يعاني الشباب المغربي اليوم من أزمة تتجلى في الجوع الجنسي والفقر والجهل والمرض، ويدفع الفقر بفتيات ونساء إلى امتهان أقدم مهنة في التاريخ لمواجهات متطلبات الحياة الصعبة والمرة.وتتعدد أسباب امتهان فتيان وفتيات ورجال ونساء لحرفة عاملي وعاملات جنس في المغرب، فمن المسؤول عن ظاهرة العمالة الجنسية؟ ومن المستفيد من عدم تنظيم الحرفة مما يكبد خزينة الدولة ملايين الدراهم؟وهل من أمل لإجراء إحصاء دقيق من قبل مؤسسات مشهود لها بالحرفية والمصداقية لمعرفة العدد الحقيقي لممتهني وممتهنات الجنس بالمغرب ، لضمان نشر التربية الجنسية والتوعية بمخاطر الأمراض المتنقلة جنسيا في صفوف ممتهني وممتهنات الجنس ولحماية زبنائهم؟
ممارسة الجنس أمر جبل عليه الإنسان والحيوان.
يتوق كل إنسان وحيوان إلى ممارسة الجنس الذي يعد أحد الغرائز الطبيعية التي جبل عليها الإنسان، ويحرم القهر الاقتصادي المسلط على الشباب من ممارسة حقهم الطبيعي المتجلي في ممارسة الجنس ، وتحول العادات البالية والتقاليد الموغلة في التخلف بمنع ممارسة الجنس خارج مؤسسة الزواج التي أضحت اليوم نجوم السماء أقرب للشباب المغربي من تحقيقها.
ترى الثقافة التراثية الإسلامية أنه يحق للذكر أن يمارس الجنس خارج إطار مؤسسة الزاوج، عن طريق شراء الجواري، الأمر الذي كان سائدا في المغرب حتى عام 1926 وتوفق بعد منع سلطات الحماية لبيع البشر. ويحق للأنثى أن تشتري ذكرا، لكن لا يحق لها أن تمارس معه الجنس ، حسب التراث الإسلامي.
قال الشيخ والإمام العلامة الهمام سيدي محمد النفزاوي رحمه الله ورضي عنه” سبحانه من كبير متعال، القاهر الذي قهر الرجال بمحبتهن والإستكان إليهن والإرتكان ومنهن العشرة والرحلة وبهن الإقامة والإنتقال، المذل الذي أذل قلوب العاشقين بالفرقة وأحرق أكبادهم بنار الوجد والهوان والمسكنة والتخضع شوقا إلى الوصال. أحمده حمد عبد ليس له عن محبة الناعمات مروغ ولاعن جماعهن بدلا ولا نقلة ولا إنفصال”.([1])
إذن الجنس أمر لابد منه ، لأنه يهذب ذوق الرجال والنساء على حد سواء ويجعلهم يشعرون بقوة ويبذلون جهدا جهيدا في العمل، ويجعل الحياة حلوة ولذيذة، عكس الوصف الذي كنا نسمعه عن ممارسة الجنس عندما كنا صغارا بأنه أمر قبيح بشع.
تضع الثقافة الأبوية المحافظة الجنس ضمن خانة الطابو وتحرم الشباب من ممارسة حقه الطبيعي المتجلي في ممارسة الحب مما يؤدي إلى توترات .
كتب صاحب رواية معارضة الغريب المبدع كمال داود بمناسبة عيد الحب عن البؤس الجنسي في العالم العربي أن ” هذه التوترات ، تخلق تناقضات لا تحتمل، فالرغبات مقموعة ولا حميم لاثنين يودان العيش معا لأنهما يصيران حديث الجماعة، مما يفسر عن بؤس يؤدي إلى عبث وهستيريا..الجنس سيد وهو في كل مكان وزمان وتحديدا بعد الموت. لا نشوة خارج الرباط الزوجي الخاضع لجملة من الفتاوي الدينية.هذه نشوة خيالية من الرغبة.لا نشوة إلا بعد الموت. فالجنة المأهولة بحور العين هي من مواضيع الدعاة الأثيرة، فلذة ما وراء القبر هو ما سيكافأ به سكان بلاد البؤس الجنسي. هذا ما يحلم به الانتحاري الخاضع لمنطق سوريالي رهيب: النشوة قرينة الموت لا الحب “.
هل يتوفر المغرب على رقم حقيقي لعدد ممتهنات الجنس؟؟؟
يصعب التكهن برقم حقيقي عن عدد ممتهني وممتهنات الجنس بالمغرب ، نظرا لغياب رقم رسمي أو مهني منجز من قبل مؤسسة مهنية حرفية متخصصة في إجراء الإحصاء والأبحاث.
ويشكل عدم تنظيم مهنة عاملة جنس في المغرب خطرا على الصحة العمومية، من خلال نشر بعض ممتهنات الجنس للأمراض المتنقلة جنسيا في صفوف زبائنهن، وعدم تميز السليمات من المصابات منهن، وخضوعهن لفحوصات دورية ونشر التوعية من الأمراض المتنقلة جنسيا في صفوفهن وضبط عددهن.
