تيموزغا بين الكينونة و المصير الحلقة الثانية

في انتظار انطلاق أشغال الدورة الثانية عشرة للجامعة الصيفية ، ننشر على حلقات المحاضرة الافتتاحية التي افتتح بها المفكر حسن أوريد أشغال الدورة الماضية. المحاضرة ألقيت بالفرنسية وتمت ترجمتها إلى العربية من طرف ريناس.

المفكر د حسن أوريد //    awrid

    العربية التي امتزجت في نسيجنا الثقافي، والتي ذابت في منعرجات تاريخ امتد لألف سنة، هي أيضا لغتنا، نعيد التذكير به رفعا كل لبس، على مر العصور ونخبنا منفتحة على اللغات القد يمة، دون أن تتخلى عن العبقرية المتأصلة في قاعدتنا الجغرافية؛ أ كان مع أبوليوس ، أو القديس أغسطس، أو ابن خلدون، أو اليوسي، أو كاتب ياسين، أو مساعدي، أو خيرالدين، أو ابراهيم الكوني، حيث نجد هذه اللحمة التي تجعل من » المغاربي « أو الأمازيغي القريب من الإغريقي ربما على المستوى الأنتربوشكلاني ، خاصة نزوعه العقلاني؛ بحيث ينفر من كل التجريديات والتعابير الاستعارية الحافلة بها السامية ، والتي تحبط عزيمته وتكدره . الأمازيغي يجد نفسه يتفاعل كما الإغريقي مع المحسوس؛ وعند اعتناقه للديانات السامية، يصهرها في قالبه، فالديانات التوحيدية في صفاءها وإن كانت تتبرم من التماثيل والوسائط ، فإن المغاربي أو الأمازيغي ليس في مستطاعه إدراك المطلق بدون قديسين ووسطاء يستطيع محادثتهم ومحادثته ، كما الإغريقي الذي يملك آلهته ووسطاء الوحي . ونذر الإيمان التوحيدي وجوده مرتبط بهجر العقل ،بيد أن الأمازيغي بمقدوره أن يناغم بين الإيمان والعقل ؛ ولنا في القديس أغسطس و ابن رشد ابن ميمون آيات للتدبر والتفكير .
تلكم القاعدة الجغرافية كما قلنا حيث اللسان ميزتها الأساس، بكل تأكيد هي ركح النص أو الساكا (saga) ، لكن أين نحن من الفاعل-الممثل، الذي وضعنا له التصميم ؟ كيف لنا تحديده ؟ عرقيا ؟ أم اثنيا ؟ أم شعب ؟
من المستحيل الزعم بالنقاوة الاثنية، ليس فقط أن الفكرة غير لائقة بل أيضا خطيرة؛ يمكن أن نتحدث عن هيكلة إثنية تلاقحت بروافد أخرى ، كما يمكن أيضا الحديث عن اللحمة الثقافية المشتركة والتي تحم حولها جزيرات تستمد قوتها السياسية الثقافية والاقتصادية من ارتباطاتها بمجرات خارجية التي كانت أو ما زالت تنجذب إليها ؛ والظاهرة ليست بالغريبة فهي تتكرر منذ العصر الروماني . الفاعل الممثل لا يمكن تقزيمه في عرق أو إثنية أو حتى هوية ، بل هي عناصر واهنة تنتسب إلى الصيغة الكيميائية لجزيء كالأكسجين والهيدروجين بالنسبة للماء . لعل معرفة العناصر ضرورية بالنسبة لكيميائي الشعوب ؛ والمسألة فرعية حينما نفكر في المستقبل ؛ والفاعل الممثل هنا يسمى الشعب وهو شبيه بالماء الذي يسيل في النهر أبد الدهر ؛ القطرات مستبطئات السيلان ليتكومن من أجل تكوين مد يسيل بدون انقطاع مغذيا بالطبع من روافد متعددة تغنيه وتستطيع أيضا أن تفسد صفاءه وحتى تحريفه عن مجراه . للنهر منبع صافي ومسار منعرج ومصب ؛ وأهم المكانين والزمنين بالنسبة إلى النهر هما منبعه ومصبه : معرفة المنشأ وإلى أين المصير ؛ وسأعرج على هذه الصورة بتذكيركم بالقولة المأثورة لجون جوريس والتي أكررها غالبا : » سيرا نحو البحر يجعل النهر وفيا لمنبعه «جازم أن المصير مثمن المنبع وليس العكس .
لدينا الركح وهو القاعدة الجغرافية ، وحددنا الفاعل- الممثل وهو الشعب ، ترى ما هو النص الذي يجب إخراجه ؟
على النص أن يكتب ، ويجب أن يتطابق مع اعتبارين أساسين : القاعدة التاريخية ، والنظرة إلى العالم. . يجب على القاعدة التاريخية أن تدمج كل ترانيم ملاحم شعب؛ ويحدث من جراء فوران التاريخ أن تطفو إلى السطح إرادة طمس ومحو الترانيم السابقة ؛ فتسطو الإيديولوجية على العلم ؛ الثورة الفرنسية التي اعتقدت أنها شطبت على إرث النظام القديم حتى باعتمادها تقويم جديد، تعرضت لما يسميه هيكل بمكر التاريخ ؛ ليست المسألة إطلاقا بقطيعة بل استمرارية ؛ وهنا يجب إعادة قراءة » النظام القديم « لتوكفيل ليدرك المرء مدى جسامة استنزافه لذاكرته . كل القراءات