تقرير اخضر: معضلة  الحفر الجبلية العملاقة التي تشوه  جمالية المنظر العام لمدينة اكادير.

 

 

unnamed

   في غفلة ما لم يأتي القانون الإطار حول البيئة والتنمية المستدامة رقم 12-99  الصادر بتاريخ: ( 6 مارس 2014)، لم يأتي على ذكر وجوب حماية جمالية المنظر العام الطبيعي الغابوي او الجبلي القريب او المحيط  بالمدن او القرى، من أضرار ومخلفات المقالع المنتشرة، بل افرد فقرتين ضمن المادة 6  حول:

–         حماية الأنظمة البيئية بالمناطق الجبلية من كل أشكال تدهور مواردها وجودتها البيئية واستصلاحها.

–         صون جمالية التراث العمراني والثقافي والاجتماعي للمدن والمجالات الحضرية والقروية والحفاظ على المساحات الخضراء.

لم يشر فيها القانون الى ضرورة حماية جمالية المناظر الطبيعية او ضرورة استصلاحها جماليا وطبيعيا عبر عمليات الغرس في مدرجات أشبه بتجارب عالمية حولت مشاهد دمار وحفر الى مناطق جذب سياحي لجماليتها البيئية والطبيعية التي صنعها الإنسان بعناية فائقة، بل وساهمت في تطور جمالية المنظر ورد الاعتبار للمنظر الطبيعي، بعد استغلالها تنمويا من طرف المقاولات الغربية لضرورة تنموية أساسية.

  مرد هذه الملاحظة والقراءة في القانون 12-99 بالنسبة لجمعية بييزاج  نابعة من مشاهد تمتد عبر الجبال المطلة على مدينة الانبعاث وسفوحها، حفر بمساحة ملاعب كرة قدم بطول 90 متر وبعمق شهيق وخطير لحوالي 80 الى 150 متر  وقد عددنا مجموع الحفر في حوالي 06 حفر ضخمة والعدد الأخر يتوارى خلف الجبال بمحاذاة بعض الدواوير الجبلية المطلة على مدينة اكادير، لكن الغريب في الأمر ان تلكم الجبال كانت تابعة إداريا لجماعة الدراركة وهي جماعة قروية سابقة كانت تؤشر بالموافقة على هذه الكوارث التي تنتصب في المشهد العام لمدينة اكادير بل لم يسلم قدم جبل اكادير اوفلا هو الأخر من هذه الحفر بالطريق المؤدية لانزا العليا، حيث تستقبل عينيك  مجموعة حفر  ضخمة  ورهيبة هي اقرب الى حفر تجارب نووية منها الى استغلال مقالع أحجار، تشوه المنظر العام للمدينة وتشكل نقطة سوداء في جبين التنمية المختلة بيئيا التي لم يتم استصلاحها، بل هنالك حديث كونها أصبحت مستودعات لمواد  خطرة لمعادن وما شابه، فهل أضحت المناظر العامة بمدينة اكادير،مجرد مدينة حفر جبلية؟ وهل من سبيل لاستصلاحها بيئيا وترميم ما خلفته حروب المقالع؟ ولماذا تركها أرباب المقالع دون استصلاح يذكر بعد  استغلالها بشكل عشوائي من خلال  تدمير وتخريب الطبيعة ومكوناتها؟ أليس للطبيعة علينا حق قانونيا وأخلاقيا؟

  لم يكن أحدا فيما سبق يعير أدنى اهتماما لقضايا البيئة والتنمية المستدامة في ثمانيات وتسعينيات القرن الماضي و الى بداية العشرية الثالثة لا مجتمع مدني، ولا مؤسسات، ولا مجالس منتحبة جماعات محلية ولا سلطات إدارية، ولم يكن هنالك متابعة دقيقة ولا استشراف للمستقبل بشأن الانتشار الواسع للمقالع على مشارف إحدى أهم المنتجعات والمحطات السياحية الوطنية، ولا لتنظيم وتقنين الانتشار الهائل لمقلاع الأحجار بالجبال المطلة على المدينة ، وأمام غظ الطرف وغياب القانون الرادع لحماية البيئة والطبيعة من الدمار الشامل، وقع بالتالي استنزاف كبير لموارد الطبيعة صخور – أحجار – وكرافيت من اجل التوسع العمراني الذي تعرفه المنطقة،منذ بدايات بناء ميناء اكادير القديم حسب مرجعتنا للصور قبل زلزال اكادير، وارتفع الطلب المتزايد على هذه المواد الطبيعية في مجال البناء والعمران لمدينة اكادير في خمسينيات القرن الماضي، وفي ثمانينات وتسعينيات نفس القرن وقد كان من نتائجه المباشرة والمدمرة مشاهد ( paysages  ) كارثية حولت المشهد العام لسفوح جبال الأطلس الكبير المطلة على اكادير لما يشبه تجارب نووية خلقت حفرا ضخمة وعميقة وخطيرة، بقيت دون استصلاح، ودون أدنى تدخل لما بعد الاستغلال من طرف المستغلين، فشكلت بالتالي ثقوب سوداء في المشهد العام  ونتوءات غائرة في جبين التنمية المحلية الغير المستدامة، بل الهدامة والمدمرة والفتاكة كشفت بالتالي العجز والفقر الكبير في ميدان التخطيط المجالي والترابي للإدارات المحلية المعنية في قيادة دفة التنمية المحلية، بشكل عقلاني وحضاري يحافظ على البيئة  بإحدى اكبر المدن السياحية بالمملكة، فلم يتم إحداث  مدرجات ولم يتم غرس تلكم الحفر وبقيت نقط سوداء تعلو المشهد الطبيعي الجبلي باكادير المدينة الواضح للعيان عند دخول المدينة.

