توشحت المكتبة المغربية بإصدار جديد ” الزجل في الشعر العربي.. سيرة مصطلح” للدكتور أنس أمين..
أزول بريس
صدر مؤخراً عن دار الكتب العلمية بلبنان كتاب ” الزجل في الشعر العربي… سيرة مصطلح للناقد المغربي الدكتور أنس أمين؛ وهو كتاب ينخرط في البحث اللساني الأركيولوجي في ظهور مفهوم الزجل وتطوره عبر الحقب الأدبية في الشعر العربي.
ومن مقدمة الكتاب يستزيد الباحث الدكتور أنس أمين قائلا، أنه إجمالا ترتبط هوية المفهوم بحقلٍ أدبي أو علمي، وهي نتيجة مجهود العلماء، حيث تتراكم المفاهيم على شكل تراكم معرفيٍّ عبر التاريخ وهي أساس كل بناء معرفي ودون المفاهيم تكون المعرفة سطحية.
في حين أن المصطلح باعتباره مفهوما رامزا يعتبر أحادي الدلالة ومنزاحا نسبيا عن دلالته المعجمية الأولى، إذ يعبر عن مفهوم نقدي واضح ومحدد ومتفق عليه بين أهل الحقل المعرفي الواحد.
وتأسيسا على ما سبق، يتضح أن سبيل المفهوم هو الفكر والمعرفة في حين أن سبيل المصطلح هو اللغة التي توضح وتقرب المفهوم من الكلمة، وبذلك يكون المصطلح متداخلا مع المفهوم ومكملا له باعتباره تحقيقا ماديا له.
لذلك سوف تتخذ مقاربتنا لمفهوم (الزجل) وجهة كرونولوجية تبحث عن الأصول التراثية وتنظر في البوادر الحداثية للمصطلح الزجلي في إطار رؤية متكاملة تبلور التَّتْريث والتحديث في مفهوم الزجل على جهة ما هو مصطلح فني تُدووِلَ في الشعر العربي قديمِه وحديثِه.
وقبل أن نبسط معالم هذه المقاربة، اخلَوْلَق بنا أن نشير إلى وازعِ إعداد هذا الكتاب جمعاً وتوثيقا وهو: ما يُتداوَل بين الأكاديميين في معرض حديثهم عن الزجل من أن مفردة (زجل) لم ترد في الشعر العربي إلا مرة واحدة عند ابن الرومي فقط بدلالة الصوت، في حين نرى خطَلَ هذا الاعتقاد في هذا التصوّر على جهة ما أن مفردة (زجل) جذر لغوي في المعجم العربي، ما جعلني أن قمتُ بسياحة قرائية واستقرائية في الدواوين الشعرية العربية منذ العصر الجاهلي إلى الشعر المعاصر، إيماناً منّا أن الشعراء لابد أن قد استلهموا هذه الكلمة في أشعارهم في مختلف مراحل الشعر العربي وبدلالاتها المختلفة؛ لذلك عندما سُقتُ الشواهد الشعرية التي تنهض حجة على صحة ما ذهبتُ إليه لم أَرِدْها عارية من سياقها بل دبَّجْتُ سبب القول الشعري وأخرى ذيَّلتُ في هوامش الإحالات دلالات مفردة (زجل) حتى يتّضح للقارئ المعاني المبطنة للفظة (زجل).
لذلك وبالأوْبِ إلى مسرد الشعراء من هذا الكتاب، ينبري للقارئ أن المصطلح (زجل) تهدَّجَ استلْهامهُ وتوظيفه عبر مراحل تاريخ الشعر العربي من العصر الجاهلي إلى الشعر المعاصر.
علاوة على هذا فإن لفظة (زجل) كلمة عربية صرفة، يعود أصلها إلى جزيرة العرب قبل الإسلام، حيث كان الشعراء الجاهليون يقولون الزجل على شكل مناظرة بين ثُلّة من الزجالين مصحوبة بإيقاعٍ لحنيّ على نغم بعض الآلات الموسيقية، وإلى هذا أشار صفي الدين الحلي في كتابه [العاطل الحالي والمرخص الغالي] بقوله: (وإنما كان لا يلتذ به ولا تفهم مقاطع أوزانه ولزوم قوافيه حتى يُغنّى به فيزول اللبس بذلك).
