تمغرابيت و ما وراء المصطلح
أزول بريس – لكبير الغازي //
يدرك السوسيولوجيون و الفلا سفة على الخصوص كيف تنشأ التحولات في المجتمع و كيف تنمو، و يفهمون كيف تتفاعل مكونات هذا الأخير و كيف تؤثر و تتأثر كل واحدة في و من غيرها. يعرفون كيف أن ممتهني السياسة ينحتون المصطلحات و كيف أن بعض مريدي زواياهم يحفظونها عن ظهر قلب و يرددونها في كل حين و في كثير من الأحيان بغير مناسبة. يذكرون كيف أن إشاعاتهم ( السياسيون) تُصدق بغير حجة و أن براهينهم تُقنِع بسهولة و كيف أنهم يُبدِّلون الأوهام حقائق و يصيرون الحقائق أوهاما، يجعلون من الحصان حمارا عندما يريدون شراءه و يجعلون من الحمار حصانا عندما يريدون بيعه كما جاء على لسان أحد العقلاء. يطبعون من يسير في فلكهم عن طريق الضغط تارة و الإغراء تارة أخرى.
السياسة أسلوب في التدبير و توجه بخلفية معينة، تختلف باختلاف المنطلقات و المقاصد و تشترط الأخلاق، لأنه بدون الأخلاق تخرج السياسة عن سياقها و تغير لونها و تصبح حقل صراع و اقتتال، يتم فيه الاغتيال بكل الأشكال و الأوجه، اغتيال الأشخاص و الحريات و الثقافات و اللغات و المشاريع و الآمال و كل شيء حي. كل الوسائل فيه مشروعة و كل التصرفات فيه صواب.
و قد عانت الأمازيغية كثيرا من أمثال هذه الأخيرة و كادت أن تموت لولا فطنة أهلها و سداد رأيهم. اعتبرتها سياسات خصما يجب هزمه و عدوا ينبغي قبره. و اتخذت إجراءات وأدها أوجه متعددة و صورا مختلفة. فدعا البعض إلى المَغرَبة من أجل التعريب و سن البعض التعريب من أجل محو الأمازيغية و جعلها صديقة الفرنسيين و مظهرا من مظاهر نزعاتهم، بالرغم من أن السياسة الفرنسية كانت و مازالت تعتبر الأمازيغية قلب المقاومة و غريم التواجد الغربي و الأجنبي في شمال افريقيا(انظر مذكرات الزعماء الفرنسيين و بعض المغاربة)، فلا وجود لمعهد أمازيغي في عاصمة الأنوار و لا وجود لجبهة تدافع عنها و تطمئنها أو تقوم بحمايتها و تسهر على أمنها، فالطلبة الذين أسسوا الأكاديمية البربرية في باريس أبناء شمال افريقيا أدركوا المكائد التي تحبك ضد ثقافتهم و لغة أجدادهم الشيء الذي خلق لديهم وعيا هوياتيا و انخرطوا في أسلوب نضالي كما فعل غيرهم من المغاربيين الذين كانوا يعيشون داخل بلدان المغرب الكبير. فنشأة الأكاديمية بباريس لا يعني ولادتها بإيعاز من طرف غريب أو أجنبي عن الأمازيغية. فكم من جماعة تُمول في الداخل من الخارج و كم من فكر دخيل ينخر من الداخل ذواتنا في بلادنا وفي حرمة أوطاننا.
إن قرار الدفاع عن الأمازيغية كان بفضل الصحوة أنذاك عند مجموعة من المثقفين الأمازيغ في كل بلدان تمازغا، منهم من كان يعيش في الخارج و منهم من كان يناضل من الداخل و لا أحد منهم كان يبحث عن خصوصية محلية أو ميزة تعوض الأمازيغية، فكتاباتهم و مواقفهم تشهد على أفكارهم و آمالهم. يقول المرحوم علي صدقي أزايكو ” أريد أن أقول أن التصرف و الانتقاء يكونان انطلاقا من المعطيات الموضوعية بعد اثباتها. لا قبل ذلك و لا بعد اثبات بعضها فقط. و أن المجهود ينصب في التحليل الهادف للمعطيات كلها، ليكون الاستمرار بين الأصل و الفرع ممكنا.”