يقول المثل الشعبي الحساني القح” لي يشطح ما يدرك لحيتو”(من يرقص لا يستر لحيته).
تهضم حقوق ممتهنات الجنس بسبب عدم تنظيم حرفتهن ومنحهن حقوقهن في التقاعد والتصريح بهن لدى مؤسسات الحماية الإجتماعية والصحية، والإقرار بحقهن في تأسيس منظمات نقابية وأهلية وسياسية . لضمان حقوقهن وحل مشاكلهن والدفاع عن كينونتهن.
أرقام وأرقام عن ممتهنات الجنس.
يؤدي الاغتصاب والفقر والطلاق والبطالة بالعديد من الفتيات والنساء إلى إمتهان أقدم مهنة في التاريخ لمواجهة متطلبات الحياة الصعبة والمرة.
بلغ عدد ممتهنات الجنس اللائي لم يلجن المدرسة بالمطلق 31,5 في المائة مقابل 21 في المائة حصلن على تعليم جامعي ونلن أرقى الشهادات بالمغرب.
- 13 في المائة منهن مازلن عذارى ويحرصن على الاحتفاظ بالبكارة.
- 60 بالمائة منهن مارسن الجنس للمرة الأولى بين سني التاسعة والخامسة عشرة من العمر.
- 32 بالمائة تعرضن للإغتصاب بين السادسة والخامسة عشر من العمر.
- 40 بالمائة مطلقات، مقابل 4 بالمائة متزوجات ويمارسن الجنس بمقابل مالي، بسبب غياب الزوج أو عدم قدرته على الإنفاق أو دون علمه.
- 43 بالمائة يقدمن خدماتهن دون إستعمال العازل الطبي، حسب ماورد في دراسة مستقلة أنجزتها المنظمة الإفريقية حول الدعارة بالمغرب، وشملت الدراسة المعمقة 500 إمرأة يمتهن الجنس بالرباط وأزرو وخنيفرة وبني ملال ومكناس وفاس وأكادير.
التربية الجنسية أفضل وسيلة للقضاء على التصورات الإجتماعية الخطيرة عن ممارسة الجنس دون حماية.
عرف المجتمع المغربي إنفجارا جنسيا كبيرا رغم غياب الحريات الفردية وحق التصرف في الجسد وحرية ممارسة الجنس بين البالغين وفرض الوصاية على المرأة ومنعها من التصرف في جسدها وإعتباره يمثل شرف العائلة حسب العقلية الذكورية الطاغية.
وتعتبر التربية الجنسية أفضل وسيلة يمكن الاعتماد عليها لتجنب انتشار الأمراض المتنقلة جنسيا وللقضاء على التصورات الإجتماعية الخطيرة الشائعة عن ممارسة الجنس دون حماية.
يقول عالم الإجتماع المغربي الدكتور عبد الصمد الديالمي صاحب النظرية الجنسانية أنه ” عندما نلقي نظرة على الجنس وعلى حالته في المغرب، نجد عدة ممارسات جنسية كلها تندرج ضمن مفهوم الإنفجار الجنسي من قبيل: الجنس قبل زوجي، الجنس خارج زوجي، التحرش الجنسي في الفضاء العمومي، العمل الجنسي رجالي ونسائي، التتاجر في البشر، القوادة، المثلية الجنسية، السياحة الجنسية، الجنس من أجل الهجرة، الجنس على مستوى الأنترنت”.
ويرى عالم الإجتماع أن هذه الظواهر تعكس إنفجارا جنسيا يندرج ضمن نظرية الإنتقال الجنسي، مما يدل على أن هناك إبتعاد الممارسات الجنسية المغربية عن المعيار الديني، وهو الإبتعاد الذي يستغل من قبل الحركات المحافظة، وبالأساس القوى “الإسلاموية”، كورقة سياسية لإنتقاد النظام السياسي القائم.([2])
يؤكد صاحب النظرية الجنسانية العالم عبد الصمد الديالمي أن” الجنسانية المغربية الإنتقالية تعيش عدة مخاطر، فحسب التقديرات هناك30000 من المغاربة يتعايشون مع مرض فقدان المناعة المكتسبة، و80 في المائة منهم لايعرفون بحملهم للفيروس. ومابين سنة 1986 كأول ظهور لحالة الإصابة وسنة 2012 تم تشخيص 6824 حالة مرض، المتمركزة في المدن، وتخص الإصابة بالتساوي الرجال والنساء تقريبا، بعدما كانت في البداية الإصابات في صفوف الرجال بالأساس. والنساء المصابات في الغالب ينتقل إليهن الفيروس عبر العلاقة الجنسية مع أزواجهن. كما أن 89 في المائة أصيبوا عن طريق الجنس وليس عن طريق المخدرات أو الدم. لكن الحالة تبقى شبه خطيرة ف 0.1 من المغاربة حاملين للفيروس ليبقى الخطر قائما. بالنسبة للحمل غير المرغوب فيه للأمهات العازبات الذي يبلغ عددهن حسب بعض الجمعيات 220000 أم عازبة، و5000 طفل خارج مؤسسة الزواج وتقريبا بين 600 و800 حالة إجهاض في اليوم. مما يدل على أن مستوى الوقاية ضعيف جدا”.([3])