unnamed-1

     ومن باب المقارنة قامت جمعية بييزاج بإيفاد لجنة مختصة للقيام بزيارة مماثلة لجبال الأطلس الكبير على بعد حوالي 50 كلم بمراكش للاطلاع على الحالة البيئية والطبيعة بطلب نشطاء محليين بمراكش فوجدت بالتالي المناطق الجبلية المحيطة بالمدينة الحمراء والتي أصبحت اليوم مدينة خضراء  بكل ما تحمل العبارة من معنى، أضحت بالتالي ضواحيها الجبلية والغابوية والمائية محمية من هذا العبث المدمر للطبيعة والمجالات الحيوية، كما أن حالة المناظر الطبيعة بقيت بعذريتها  وبالتالي على حالتها الطبيعة الخام دون تشويه او تدخل إلا في حالات توسعة الطرق أو إعادة صيانتها، وذلك دون أدنى مس بجمالية الطبيعة الجبلية.

    إن المناطق المحيطة بمراكش وضواحيها تدخل في نطاق المحميات الطبيعية  التي تعرف تقنينا ايكولوجيا في مجال التوسع العمراني بشكل يحفظ الهوية العمرانية التقليدية المعتمدة على المواد الطبيعية الخام، واحترام معايير حماية البيئة وتقوية وتثمين الموروث الغابوي والفضاءات الخضراء وحماية الأنواع النباتية والنقوش الصخرية، وأصناف الأشجار المستوطنة بهذه المناطق كالنخيل وباقي الأشجار، في انسجام تام مع الطبيعة، بل توج كل ذلك بإحداث متاحف كبرى للبحث العلمي حول الطبيعية والايكولوجيا والمستحثات والنقوش الصخرية للدراسة والبحث مفتوح أمام الطلبة المغاربة في علوم الجيولوجيا وعلوم الحياة والأرض، مفتوح في وجه الباحثين الأجانب بكل من طريق توبقال ومنطقة أوريكا،  ومنطقة اوكيمدن، ودور كبير في مجال  حماية التنوع النباتي والحيواني والملك العام المائي بكل من طريق ومنطقة ايت أورير، وطريق وجبال تحناوت، وإمليل باتجاه توبقال، ومنطقة سد لالة تكركوست، حيث منابع المياه والجداويل تتدفق دون أدنى تلويث لها من طرف الساكنة او آلاف الزوار والسياح من محبي السياحة الايكولوجية من المغاربة والأجانب الذين يستمتعون بجمال الطبيعة ودفئها، دون أدنى مس بالأشجار الوارفة الظلال، والإرث الغابوي الذي يحرس الساكنة على حمايته وتثمينه كمصدر تنموي واقتصادي محلي للمجتمعات الجبلية المحلية،  وفي تقوية وجلب السياحة الايكولوجية القروية  وأصبحت بالتالي هذه المجالات الطبيعية جزء لا يتجزأ من الامتداد والتصور السياحي العام لمراكش وضواحيها  وفي تقوية السياحة الايكولوجية كالرياضات الجبلية، وسياحة المغامرة والاكتشاف،والبحث العلمي عوض تركها عرضة لمقالع الموت والدمار الشامل، مناطق محمية دون تشويه أو ضرر ومجال طبيعي للجبال الذي بقي مجالا للجذب السياحي والتنشيط الايكولوجي المحلي لمراكش وضواحيها.

   إن غظ الطرف عن الانتهاكات الجسيمة في حق البيئة الطبيعية يكلف الدولة موارد ومجهودات هرقلية لإعادة الأمور الى نصبها او التقليل من حدتها وتأثيرها على مقدرات الأجيال القادمة،  جشع ونهم مقاولات المقالع، يشوه المنظر العام الجبلي ويحدث تشوها طبيعيا وجماليا وايكولوجيا، للجبال وأشجار الاركان والتنوع الحيواني والفرشات المائية وتطاير الغبار الكلسي القاتل للتنوع الحيواني والنباتي بمحيطه، كما هو الشأن بالجبال المطلة على مدينة اكادير حاليا وضواحيها حيث  يخوض حاليا الساكنة بمنطقة ايمي مقورن على بعد حوالي 50 كلم بالجنوب الشرقي لاكادير وقفات واحتجاجات ضد المقلاع التي هددت محاصيلهم الزراعية، وروعت أمنهم واستقرارهم نتيجة الاهتزازات المدمرة وسحب الغبار المتطاير والذي دمر البيئة والطبيعة وحول غابات الاركان والتربة الى عناصر شاحبة يكسوها الغبار، ما يضطر معه السكان الى إقفال النوافذ والأبواب، الذي يمتد الى المؤسسات التعليمية والتلاميذ والأطر العاملة في وضع بيئي غير سليم، هذه الوضعية جعلت الساكنة تخوض حركات احتجاجية ضد مستغلي المقالع والذين على ما يبدو عاثوا دمارا وتخريبا في تدمير البيئة دون استصلاح البيئة،

   هذه الوضعية المعقدة والغير السليمة بيئيا والتي لا تساهم في تنمية الوعي البيئي واستحضار المخططات والدراسات كمنهج للاستغلال العقلاني للموارد الطبيعية، وتجعلنا ندق ناقوس الخطر للإدارات المسوؤلة لتحمل مسؤولياتها القانونية والأخلاقية والوطنية بما يحفظ حقوق الأجيال القادمة، تجعلنا في جمعية بييزاج لحماية البيئة نقف إمام الضرورة الملحة  لتطبيق القانون الإطار 12-99 والذي افرد عدة أبواب ومواد أهمها على الإطلاق محددة في المواد 4-5-6  من الباب الأول،ومطالبة الجهات المختصة وزارة التجهيز ووكالة الحوض المائي وإدارة المياه والغابات ومحاربة التصحر والجماعات الترابية بضرورة التقيد بمضامين القانون الإطار للميثاق الوطني للبيئة والتنمية المستدامة  وتحديد أماكن مجال المنع وتحديد أماكن الاستغلال وفرض القانون على المستغل بعد إقفال المقلع، كما ان استمرار استنزاف الطبيعة بسوس من خلال عدم وجود مخطط محدد في الزمان والمكان، ورؤية وتصور وإستراتيجية تنموية مستدامة يجعل المجال الطبيعي والمنظر العام مهدد بسبب جشع ونهم  المقاولات، سيِؤدي لا محالة الى نتائج كارثية على كافة المستويات.

   إننا في جمعية  بييزاج لأشد حرصا على التنمية والتطور والعمران وتوفير المواد الخام للسوق المحلي والجهوي، لكن هذه التنمية لايمكنها ان تأتي على الأخضر واليابس،  بل بما يحفظ للطبيعة في مختلف مكوناتها ومناحيها وعناصرها شكلها الطبيعي وجماليتها ومنظرها الجمالي ، وبما يساهم في استصلاح البيئة ورفع الضرر على الطبيعة والتنوع النباتي والبيولوجي والموارد المائية السطحية والباطنية والإنسان من خلال الساكنة المجاورة، وبما يساهم في تحديد دقيق لمجالات الاستغلال العقلاني المواطن،  وبما لا يساهم  في  الإجهاز على شجر الاركان المهدد بعوامل الجفاف، والذي تزيد من حدته العوامل البشرية خصوصا المقالع المنتشرة والكثيفة بمناطق جد محددة بسوس.  لا يسعنا في هذا الإطار إلا المطالبة بتطبيق القوانين الوطنية لحماية مكوناته وموارده الطبيعية وخصوصا الباب السادس حول قواعد المراقبة والمسؤولية البيئية  المادة 34 والتي تنص على وضع نظام قانوني للمسؤولية البيئية يوفر مستوى عال لحماية البيئة، يشتمل على آليات لإصلاح الأضرار وإعادة الوضع الى حالته السابقة والتعويض عن الأضرار البيئية التي ستلحق البيئة ولاسيما بضمانة مالية عند الاقتضاء.   

رشيد فاسح — رئيس جمعية بييزاج


اكتشاف المزيد من azulpress.ma

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

التعليقات مغلقة.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. الموافقة قرائة المزيد

اكتشاف المزيد من azulpress.ma

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading