مقدمة:
ان طرحي لهذا الموضوع الجوهري في هذا التوقيت بالذات له مجموعة من الاسباب و الدوافع الموضوعية حيث اننا الان في يوليوز 2016 اي في فترة نهاية مهام الحكومة الحالية التي جاءت بعد ما يسمى بالربيع العربي و جاءت بعد خطاب 9 مارس 2011 الذي اعترف بوضوح تام ان الامازيغية هي صلب هويتنا الوطنية..
و جاءت هذه الحكومة الفاشلة بكل المقاييس بعد المصادقة على الوثيقة الدستورية في فاتح يوليوز 2011 التي اعترفت صراحة بان الامازيغية هي لغة رسمية حيث يقول هذا الدستور ان قانون تنظيمي سيصدر لتفعيل الطابع الرسمي للامازيغية على كافة المجالات ذات الاولوية و سيتم احداث المجلس الوطني للغات و الثقافة المغربية حيث مازلنا ننتظر حتى هذه اللحظة تحقيق هذه المبادئ الدستورية بحكم ان الامازيغية ليست مجرد لعبة حقيرة في ايادي حكومة الاستاذ عبد الاله بنكيران او في ايادي المخزن التقليدي بل هي هوية مجتمع بكامله حيث ان المغرب عبر تاريخه الطويل كان امازيغي لغة و ثقافة و سياسة علمانية اي فصل الدين عن السياسة كما هو معلوم في تاريخنا الاجتماعي ….
انني شخصيا اصبحت مؤمن بضرورة تسييس المسالة الامازيغية اكثر من اي وقت مضى حيث منذ الاستقلال الشكلي تم تدمير الوعي السياسي الامازيغي لصالح سيطرة الايديولوجية العروبية الاسلاموية حيث علينا تام الادراك ان الحركة الوطنية المغربية كما يحلو للبعض ان يسميها ليست حركة اسلامية بمفهومها المشرقي على الاطلاق اي انها لم تطالب باقامة النظام الاسلامي عبر تطبيق الشريعة الاسلامية و تفعيل الحدود الشرعية الخ من مبادئ الحكم الاسلامي حسب التاويل السلفي ……
لكن الحركة الوطنية بالنسبة لي هي حركة عروبية استعملت خطابها السلفي لعزل الامازيغيين كبشر و كثقافة امازيغية اسلامية عن السلطة السياسية و عن السلطة الدينية منذ سنة 1956 الى الان اي انها تعايشت مع كافة تفاصيل الدولة الحديثة التي تركتها فرنسا بعد الاستقلال الشكلي لكن عندما تطرح القضية الامازيغية ستجد ان اهل فاس يعزفون على اسطوانة الظهير البربري الحاملة لمعاني الاحتقار و الاهانة تجاه الامازيغيين و نظامهم الديمقراطي و اسلامهم العريق.
يجب ان ندرك جيدا ان الحركة الوطنية قبلت بالقوانين الوضعية الفرنسية بينما رفضت اي حديث عن القوانين الوضعية الامازيغية باعتبارها جاهلية ما انزل الله بها من سلطان كما تقول السلفية بشتى اتجاهاتها بمعنى ان تسييس الاسلام ببلادنا قد بدا منذ تاسيس الحركة الوطنية سنة 1930 بشكل رمزي و تنظيري لكن بعد سنة 1956 ظهرت تيارات الاسلام السياسي الحقيقية و الحاملة لمشروع اسلمة الدولة و المجتمع وفق النمط السلفي و الرافض لمنطق التعددية بمفهومها الشمولي و الرافض كذلك لمنطق الدولة الحديثة باعتبارها تحكم بالقوانين الوضعية لا علاقة باي دين على الاطلاق كما يقولون .