ويردف العالم بالقول” حسب الأبحاث التي تقوم بها وزارة الصحة، فقط 3 في المائة من الشبان المغاربة يستعملون الغشاء الذكري في أول علاقة جنسية. 36 في المائة من الشبان والشبات لهم شركاء جنسيين كثيرين. 35 في المائة من الشابات يقمن بعلاقات جنسية مقابل مال، 12 في المائة منهن بشكل قار ودائم. فقط 17 في المائة من الفتيان يستعملون الواقي الذكري بشكل منتظم، لإن الغشاء الذكري له صورة سلبية في المجتمع المغربي، يقلل من اللذة، هش، لايسمح للمني بالخروج كلية، غلاؤه ويستعمل فقط مع العاملات الجنسيات، الحشمة عند شرائه، يخلق الشك بين الفتى والفتاة، ووصم الفتى بالخوف والجبن أمام المرض عند إستعماله، ولدى بعض المبحوثين في دراسة الجنس، السيدا والإسلام”، شباب يفضلون الموت إثر حالة الإحباط التي تمسهم جراء البطالة واللا إستقلالية مالية، فيفضلون المرض والموت بالتالي هو شبه إنتحار. وبالنسبة لعاملة الجنس عدم الحرص على إستخدام الغشاء تدلله بأن ” لي عطا الله عطاه”، والقول الخطير بأنها ميتة إجتماعيا من الأساس. و “ايلا بغا يديرو هو يديرو و إيلا ما بغاش هداك شغلوا المهم أنا نتخلص”. وهي تصورات إجتماعية خطيرة جدا لا تسمح بالوقاية الكافية والضرورية”.([4])
مرض الإيدز..هل من مزيد؟؟؟
يشكل عدم إدراج تدريس مادة التربية الجنسية في المؤسسات التعليمية وغياب التوعية بمخاطر الأمراض المتنقلة جنسيا خطرا على صحة ممارسي الجنس دون حماية، وإليكم النتيجة المهولة والصادمة:
- بلغ عدد المصابين بداء فقدان المناعة المكتسبة 32 ألف حامل لفيروس السيدا، 70 في المائة منهم يجهلون إصابتهم.
- تم الكشف عن إصابة 10,017 حاملا لداء فقدان المناعة المكتسبة، خلال الفترة ما بين 1986 و 2014، نصفهم تم تحديد إصابتهم خلال الفترة ما بين سنة 2010 و 2014.
- خلال سنة 2014 تم الكشف عن 1312 حالة إصابة بالداء، بينها 768 حالة لا تزال في مرحلة ” الكمون السريري”،حسب ما كشفت عنه جمعية ” محاربة السيدا”.فماذا تقول الأرقام الرسمية؟
أرقام رسمية.
بلغ عدد الحاملين لفيروس الإيدز 29 ألف شخص إلى غاية 2014.
– 67 في المائة من حاملي الفيروسات المقدرين لا يعلمون بوضعيتهم ولا يدركون إصابتهم بالفيروس.
-حالات الإصابة الجديدة والوفيات المرتبطة بداء “السيدا” خلال السنة الماضية(2014) تقدر على التوالي2033 و 1097 حالة.
ما هي السبل الناجعة للوقاية من الأمراض المتنقلة جنسيا بالمغرب؟
للقضاء على الأمراض المتنقلة جنسيا بالمغرب التي تعد الفوضى التي تعتري حرفة ممتهني وممتهنات الجنس أحد أسبابها، وجب مايلي:
-القضاء على الفقر والبطالة ومحاربة الجوع الجنسي مع الحماية طبعا بفضل الحملات التحسيسية والتوعوية.
- تضمين المقررات الدراسية تدريس مادة التربية الجنسية الغائبة عن المقررات الدراسية ، إذ تدرس التربية السكانية ضمن بعض دروس مادة العلوم الطبيعية والنشاط العلمي.
- تنظيم عاملات الجنس والإقرار بحقوقهن والسماح لهن بالتأطير وضبط مهنتهن حماية للصحة العمومية ونشر التوعية في صفوفهن.
- محاربة البطالة والفقر في صفوف الشباب وتكوينهم تكوينا متينا في مختلف المجالات لخدمة بلدهم.
- محاربة ممارسة الدعارة السرية وإجراء فحوصات لجميع ممتهنات وممتهني الجنس حماية للزبناء وللحرفيين والحرفيات
[1] – أنظر كتاب، الروض العاطر في نزهة الخاطر للشيخ النفزاوي، ص.3.
[2] – محاضرة ألقاها الدكتور عبد الصمد الديالمي بكلية الاداب والعلوم الإنسانية بالرباط، تحت عنوان” الإنتقال الجنسي بالمغرب” الجمعة 6 آذار (مارس) 2015.
[3] – نفس المرجع السابق.
[4] – نفس المرجع الآنف الذكر.
*صحافي حر وباحث
اكتشاف المزيد من azulpress.ma
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
التعليقات مغلقة.