و يؤكد محمد شفيق أطال الله في عمره و متعه بصحة جيدة متحدثا عن الربيع الديموقراطي: “… وهدفها الأسمى تحقيق الكرامة الإنسانية، وبناء دولة القانون التي عمادها التداول على الحكم وفصل السلطات واستقلال القضاء وسمو القانون والتدبير المعقلن لشؤون المجتمع، وهي القيم التي وإن ظنّ الكثيرون أنها ثقافة حديثة مستحدثة، وردت علينا من خارج مجالنا الثقافي الخصوصي، إلا أنها بالنسبة لنا معشر الأمازيغ، هي قيم ثقافتنا الأصلية وجوهر هويتنا وكياننا الحضاري الذي انحدر إلينا عبر الحقب التاريخية مع ما ترسّخ من تقاليد الديمقراطية المحلية الفريدة، قبل أن يتمّ اختزال هويتنا في بعد وحيد داخل الدولة الوطنية المركزية.”
إن بعض السياسيين أكفاء يتمتعون بدهاء كبير يستطيعون الوصول إلى مراميهم، يكيفون الوسائل و يستغلون كل الظروف، يبيعون سلعتهم التي لا يغيرونها أبدا، في أغلفة تستهوي كل زبون غافل. لقد أطلقوا بالأمس على “الظهير المنظم لسير العدالة في المناطق ذات الأعراف البربرية والتي لا توجد بها محاكم شرعية” تسمية “الظهير البربري” و غضوا الطرف عن سير العدالة، و عن غياب المحاكم الشرعية و نسبوا الظهير مباشرة للبربر. أو ليس هذا خداع و مخاتلة؟
تمغرابيت لبنة من مشروع سياسي متكامل معاد للأمازيغية منذ أمد بعيد، و لما وجد معارضة و مقاومة في إجراءاته المباشرة، بدأ يأخذ صورا خفية و صيغ مضمرة . فمن المشروع المتكامل جاءت فكرة أول دولة عرفها المغرب و اقتصار بداية التأريخ في البلد على نهاية القرن الثامن الميلادي و تم القفز على أكثر من ثلاثين قرنا لا لشيء، فقط لأنها مرحلة تخص الأمازيغية.
هو الأمر نفسه، و كأن التاريخ يعيد نفسه، في مصطلح تمغرابيت. فقد تم تمزيغ المَغربة التي لا تعني سوى التعريب و ليست سوى مبدأ من مبادئ القضاء على الأمازيغية ( انظر تمغرابيت و الأمازغية أية علاقة؟). و لتمرير المصطلح و إخفاء المعنى و جعل الكلمة أصيلة تم ايجاد مجموعة من العلل و البواعث التي لا تصمد أمام شهادة التاريخ ، منها الخصوصية المغربية و نهاية التبعية للمشرق، و هي في العمق تبعية أبدية للمشرق و اجتثاث نهائي للأمازيغية.
سُمي المغرب نسبة للمشرق، المرجع الذي لا يزال قائما. ( انظرمقال : حول كلمتي المغرب و تيفناغ: تاويزا)، و سواء قلنا المغرب بالعربية أو بلغة أخرى يبقى المغرب مغربا منسوبا للمشرق. فمصطلح ” تمغربيت” يحمل في بنيته و في معناه ما تدل عليه كلمة المغربة ، فما الذي تغير إذن؟ لا شيء تبدل، سيبقى المرجع ثابتا و التابع لاحقا في كلتا الحالتين لأن تمغربيت لا تختلف عن المغربة التي صيغت منها حتى و لو تم لفها و تقديمها في غلاف أمازيغي.
إن تبني مصطلح “تمغرابيت”، استئصال للأمازيغية من جذورها و إقبارها إلى الأبد. فبعد فرض ترسيمها من طرف المناضلين و المناضلات، تحيّن من يجيد اقتناص الفرص المناسبة ورمى الأمازيغية برصاصة أهلها و ضربها في الصميم.
تمغرابيت مصطلح سياسي محبوك بعناية فائقة يستهدف العودة إلى سنوات التعريب و التحريف، فلما أصبح الخرق واضحا في الترجمة كما وقع مثلا في لفظ ” أيت” الذي أصبح “بني” و “أولاد” و التغيير المباشر كما وقع في كثير من الأسماء ها هو الغزو الثقافي الجديد يتحورليدمر الذات الأمازيغية بصمت و يمحو الذاكرة الجماعية و يبتر التاريخ ويغتال الهوية .
كل منظور يُخرج المغرب من افريقيا و يبعده عن حوض البحر الأبيض المتوسط يسيء له و لأهله.
الغازي لكبير
اكتشاف المزيد من azulpress.ma
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
التعليقات مغلقة.