و بالتالي فان الاسلاميين المغاربة يكرهون الامازيغية على المستوى الايديولوجي باعتبارها مشروع استراتيجي ذو رهانات كبرى و تحديات جسام حيث ان الامازيغية بالنسبة لنا ليست لغة او ثقافة او فنون فقط بل هي مشروع مجتمعي علماني اصيل الذي تم اغتياله سنة 1956 من طرف السلطة و حركتها الوطنية المزعومة بغية تعريب البلاد و العباد البسطاء عبر التعليم و الاعلام و الخطاب الديني الرسمي.
و لعل مطالبة رئيس الحكومة الجمعيات الامازيغية بارسال مقترحاتها اليه عبر البريد الالكتروني في يناير الماضي يعبر عن مدى تعامل الحكومة المهين مع المسالة الامازيغية حيث منذ ذلك الحين الى الان لم ينظم اي نقاش عمومي في وسائل الاعلام حول تفعيل الطابع الرسمي لهويتنا الام كأن الامازيغية ليست صلب الهوية الوطنية علما ان الملك محمد السادس كان واضحا و صريحا في خطاب 9 مارس 2011 حيث رفع الامازيغية من اطار مكون اساسي للهوية الوطنية الى اطار صلب الهوية الوطنية استجابة لمطالب حركة 20 فبراير المباركة و استجابة لمطالب الحركة الامازيغية بمختلف توجهاتها حيث اتذكر جيدا كيف كان النقاش العمومي حول الوثيقة الدستورية حيث كان نقاش رائع بدون اية خطوط حمراء حتى تدخل حزبا العدالة و التنمية و الاستقلال في اللحظات الاخيرة لصياغة الوثيقة الدستورية النهائية لتدمير و تشويه روح خطاب 9 مارس 2011 بخصوص الاطار الجديد للامازيغية باعتبارها صلب هويتنا الوطنية بصريح العبارة ..
الدخول الى صلب الموضوع
انني اعتقد ان القانون التنظيمي لتفعيل الطابع الرسمي للامازيغية اذا صدر في اللحظة الاخيرة من عمر هذه الحكومة سيكون حاملا لبصمات التيار الاسلامي بدون ادنى شك حيث هنا سيظهر فشل هذا المسار الذي انطلق مع خطاب 9 مارس 2011 بحكم ان اغلب التيارات الاسلامية ببلادنا تتوافق مع المخزن التقليدي في رفض اي تقدم لامازيغي المغرب نحو استعادة قيمهم الاصيلة من قبيل الديمقراطية و العلمانية عبر تسييس القضية الامازيغية لان المخزن التقليدي منذ عقود من الزمان عمل بكل الوسائل على تربية البسطاء من الشعب على المبادئ التالية اولا ان تاريخ المغرب قد بدا منذ هروب احدهم من المشرق ليقيم الدولة الاسلامية الاولى في المغرب و نشر الاسلام في بلاد البربر كأن الامازيغيين كانوا كفارا بعد ما يسمى بالفتوحات الاسلامية …
ثانيا ان الامازيغيين هم دعاة الفوضى و الجاهلية حيث تسمى مناطقهم ببلاد السيبة و هذا يخالف تماما مع تاريخنا الاجتماعي و الحامل لمعاني المدنية و الديمقراطية المحلية و التسامح الديني مع الطائفة اليهودية الخ من هذه المعاني التي نجدها الان في الغرب المسيحي
ثالثا ان ايديولوجية الظهير البربري هي القاسم المشترك بين المخزن التقليدي و اغلب تيارات الاسلام السياسي حيث من الطبيعي للغاية بالنسبة لي ان لا يصدر اي قانون تنظيمي لتفعيل الطابع الرسمي للامازيغية الان مادام نخبتنا الدينية الرسمية مازالت تحتقر الامازيغية باعتبارها لغة و ثقافة اسلامية اصيلة في بلادنا و مادام حقلنا الديني مازال يدبر وفق ايديولوجية الظهير البربري اي ان الامازيغية هي نزعة جاهلية قائمة الذات حسب التاويل السلفي للمخزن التقليدي و اغلب تيارات الاسلام السياسي بالمغرب..