ولما كان الشعر الجاهلي أنواعا كثيرة، منها: المقبوض والمبسوط والقريض والقصيد وغيرها، فقد كان يعتبر الزجل شعرَ العامة ولا سيما القبائل القابعة في العربية الجنوبية إذ كانت تنظم الشعر متأثرة بالقوالب القديمة وببحور جاهلية لم يحفل بها الخليل بن أحمد الفراهدي أو أنه لم يقف عليها، ففاتَ أمرها على العلماء وأصبحت من الشعر العامي المبتذل وهو الزجل لتحقيق الصِّواتية الغنائية فيه والذي لم تجنح إليه عِلْيَة القوم إنشادا وقرضا؛ لذلك لم يجرؤ عنترة وهو مملوك أن يقول شعرا بل كان يُزْجِل، ومن الشعراء الذين نظموا الزجل ضمن مناظرات شعرية في ظل القبيلة نلفي امرأ القيس والخنساء.
وإذا كان الزجل يُسْتهجَن في بعض مراحل تاريخ الشعر العربي ويُسْترذَل مَقُولُه، فإنه أصبح في العصر الأندلسي شكلا من أشكال الشعر العربي باللغة المحكية ارتجالاً بخاصة في القرن الثاني عشر الميلادي على يد ابن قزمان الذي اعتبره المقري من (الزجالين بمنزلة المتنبي من الشعراء).
وإذا كان الزجل كما ذهب إلى ذلك ابن خلدون فنا قوليا (وشعرا عاميّا لا يتقيد بقواعد اللغة وخاصة الإعراب وصيغ المفردات) ولإيجاد تعليلِ الربط بين الاستعمال اللغوي والاستعمال الاصطلاحي لمفردة (زجل) في الشعر العربي عبر عصوره من خلال الشواهد الشعرية المنسحبة على متن هذا السِّفْر التوثيقي؛ نلفي أن لفظة (زجل) في الشواهد الشعرية تَمَحْرَقَتْ بين دلالات متباينة من خلال لفظة (زجل) ومشتقاتها حيث تهدّجتْ دلالاتها في متون الشواهد الشعرية التي اجْتبيْناها من الديوان العربي والتي بعد مدارستها ومساءلتها نجد أن مادتها الشعرية اكْتَنَهَتْ معانٍ على النحو الآتي:
– الزجل: سحاب ذو رعد.
– الزجل: عزيف الجِن/ صوته.
– الزجل: صوت مُطرِب.
– الزجل: صوت الريح المُتخلَّل بين النبات.
– الزجل: الطّعن بالرمح.
– الزجل: الضجّة واختلاط الأصوات.
– الزجل: تقليب النَّعام بيْضَه إبان الحِضان.
– الزجل: رمْي الناقة بما في بطنها.
– الزجل: وَسْمٌ يكون في أعناق الإبل.
– الزجل: اللعب.
– الزجل: تسبيح الملائكة (كما في الحديث النبوي).
– الزجل: نوع من الشعر تغلب عليه العامية.
إن هذه الأضمومة الدلالية استفتاءٌ من الدلالة المعجمية التي لاَطَتْ بالشواهد الشعرية المستلْهِمَة للفظة (زجل) والتي نسخت الواقع المعرفي والذوقي والجمْعي لشعراء العربية على تباين عصورهم؛ لذلك كانت غاية هذا الكتاب هي سؤال الشاهد الشعري وتفكيكه وإعادة تركيبه لتجْلِيَة حدود دلالة مفردة (زجل) وما يرافقها من اكْتِناهٍ تراثي أو ما يُدْلِف إلى حداثية الرؤية.
اكتشاف المزيد من azulpress.ma
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
التعليقات مغلقة.