“تيزي ن تاست” وأخواتها :مهوى الأفئدة..!

 

أرض طيبة معطاء، مكتنزة الاسرار ،يأتي فصل الشتاء ،تهطل الثلوج في رفق ورتابة، تمنح رحمها حياة ،وتبدع صورا خلابة ، الناس من كل حدب يأتون  للاستمتاع ، بين أكوام تفترش القمم بحلل بيض تسرّ الناظرين، بسمة الرضا على وجوه بريئة عابقة ،وفي فصل الربيع تكتسي حلة خضرة دائمة، تتزيّن بمختلف أزهار أعشابها ،ارض عشقها الأولون والآخرون،لا تنبت الا طيبا، وهبها الله بهاء المنظر ونضارة الفضاء وحسن الطبيعة، تربتها خصبة وعذوبة مياهها تغضر تضاريسها؛ يزداد شْوقك نحوها، ويتأكد عزمك على ارتيادها،  إن انت مولع بالرحلات ، وملئت غراما كبيرا للاستطلاع وشوقا جما للاكتشاف ،وكم أنت تشعر بارتياح نفسي.! وانشراح صدري ! حينما تمر بين فجاج  “تيزي نتاست ” تستطيف حول متاهات هندسية لا تزال تنم عن لمسات فنية  منها تتبدى عبقرية اهل سوس وأول سماتها فيما لا يزال يناطح الدهر إلى زماننا، من آثار الأجداد  ومن غنائم حصدوها أمام غزاة ، وهو ما به يسطع نور البرهان على عظم صولتهم ، من سعة قدرتهم  اجتهدوا و جادوا فأصابوا بالتي هي أحكم وأجمل.
منذ  ستّين سنة خلت،انجز المسلك ،من غاياته المثلى ،  صلة وصل بين أجزاء البلد  في زمن  جزئ الوطن الى: “نافع”و”غير نافع” ،منطقة “تيزي نتاست” لم يصمد من اسمائها الا ما كان طوبوغرافيا محضا ،كثيرا ما حاول الإنسان طمسه! كلمة”تيزي نتاست” تركيب لغوي امازيغي من لفظين “تيزي” في العربية قورن بلفظ “فج”  وفي الفرنسية تقابله كلمة “Col”  ويعزى الشق الثاني منها أي كلمة “تاست” الى ما يروى أنه عشبة عطرة  من أغراسها ،كثر نبتها  في قمم جبالها وسفوحها،  يؤكد هذا المسعى ، مناطق كثيرة في المغرب الكبير حافظت على هذه المعاني الطوبوغرافية أُذَكِّرُ ، لا من حصر، بأخوات منها :، تيزي ن اوليلي بتغسالين ، تيزي ن تايدة بمرموشة ،تيزي ن تيشكا بوارزازات، تيزي ن صلصال بخنيفرة ، تيزي ن غاطن بميسور ،تيزي ن معاشو بشيشاوة ،تيزي ن غشو ببومية ، ،وتيزي ن تلغمت بميدلت ، وتيزي ن ايسوليتن بسكورة ،تيزي ن تانوت باغبالو ، تيزي اوسلي بتازة ، تيزي  اوزو بالجزائر ،وتيزي ن تاست بايت سمك احدى كبرى قبائل سوس،  مناكبها في الشمال الشرقي لتارودانت ، في شرقها جبال شامخة تعمّم هاماتها سحب سماء اوناين، وجنوبا سهول رحالة ولمنابهة الشاسعة ، وبغاربها تسمو الى أعنان السماء هضاب اداومسطوك حيث تحدها قبائل اغبار ووادي نفيس شمالا ، قبيلة ايت سمك عبارة عن افخاد وعشائر منها : ايحنكيرن واهل انزال وايت معلا  وفخدة تاركا لحنا وايت بوبكر واهل تمتمازر وارك ،مركز اداراتها بتافنكولت ،تقع القبيلة بسفوح “ادرار ندرن” واسطة عقد  سلسلة الاطلس الكبير ،اسم مركب اضافي ،بالامازيغية  يعني جبل الحياة والماء،تتناوب تضاريسها المتنوعة، منحدرات تعانق مرتفعات تطل على سهول فسيحة ، مسلك تطبعه الوعورة، ارتبط ذكره كثيرا بمأسات فاجعة من حوادث حصدت أرواح العابرين! ماذا لو عمدت الدولة الى تشييد أنفاق ، في مكامن يعسر و يصعب إيلاجها ، ألن تنهي معاناة المسافرين ؟ وتحل معضلات القاطنين! وتساعد على التغلب على العقبات التي تبرز باستمرار،  وتوفر انتقالاً مباشراً وسلسا للسالكين وتخفف اوزار اكتظاظ على الطريق السيار بين أجزاء الوطن ؟