غير ان المعهد الملكي للثقافة الامازيغية باعتباره مؤسسة رسمية لا يريد مجرد الاقرار بهذه الحقيقة اي ان حقلنا الديني لازال تدبره ايديولوجية الظهير البربري لانه يعرف جيدا ان الحقل الديني بلادنا هو في يد الجهات العليا و ان خيار تسييس الامازيغية لا مفر منه لاستعادة انطمتنا الديمقراطية شرعيتنا الدينية طبعا في اطار وحدتنا الوطنية و الترابية اي ان دعاة تسييس الامازيغية هم وطنيون حقيقيون اي انهم لا يستهدفون الى اي شر مهما كان .
انني اعتقد ان تسييس الامازيغية مختلف بشكل تام مع تسييس الاسلام ببلادنا على الاقل لان المغرب منذ عقود من الزمان ظل تابع للمشرق العربي بدون اي تقييم لنتائج هذا الاتباع الاعمى على الصعيد السياسي و على الصعيد الهوياتي حيث ان اغلب المغاربة يجهلون الان كيف تم ما يسمى بالفتح الاسلامي للمغرب او الغزو الاموي كما اسميه و يجهلون الان كيف كانت السياسة في مجموع القبائل الامازيغية و كيف كان الفصل بين الدين و السياسة العمومية لان التاويل التراثي للدين يقوم على السمع و الطاعة للخليفة بوصفه ممثل ارادة الله في الارض و على نظام ملك اليمين كما فسره ائمة السلف منذ 1200 سنة و على ارجاع كل الامور السياسية الى التاويل التراثي للدين..
و بينما ان السياسة الامازيغية لا تعترف بهذه الخرافات السلفية باعتبارها اسست اصلا على الديمقراطية و على العلمانية كمفهومان اصيلان داخل المجتمع الامازيغي قبل دخول الاستعمار الفرنسي لبلادنا سنة 1912 غير ان المخزن التقليدي و اغلب تيارات الاسلام السياسي يشتركان في اخفاء هذه الحقائق عن عامة المغاربة البسطاء حيث لو سالت شخص ما عن رايه بشان السياسة الامازيغية فسيرد عليك بالقول ان الامازيغية هي مجرد لهجات لا علاقة لها من قريب او من بعيد بالسياسة كنتيجة طبيعية لسياسات الدولة التعليمية و الاعلامية التي دامت نصف قرن من الاستقلال الشكلي…
ان تسييس الاسلام ببلادنا قد أدى الى تدمير الامازيغية منذ 1930 سياسيا و دينيا و اقتصاديا الخ حيث ان الامازيغية الان اصبحت مهددة من طرف اغلب تيارات الاسلام السياسي ببلادنا بحكم ان المشروع السياسي الاسلامي في عمومياته بغض النظر الى اختلاف الاقطار الاسلامية سياسيا يهدف الى تطبيق الشريعة الاسلامية وفق فهم ائمة السلف و اعمال منطق دار السلام و دار الحرب اي ديار الاسلام و ديار الكفار الخ من هذه المفاهيم المتجاوزة .
و بالاضافة الى تحقيق حلم العودة الى الخلافة الاسلامية كهدف قد ظهر في السنوات الاخيرة مع ظهور عملاء ال سعود مثل داعش و النصرة و القاعدة الخ لتخريب اية نزعة للمدنية و الديمقراطية داخل الاقطار الاسلامية و مواجهة المد الشيعي ….
ان خيار تسييس الامازيغية هو خيار استراتيجي بالنسبة لمستقبل المغرب الديمقراطي و العلماني لان تيارات الاسلام السياسي فرضت سيطرتها على بسطاء الشعب من الناحية التاريخية و من الناحية الفكرية عبر الخطاب الديني الرسمي و عبر التظليل حيث ان احد قيادات حزب رئيس الحكومة قد نشر مقالا في هسبريس في يوم 16 ماي الماضي حيث اعاد احياء اسطورة الظهير البربري كأن المغرب له نظامه الاسلامي منذ سنة 1956 …….
المهدي مالك
اكتشاف المزيد من azulpress.ma
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
التعليقات مغلقة.