تضامن مع يتيم وأسئلة إلى تجار الدين

يتناقل المغاربة، منذ أول أمس الخميس، شريط فيديو على مواقع التواصل الاجتماعي… التصوير في الفيديو مختلَس، التُقط في غفلة من المعنيين ودون علمهما ولا إذنهما، والصور واضحة تماما، هناك وزير الشغل والإدماج المهني، محمد يتيم، وفتاة ترتدي لباسا عصريا، جاكيط جلدي أسود (كْويرا)، وكسوة فوق الركبة، وجوارب طويلة (ليبا)، وتسريحة شعر مرفوعة (ذيل الحصان)، القد جميل، وكذا ملامح وجه جميلة، قريبة من التعبير المغربي “الزيونات والسرورات”… ويظهر يتيم ممسكا بيد الفتاة في قلب باريس ليلا…

مبدئيا، هذا مشهد من صميم الحريات الفردية، يعني طرفين راشدين. وعندما خلق الفيديو الضجيج، وُجّه إلى إخواني مغمور من إقليم كلميم تقديم “شرح حالة”، شاركه مع يتيم نفسه، يقول فيه إن الفتاة خطيبة الوزير بصفة رسمية، وإنه باشر مسطرة الطلاق من زوجته “حتى يتمكن من ترسيم الخطبة بطريقة قانونية”.

في الواقع، لا يهمنا هنا مدى صدقية التبرير، وهذا موضوع آخر، لكن من كل الزوايا، الإعلامية المهنية والأخلاقية والحقوقية، نرفض نشر الصور وشريط الفيديو، إذ يتضمنان جريمة ارتكبت في حق إنسانين، وقع التعدي على خصوصيتهما، ولا يلغيها كون أحد طرفيها شخصية عمومية.

إن تناولنا للقضية هو من زاوية أخرى، تلك المتعلقة بطبيعة الممارسة السياسية لفصيل يستعمل ويستقوي بالدين، ويزايد على الناس في أخلاقهم، وكأنه هو الحارس عليها، مثلما يقدم نفسه كحارس لله لرعاية مصالحه على الأرض. ولهذا السبب بالذات، يأتي الوقوف على مثل هذه الحالات، التي تهم سلوك قياديين مؤثرين، وتكشف زيف طهرانية البيجيدي، التي عمل قادة الحزب على ترويجها في صفوف المغاربة منذ سبعينيات القرن الماضي، أي منذ الاشتغال داخل المخابئ وتنفيذ مهام وسخة لأجهزة قمعية واستخباراتية ضد اليسار المغربي، إلى حين قرصنة حزب عبد الكريم الخطيب، الذي يشبههم في الاضطلاع بالمهمات القذرة، وتغيير اسمه من “الحركة الشعبية الدستورية الديمقراطية”، إلى “العدالة والتنمية”، ليصبح الفرع المغربي للتنظيم الدولي لجماعة الإخوان المسلمين…

استأسد الحزب وبات يشكل “القوة الأولى” بسبب توظيف الدين لتجييش الأتباع والمصوتين، لكن، من سوء طالعه، أن عددا من قادته وقواعده منخرطون في مسلسل من “فضائح” تدخل في نطاق “الفساد الإداري والمالي والأخلاقي”، لا يكفون عن التبرؤ منه، ويقيمون الدنيا ولا يقعدونها إذا ارتبطت هذه السلوكات بأشخاص من غير المنتمين إلى الإخوان المسلمين.

عندما ظهرت قضية “الحبيب وسمية”، اعتقد عدد من المغاربة، بنيات حسنة، أنها حدث عابر، يعني الأشخاص أكثر ما يعني الحزب، رغم أن وقعها سيء على الحزب والحكومة، باعتبارهما فضاءين للاشتغال والقيام بالواجب الوطني، وليس لإبرام العلاقات الغرامية… فضلا عما قدمه الحبيب الشوباني من نموذج فاقع عن “اللهطة” وراء الثروة داخل الجهة، التي يرأسها.

هناك أيضا القيادي الإخواني ورجل الأعمال أبو بكر بلكورة، الذي يوجد في حالة تورط في ملفات فساد مالي وتدبيري، خلال توليه منصب رئيس بلدية مكناس، وهي ملفاتما زالت رائجة أمام قسم جرائم الأموال.

هناك أيضا قضية “عمر وفاطمة”، القياديين في حركة التوحيد والإصلاح، الذراع الدعوي الموجه لحزب العدالة والتنمية، التي سيكون لها، بالتأكيد، انعكاس كارثي على فئات مهمة من شاباتنا وشبابنا، الذين كانوا مرتبطين، دعويا وفكريا، بمواعظ عمر بن حماد وفاطمة النجار، سواء في مجالس الوعظ والإرشاد واللقاءات المباشرة، أو عبر المقاطع المرئية والمسموعة المنشورة بفضاءات التواصل الاجتماعي… الخطورة هي جعل جزء من هذه الفئة، كثرت أو قلّت، في حالة تيهان وانعدام توازن، إذ تصبح جميع اتجاهات السير ممكنة أمامها، بما في ذلك ردود الفعل الانفعالية، التي قد تقودهم نحو التطرف بمختلف تجلياته…

هؤلاء الإخوان كانوا مختبئين عندما كانوا في الأقبية المظلمة أو تحت مظلة المعارضة، واليوم باتوا مكشوفين، وباتت أوراق التوت تتساقط عن سلوكات النفاق والفساد، فمنهم من نصب على المؤسسات العمومية في مبالغ خيالية ليحصل على تقاعد مريح، ويتفرغ لتدبير الأموال العامة عبر بوابة مجلس مدينة الرباط، ومنهم من وضع تجارة المخدرات جنبا إلى جنب مع الاتجار في الدين في إقليم الصويرة، ومنهم من اختار حياة المجون بوسائل الدولة على غرار رئيس جماعة قروية بإقليم القنيطرة، والحالات كثيرة، وتتكاثر…

وفوق هذا وذاك، تأتي السياسات الفاشلة لحكومتي البيجيدي، لتعصف بقوت وأوضاع أوسع الفئات الشعبية…

السؤال هنا: هل بلادنا في حاجة لمن يخطط لاحتياجات مواطنيها ولمن يضع الاستراتيجيات التنموية البعيدة المدى، التي ستمكن المغرب من أن يتبوأ المكانة التي يستحقها، أم في حاجة لمن ينهكون البلاد والعباد بالنفاق والفشل في التسيير والتدبير وفتح الباب على المجهول، مثلما باتت تؤشر إليه حالة الاحتقان والانسداد، التي تدفع قطاعات واسعة من المغاربة إلى التظاهر والاحتجاج؟

وعودا على بدء، نعلن عن تضامننا مع محمد يتيم، في مواجهة جريمة التعدي على خصوصياته، ونقول له إن الحل ليس في التبرير، لأنه لم يرتكب أي جرم، وبالتالي، فهو ضحية جرم مرتكب عن سابق إصرار وترصد، والحل هو أن يستمع إلى نبض المجتمع، ويواكب مجرى التطور باعتباره المنطق السليم لسيرورة التاريخ، بالدفاع عن اعتماد كونية حقوق الإنسان في تشريعاتنا وسلوكاتنا، بدءا من احترام الحريات الفردية، وصولا إلى المساواة في الإرث.

الكاتب : أحمد نشاطي

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. الموافقة قرائة المزيد