سهول ايت سمك  أقدام جبال  الاطلس الكبير ، سهول صخرية تكونت بالقرب من سفوح ” أدرار ندرن “، نتيجة عوامل النحت والتعرية بفعل سيول وديانه العميقة ” بوسرويل “و” تاركة “و”احنكرن”و”انزال” ، سهول غنية بأشجار متنوعة ، الزيتون بانواعه ألاسود و ألاخضر ، واغلبه زيتون “أربكوينا ” ويعود أصله إلى إسبانيا، انتشر في المغرب انتشاره في أمريكا الجنوبية وفلسطين، يتميز بالصلابة ويتحمل الصقيع شتاء، والصبر على الحر الشديد صيفا، ويعمر طويلا، ثماره غنية بالزيت وأشبه بالزيتون البري، غالبا ما تجاور الشجرة المباركة رفيقتها شجرة الخروب العريقة، مصدر الاستظلال في فترة الحر، ضخمة ودائمة الخضرة ،يطلق عليها  بالاجنبية Carob  ، عريضة الثمار ذات اللون البني، تتخد اشكال قرون حبلى  بحبوب عدسية ، تتكاثر بالرياح و بالحشرات ،الخروب من الأشجار الحرجية المتوطنة في البلاد مبكرا ، وقع آثارها كبير على الاقتصاد المعيشي المحلي ، وهنالك على امتداد أفق تيزي نتاست تبدو شجرة العرعار الخضراء، بالامازيغية تسمى”أزوكا” نوع من المخروطيات القلائل ، يستعمل نباته في العلاجات التقليدية  مثل أمراض الجلد و الإكزيما ،وحب الشباب، خشبه ثمين جدا ودوره كبير في صناعة وتزيين أثاث المنزل المرصعة بخشب الليمون ، من منافعه مستحلب زيتي بلون أسود من اتلافه ، يسمى القطران مطهر طارد للهوام ، للهوام ، وعلى شكل مراهم تذهن به قراب جلدية  تستعمل لمياه الشرب،تضفي عليها نكهة نسمة، ورائحته تطرد الحشرات السامة ،  تنفرد شجرة “اركان” بمكانتها المتميزة توفر حطب التدفئة وتهب ثمار زيت أركان ،غابات شاسعة تنفش في مراتعها الخصبة غنم الاهالي ، وهي بمثابة حواجز أساسية متراصة تتصدى لمخاطر التصحر وعنفوانه ، مواد  مختلفة مدرة للدخل تنعش نمط عيش الساكنة المحلية، وأخرى نباتية عشبيةطبية ، آن الآوان الى عقلنة نموها وتاهيل آليات استغلالها التقليدية بصوغ أساليب التسويق العصري للصيدليات المتخصصة و المراكز العلاجية ،وتأسيس مراكز قصد تسهيل اقتنائها وتوزيعها ، والسعي الى حفظها، ومن أبرزها إكليل الجبل، يسمى محليا ” أزير “، وبالفرنسية Le romarin  ،شراب عطر يمزج بحبوب البن “قهوة” ، نبتة تهدئ الأعصاب، وتتعدد استعمالاتها في البخور وطقوس أخرى ،
وإذا مررت بوديانها وعلى جنبات تلاعها، تتلألأ  منها  أشكال وألوان لزهر شجرة الدفلى،  ويطلق عليها لفظ”أليلي” وهي بالفرنسية  Laurier-ros  شجرة صغيرة تدخل في بعض تحضيرات الطب التقليدي. من أخشابها تصنع بعض ادوات الحياكة من مغازل النسيج ،وعصوات رقيقة تزين بها سقوف البيوت ،وأخرى في الحصاد  ومنها المِدْرَى جمع مدراة اداة من خشب على شكل أسنان المُشْط ، بها يذر الزراع الثبن ليفصل عن الحب ، وتسمى بلسانهم “تازرت”.
قبل الختم ، وحسب قول الباحثين فإن منطقة “تيزي ن تاست ”  تعد من أغنى مناطق المغرب أعشابا عطرية وطبية متنوعة، وتجد منها :الخزامى والشيح والزعتر بنوعيه والحرمل …الخ.
أيها العاشق أدعوك ،وأنادي قلم الكاتب وعدسة الفنان وريشة المبدع الى خلوة تأمل في سفر  من أسفار  هذا الملكوت  تجلت به أسمى المعاني ،الى الابحار في غياهب أسرار ” تيزي ن تاست” اثناء غوصك تستوقفك ملامح باحات تقليدية ،  لتلتقط انفاسك  وتبلل ريقك بحسوات من “قهوة ” منسمة بأعشاب عطرة مريئة ،تقدم للعابر المسافر ،وأشهر باحاتها الساحرة فضاء “ءيمدرس” العريق العجيب ..!


اكتشاف المزيد من azulpress.ma

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

التعليقات مغلقة.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. الموافقة قرائة المزيد

اكتشاف المزيد من azulpress.ma

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading