تمغربيت و تسياسيت .. نقد و لكن من أجل مواصلة الطريق

أزول بريس –  لكبير الغازي //

      النقد جزء لا يتجزأ من العمل موضوع النقد. يكتسي أهمية كبيرة في إغنائه برؤية مغايرة و يوجه و يثير الانتباه و يُقوّم، غايته تجويده أولا و أخيرا. بينما غيابه يترك ثغرات في العمل تُظهر عيوبه و نقائصه، الشيء الذي قد يضر بقيمته و يؤثر في أهميته. لذلك لا ينبغي التضايق من النقد أو الانزعاج منه، بل على العكس من ذلك يتعين طلبه و ابتغاؤه لأنه يعطي البديل و يقدم التصويب وفق نظرة مخالفة و مكمّلة. ففي مجال الأدب و الفن مثلا، يكون النقد قاعدة لا يكتمل العمل إلا برؤية الناقد التي ترتقي بالعمل و تكون بمثابة قيمة مضافة له. و ليس الأمر على غراره، للأسف في مجال السياسة في بلدنا المغرب بالخصوص و في البلدان التي تعيش شعوبها نفس الظروف الاجتماعية، لكون الفاعل السياسي في أغلب التنظيمات السياسية، انطلاقا من قناعاته الشخصية وطموحه الذااتي ، يرى أن الصواب الوحيد هو ما يعتقده صحيحا و السبيل الوحيد لبلوغ المراد هو ما يفهمه شخصيا. فرأي كبير الحزب مقدس و ملاحظاته قانون ورغباته أوامر، إلى درجة أن التراتبية في المسؤولية الحزبية تقابلها تراتبية في الرأي و في السلطة و القيادة ولا شيء يحدد هذه الأخيرة غير القرب أو البعد من كاتب أول  أو أمين عام أو رئيس الحزب. فالديموقراطية لا تعدو أن تكون إلا شعارا.

هذه المعطيات تدل على مشقة ممارسة  السياسة من داخل الأحزاب السياسية في ظل الأجواء القائمة وصعوبة التحرك فيها لمن نشأ في أحضان الحركة الأمازيغية و تشبع بفكرها. فثقافة الحركة الأمازيغية ديموقراطية بمعنى الآلية و القيمة في نفس الوقت، ومرجعتيها دينامية و رؤيتها علمية.

نتساءل حول حجم التنازلات التي سيقدمها الملتحقون الأمازيغ بالأحزاب، و سعة صدرهم و مقدار صبرهم في تفاعلهم مع رفاقهم الجدد في التنظيم.

ننتظر  حماسهم في الترافع حول قضايا المجتمع وتأكيدهم على أهمية و مكانة الأمازيغية و الديموقراطية في تنمية المغرب.

نترقب مذكرات و بلاغات باسم هذا الحزب ، و تصريح وبيان باسم ذاك.

أقول العمل الحزبي و ليس السياسي لأن مواقف الحركة الأمازيغية سياسية في أغلبها منذ مدة، يجحف في حقها من يقول إن مطالبها لا تشمل إلا اللغة و الثقافة و التنمية الاقتصادية أو الاجتماعية. كما أنه بالرغم من استقلالية الحركة في مجملها عن كل تنظيم سياسي، فبعض مكوناتها ، كما يعلم الجميع،  لها ألوان حزبية . و للتأكد من سياسية مطالب الحركة يكفي النظر في بياناتها ومواقفها، فالمطالبة بدولة القانون المبنية على التداول على الحكم وفصل السلطات واستقلال القضاء وسمو القانون والتدبير الديموقراطي لشؤون المجتمع و إعادة كتابة التاريخ و حرية المعتقد، كلها مطالب سياسية بامتياز، تنادي بها الحركة الأمازيغية و مازالت تنادي  وتجهر بندائها.

لا أحد ينكر التحول الذي يحدث عند الأفراد و الجماعات بالممارسة و اكتساب التجربة، و لا أحد يستطيع أن يجادل في بعد النظر و كيفية تقدير الأمور الذي يكتسبه  المتمرسون.  لكنه مع ذلك لا تشفع قدرة تكييف المواقف بالمواقع بتغيير المبادئ، فهذه الأخيرة  تبقى ثابتة لا تتبدل مهما تغيرت الظروف.

فالأمازيغية أولوية أغلبية مناضلي الحركة الأمازيغية و يلزم أن تبقى كذلك، و أن العمل الحزبي صيغة جديدة للدفاع عنها و النضال من أجل دعمها و تنميتها. و لا ينبغي أن تكون كيس الكاهن الذي يبرق و يستهوي في مظهره، و يحتوي على أدوات تتحول بقدرة العراف حسب إرادته و رغبته. كمصطلح “تمغربيت” أمازيغيي الشكل و نقيضه في المعنى.(أنظر تمغرابيت و ما وراء المصطلح).

لكن هل يجب أن نقف مكتوفي الأيدي ننتقد ولا نعمل؟ بالطبع لا يجوز ذلك، رغم أن الأمازيغ يقولونⵢⵓⴼ” ⵓⵙⵉⴽⵉ ⴳⴰⵔ ⵜⴰⴽⵔⵣⴰ(ⵜⴰⵃⵕⵕⴰⵜ)  معناه يستحسن التريث في الأمور.

السؤال اللينيني ذائع الصيت يطرح نفسه بإلحاح،  ما العمل إذن؟

لقد وقعت تراجعات في مكتسبات الأمازيغية على قلتها في العشرية الأخيرة، سببها في اعتقادي عاملان اثنان. أولهما ذاتي للحركة الأمازيغية. ذلك أنها عرفت سكونا و نوعا من الركود بعد سنة 2011 أعطى عنها انطباعا و كأنها ضعفت. و هو مجرد انطباع ليس إلا. فلهذا الارتخاء تفسير منطقي، و هو أن سقف المطالب لديها قبل التاريخ المذكور أعلاه  كان يتجلى في دسترة الأمازيغية و بتحقيقها لما وضعته في أعلى مطالبها، أنجزت الحركة أقصى ما يمكن لها انجازه.  الشيء الذي يتطلب  منها إعادة ترتيب أولوياتها لاسترجاع حيويتها . غير أن ذلك ليس أوتوماتيكيا ، بحيث أن حدوثه يتطلب بعض الوقت. الشيء الذي يمكن ملاحظته  بالفعل، فبعد مدة وجيزة بدأت تظهر محاولات تنظيم العمل في الحقل السياسي مثلا.

 العامل الثاني هو أنه في نفس المرحلة، وصلت إلى الحكم أحزاب تُكنّ العداوة للأمازيغية و وجدت في هذه المرحلة فرصة سانحة لتقوم بمجموعة من التراجعات و التخلي عن مجموعة من التزامات الحكومة السابقة . فتقهقر تعليم الأمازيغية و تأخر تفعيل الطابع الرسمي المتعلق بها… و عملت الحكومة على تثبيط  الأمازيغيةعلى مدى الولايتين الأخيرتين.

للنهوض بالأمازيغية في الوقت الراهن، أظن أن الاشتغال على هذين العنصرين كفيل بمساعدة الحركة الأمازيغية لاستعادة حماسها ونشاطها، أما القوة التي أبانت عنها فهي كامنة في ذاتها و ثابتة في عدالة قضيتها. 

فما هي السبل التي يمكن أن تسلكها في مواصلة عملها ؟

و ماهي امكانياتها لتنفيذ اختياراتها ؟  

هل تستطيع لوحدها ايجاد الأجوبة المناسبة للأسئلة المطروحة، أم أن الأمر يستوجب تحالفات ؟

في هذه الحالة، ماهي الجهات التي يمكن التحالف معها؟

 تقول الفئة المنخرطة في التكتل المسمى ب”تمغربيت” أنه سيجتمع حوله كل المغارية و بالتالي سيساعد على تجاوز صراعاتِ مكونات المجتمع المغربي.

و لكن ألا يجدر بنا الالتفاف حول مشروع أكثر طموحا و قابل للإنجاز عوض التكتل حول شعار غير متفق عليه؟ مشروع بتصور يتجاوز الهوية الضيقة التي يصعب تأصيلها في التاريخ. فالحركة الأمازيغية ليست الحركة الهوياتية الوحيدة في العالم، فالتجارب كثيرة و متعددة، كما أن الأمازيغية لا تخص المغرب وحده، فكل حركات بلدان تمازغا معنية بمصير الهوية الأمازيغية. لكن الظروف الداخلية الخاصة بكل دولة تجعل الأمازيغ يكيفون نضالاتهم و يلائمونها مع واقعهم دون تجاهل لما يقع في البلدان الأخرى. لذلك، لا ينبغي في رأيي تصور ورش الأمازيغية كشأن فئوي محلي فقط، بل هو رهان مشترك بين مختلف الفاعلين في نفس البلد و بين كل البلدان التي تشملها الأمازيغية. فالمشاريع المستقبلية جهوية بالأساس. فالعولمة و العَوْرَبة اللتان تهددان الأمازيغية لا يمكن التصدي لهما إلا جهويا بتكتلات و تحالفات أكثر قوة. و لمثل هذا السبب لا ينبغي التقوقع كثيرا فيما هو محلي.

في الوقت الراهن، لا تقوى الحركة الأمازيغية في المغرب على الانخراط في مشروع سياسي ذاتي يستجيب لرؤيتها و لتطلعاتها و حتى لو صاغته لا تقوى على تنفيذه لكون الشروط الموضوعية غير متوفرة، و بالتالي يصبح من الضروري، لكل مكون فضل الدخول في العمل السياسي الحزبي، التعاقد و التوافق مع غيرها من التنظيمات الموجودة في الساحة. على شرط أن يكون أساس كل تحالف هو معيار استفادة الأمازيغية. بحيث، لأن التفاوض يفرض ذلك،  تكون التنازلات بقدر ما تحصل عليه الأمازيغية، إذا كان الهاجس فعلا هو الدفاع عن الأمازيغية.

نعم إن حرية الفرد مضمونة في جميع الأحوال، لا أحد له وصاية على غيره، لكن هناك تعاقد أخلاقي بين مكونات الحركة الأمازيغية. لذلك يجب ان يكون هناك تواصل مع الحركة الأم في إطار من الوضوح في البيان و الصراحة في البلاغ.

و كما لا يجوز تقييد الأمازيغة كمشروع كبير بقطر دون غيره، لا يصح كذلك ربطه، في تقديري، بموعد محدد داخلي لبلد من بلدان شمال افريقيا. لأنه تكبيل لها و تحويلها إلى ذريعة عوض الغاية، فاعتبارها سلاح فعال يمكن بواسطته هزم الغريم السياسي كما يقول البعض يضعها في خانة الوسيلة، و زوال الهدف يفسد أهمية الوسيلة. كما أن تحويل الهوية إلى أداة يشكل منعطفا خطيرا في المجتمع و بالخصوص عند الذين ينتسبون إليها. فمطية الهوية إخضاع لهم، لأننا نحن من نسكن الهوية، نعيش و نتعايش بالثقافة و باللغة، فكل ما يرمز إلى الهوية يذكرنا بها و يؤثر فينا بشكل مباشر أو غير مباشر، و الاخضاع استعباد و استدلال.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. الموافقة قرائة المزيد