الإيديولوجية من حيث الصنف لم تسلط الضوء إلا على مشهد وحيد من تاريخ إفريقيا الصغرى : غارة عقبة . غير خاف علينا أن الأسلمة في عهد الأمويين ستار للسيطرة العربية تؤكده كتابات المؤرخين والإخباريين الجادين والثقات أمثال ابن حوقل وابن خلدون ، ولم يكن أمام أسلافنا الأماجيد غير المواجهة الشرسة من خلال مقاومة باسلة بدءا مع المجيدة ديهيا ثم مواجهة الغزاة بنفس أسلحتهم بتبنيهم للمثاليات المعلنة من طرف الخوارج ذلكم المذهب المساواتي في الإسلام الراسخ إلى يومنا هذا في جبل نفوسة والمزاب والكامن في الصرامة الدينية بواحات بالمغرب وموريطانيا بالرغم من اندثاره لزمن غير يسير
العلاقة بالإسلام تأرجحت بين جنوح نحو تمزيغ الإسلام التي اختفت مع البورغواطيين ( لما لا إمكانية نطقها البولاغوطيين علما أن اللام والراء متعاوضة ، ولاكواط أثر فيلولوجي للبورغواطيين ولما لا مدلول سيمانطيقي ) . والجنوح الأخر الذي يبغي أسلمة الأمازيغية والمرابطون حاملي لواءه . الأمازيغ لم يفقدوا قط روحهم باعتناقهم للإسلام .
ما يهمنا من هذا الوعاء التاريخي وهو التشييد على أسس صلبة ، وهذا لن يتأتى إلا بمقاربة علمية لتاريخ إفريقيا الصغرى . نعم التاريخ قبل عقبة كان غنيا ، إفريقيا الصغرى منحت للإنسانية جهابذة الفكر العالمي وكانت أيضا ملجأ التراجع حين تعرض ضفة المتوسط للاكتساح البربري ، ومشكاتا حينما كانت أوروبا تغط في الظلمات . أستحضر القديس أغسطس عملاق الفكر الذي استطاع صيانته في كنف الكنيسة وأنجز زواجا سعيدا بين العقلانية والروحانية. وبعد عقبة كان تاريخ غني وصاخب يجب معرفة فصل المتشابكات .
العلاقة الموضوعية مع التاريخ من منطلق نسبي أساسية ، لأن في المنتهي يجب مسائلته كما قام به ابن خلدون. أكيد لا يمكن نفي التأثير الثقافي القوي للشرق منذ غزو عقبة ، ولكن كيف يمكن نكران المسار العمودي الذي استولى على علاقات إفريقيا الصغرى بجوارها ؟ وهذا بارز قبل الإسلام وليس أقله بعد الأسلمة .الضفتين معا تتقاربان وتتعايشين من خلال زواج جلي في الأندلس وسردينيا وصقلية ، ويحدث أحيانا علاقات خفية من خلال المستشارين والمتملقين والتجار والخليلات والمغامرين بعضهم يوسمون بالمروق والبعض بالكوارث ؛ أيضا تصل الضفتين أحيانا إلى الطلاق ويكون مريرا للغاية . لنستحضر أطفالهما الموسومين بالموريسكيين المطرودين من ديارهم .
وكل مرة وقع الطلاق ، يقع دائما بمرجعية إيديولوجية طهرانية بإيحاء ديني : الجهاد الريكونكيستا ولازمته التفتيشية …. ومن الجنوب يتم سقي إفريقيا الصغرى باستمرار من خلال موجات النزوح الحاملة للخطاب الطهراني . هكذا هي دسيسة التاريخ . ولكن للحركة أن تتخذ الاتجاه الأخر خصوصا عندما ينكمش الشمال ، وغالبا ما تتخذ شكلا فرديا أو مجموعات تستهويهم المغامرة أو التجارة والحث على الموعظة الحسنة ، أو كل هذا بالمرة .
نظرا للتقدم العسكري والتقني والاقتصادي الذي عرفته الضفة الشمالية ، عاود الحنين مغامري أوروبا لإعادة لحم الضفتين معا من خلال المغامرة الاستعمارية . ما كان سيكون زواجا سعيدا غدا اغتصابا ؛ اغتصاب عنيف ما زالت مغباته تنزف إلى ساعتنا هذه . ولا بد من التصريح بشيء مؤلم وهي نفس اللعنة التي أصابت ألأطفال المزدادين من زواج الضفتين، الذين طردوا من مسقطهم بالجزيرة الإيبيرية وحصل هذا منذ أربعة قرون ونيف ؛ أصابت أبناء آخرين لأقطارنا تعرضوا للطرد والنفي من بلاد ازديادهم ساهموا في اعمارها ، إنني أستحضر هنا الموسومين ب » الأقدام السود « . كيف أن نمنع لشخص ما يحدد نفسه كشمال إفريقي، ارتباطه بهذه الأرض ؟ كيف يريد المرء رؤيتهم تحت طيف مشوه كنازحين حتى التخمة ومتغطرسين مزدرين ؟


اكتشاف المزيد من azulpress.ma

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

التعليقات مغلقة.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. الموافقة قرائة المزيد

اكتشاف المزيد من azulpress.ma

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading