في إطار رصدنا وتتبعنا للسياسات الثقافية بإقليم تنغير بشكل خاص، وجهة درعة تافيلالت بشكل عام، توقفنا عند التراكم العددي الذي حققته هذه المنطقة في تنظيم العديد من الفعاليات الثقافية والفنية المتنوعة والمختلفة، وهو عدد من المرتقب أن يرتفع خاصة بعد مصادقة المجلس الجهوي على رزمة من مشاريع المهرجانات والملتقيات الجديدة.
وحسب العديد من التقارير الاعلامية والحقوقية، فجل هذه التظاهرات، تخلق جدلا حول الجدوى منها ومدى تحقيقها لأهدافها المعلنة، ومدى قبولها أو رفضها من طرف المواطنين، خاصة أن أغلبها يمول من المال العمومي، سواء من المجالس المحلية أو الإقليمية أو الجهوية، وتسير في الغالب من طرف مؤسسات وهيئات منتخبة، أو جمعيات لها ارتباطات بمستشارين جماعيين أو برلمانيين، وهي أنشطة تبلغ ميزانياتها ما بين 3 و 10 ملايين درهم، فينقسم الرأي العام بين مؤيد داعم وبين معارض مطالب بالإلغاء وتحويل الاعتمادات التي تخصص لمثل هذه الانشطة إلى مجالات أخرى كالتعليم والصحة…
فعلى سبيل المثال، يعرف إقليم تنغير تنظيم مهرجانات كبرى عديدة كمهرجان الورود ومهرجان الزي التقليدي ومنتدى مضايق العالم ومهرجان قلعة مكونة للمسرح ومهرجان اثران لموسيقى الشباب وكرنفال تنغير ومهرجان السينما الخ ، إلى جانب بعض التظاهرات المحدودة الإشعاع، وهو تراكم عددي هام كان إلى وقت قريب مطلبا ملحا لتحفيز التنشيط المجالي والترابي للمنطقة، باعتبار هذه الأنشطة وسيلة لاكتشاف وتثمين الطاقات والمؤهلات المحلية والتعريف بها وطنيا ودوليا.
بعد كل هذه السنوات من التراكم العددي، ومن منطلق إيماننا القوي أن أساس التنمية هو تنمية الوعي والفكر والإبداع، إذ نعتبر أن السؤال الثقافي عماد أي مخططات وبرامج ومشاريع مجتمعية، ولا نعتبر الهم الثقافي بذخا وترفا فكريا يجب تأجيله إلى أن ننتهي من النضال لتحقيق أولويات معينة على المستوى الاجتماعي والاقتصادي، بل نرى أن التنمية كل لا يمكن تجزئته، بل ربما الثقافة، بمعناها العام، هي أولى الأولويات.
لم يعد مقبولا أن تصرف ملايين الدراهم من المال العمومي على تظاهرات استمرت لسنوات دون القيام بدراسة جدواها وتقييمها تقييما خارجيا، والاكتفاء فقط بالتقارير الداخلية التي هي في غالب الأحيان تبرير قانوني محاسباتي للمداخيل والمصاريف، واجتماعات تبادل المجاملات، دون الاحتكام إلى تحليل آليات تحقق الأهداف من جهة، وكذا مدى ملاءمة الاعتمادات المخصصة مع ما يتم إنجازه وتحقيقه، إضافة إلى مدى التجديد والإضافة النوعية والشفافية والمهنية في التسيير والحكامة في الإنفاق المالي والدقة في التنظيم… بالتالي فما نحن بصدده مختلف تماما عن الافتحاص والتدقيق المالي.
لكن نرى في مرصد دادس للتنمية والحكامة الجيدة، أن الوقت الراهن يستوجب وضع رؤيا استراتيجية للسياسات الثقافية بالمنطقة، لتحقيق التكامل الايجابي بين المشاريع والقضاء على التقاطب والتنافس غير المنتج، ونوعا من الاعتباطية والمناسباتية والعشوائية في الانشطة.
في هذا السياق، قمنا، في مرصد دادس للتنمية والحكامة الجيدة، بابتكار “دليل لتقييم التظاهرات الثقافية والفنية”، سنعمل على تطويره وتجريبه على الأنشطة الجمعوية بالمنطقة، ووضعه رهن إشارة جميع المنظمين في بادرة من شأنها المساهمة في الرقي بالفعل المدني بشكل عام.
وندعوا في مرصد دادس للتنمية والحكامة الجيدة كل الفاعلين الترابيين والفعاليات المدنية إلى:
- تقييم علمي خارجي للمهرجانات والتظاهرات الثقافية والفنية بالمنطقة، لقياس مدى جدواها ومدى آثارها الاجتماعية والثقافية والاقتصادي للارتقاء بها إلى برامج ومشاريع نوعية.
- التنسيق الأفقي بين منظمي التظاهرات للتوجه نحو التخصص والتنوع والإبداع، عوض الاستنساخ والتكرار والقرصنة.
- وضع خريطة للتظاهرات الثقافية والفنية والرياضية وتوزيعها على طيلة السنة من جهة أخرى، عوض تكديسها في فترة محدودة، لتعيش المنطقة كسادا ثقافيا في باقي الأشهر.
اكتشاف المزيد من azulpress.ma
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
التعليقات مغلقة.