رزقهم… هي مواقف لم تحوّله إلى بطل فحسب بل إلى أب حاول أن يستثمر هذا الرصيد المعنوي فخلق بذلك تناغما بين الأطقم الإدارية والتربوية خدمة للنشء… من نتائجه أن المؤسسة فوجئت ذات مساء سبت بلجنة وزارية فلاحطت الغياب الكلي للإدارة… والحضور الكلي للأساتذة وعلق أحدهم على ذلك حسب شهود عيان ( هذا تسيير بأسلوب الكومونات الشعبية)… ولم يخطئ في تصريحه إذا استحضرنا نشاطه السياسي كأحد أطر الحزب الشيوعي المغربي ذات سياق.
هو تدبير بإسلوب إنساني عميق يبدأ بالدفاع عن هذا التلميذ لدى الأستاذ للعودة إلى المدرسة حتى قبل أن تفكر الوزارة في ما يصلح عليه بإعادة التمدرس… والكثير منهم واصلت حياتها بعد هذه الالتفاتة…
هو نفس الأسلوب حين يقف إلى جانب الأستاذ اتجاه الإدارة إقليميا أو وطنيا…وهو أيضا من يعمل جاهدا ويستمر كل علاقاته من أجل توفير مصاريف التنقل والايواء والتغطية لفرقه الرياضية والمسرحية خارج المغرب وداخله… نفسه أيضا تراه يقود وفدا من الطاقم لزيارة مريض أو مواساة الآخر أو التراحم عن غيره
كان دائما في طليعة الجمع بين الناس… هو بئر عميق لأسرار أغلبية الناس…. خدوم حد الإحراج… صموت وسط هذا الضجيج… بليغ في كلامه.. حكيم في اقتراحاته…
لذلك أحبه الناس أثناء ممارسته… وأحبوه بعد تقاعده… لذلك مازال الناس لا يملّون للسلام عليه
اكتشاف المزيد من azulpress.ma
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
التعليقات مغلقة.