تشير المصادر اللغوية أن الحاضرة هي المدينة الكبرى التي تضم قرى ومدنا صغرى مجاورة، فهي بمثابة العاصمة لما يحيط بها، وهكذا كانت مدينة تارودانت تضم قرى وأجناسا مختلفة وتعج بالصنائع والمهن ودور القرار والقصور ما بوأها أن تكون حاضرة، والشواهد على ذلك كثيرة مما تبقى من مساجدها وقبابها وقصورها وباحاتها، ولعل أعظم شاهد هو سورها العظيم المنتصب رغم ما لحقه من تهميش وتخريب وما قذف به من أزبال وما رش على جنباته من بول طيلة ساعات النهار والليل، أمام أعين المارة والجالسين، وربما أمام أعين من يمتلكون الأمر والنهي والمد والجزر، ولكن لا عليك فهم لم يقرؤوا تاريخا ولا جغرافية ولا يدرون بأن هذا الذي ينظرون له سورا من تراب وحجارة هو أول سور تاريخي أثري بالمغرب وثالث سور بالعالم، نعود لنقول كيف غدت تارودانت محطة الفاتحين الإسلاميين، وعاصمة الدولة السعدية الأولى، ومفترق تجارة أفريقيا وأروبا وموطن صناعة السكر وصناعات خفيفة وثقيلة أخرى، وقاعدة بلاد السوس التي تمركزت فيها قواعد الدولة العلوية والحماية الفرنسية، إلى مدينة هامشية مهمشة ومهشمة المعالم، قد يظن البعض أنه بفعل التمركز الذي تنهجه الدولة اليوم وبفعل قلة الموارد المالية والاقتصادية، ولكن بالنظر إلى مدن أخرى مثل تزنيت والصويرة والجديدة والمحمدية و…. ، نلمح أن تارودانت قد خسرت الكثير من بريقها بالإضافة إلى أن قطار التنمية فيها لم يرس بعد على سكته بسبب سوء التسيير والتدبير المحلي وانعدام الغيرة على المدينة لا بانعدام الموارد المالية فقط، وكمثال الفائض الذي عرفته خزينة المجلس السابق والذي سلم للمجلس الجماعي الحالي. فالآن ونحن في مطلع القرن الثاني والعشرين وبعد عقود سياسية، ما زال المواطن الروداني يفتقد أبسط مقومات المدن العصرية، حدائق، متنزهات، أسواق نموذجية، صرف صحي في المستوى، محطات طريقية مهيكلة، ومرافق طبية، وتجزئات سكنية راقية، وطرقا مسفلتة جيدة، وحيا صناعيا، لن أزيد على هذا لكي يسهل التعليل والتوصيف ونبتعد عن كلام المقهاتيين ودعاة النقد السلبي، فبالنسبة للحدائق، فالحديقة الوحيدة التي تحمل اسم الشهيد البطل ابراهيم الروداني التي ظلت متنفسا لحدود الأمس القريب والتي تحوي أشجارا عملاقة يمكن تصنيفها كإرث طبيعي مغربي وعالمي، هي اليوم تشهد احتضارها بفعل الإهمال الذي طالها نتيجة عوامل مناخية وعوامل بشرية، ولن أفصل في هذا فالمشاهدة العينية لحدود كتابة هذه الأسطر ستبرز أن الحديقة تموت في صمت ونحن نصرخ عاليا فهل من مجيب لإزالة أزبال هذي الحديقة، وريها، وتشذيبها، وهدهدتها لعلها تعود إلى سالف عهدها…وإذا كان الكلام عن حديقة ابراهيم الروداني هكذا فماذا سنقول عن المتنزهات بالمدينة، لقد كان أمام المدينة فرصة لا تعوض لإقامة متنزهات بمواصفات عالمية، لأنها كانت تمتلك واجهات غابوية تنعم بالتنوع الطبيعي والحيواني وكان الأحرى بنا أن نفضلها على التعميير والعمران، بتوجيهه إلى واجهات أخرى كسطاح المدينة عوض جهة سيدي بورجا التي كانت جنة ماء وبقعة ظلال وأصوات عصافير، أما بالنسبة للأسواق في مدينة تارودانت، فما زالت تسيطر عليها العشوائية، وبعض المظاهر البدوية خصوصا في الرحبة التي تضم ضريح سيدي وسيدي ومسجده التاريخي، وسوق الخرازة الذي يتقاطع مع الزاوية التجانية… وهذا سوق جنان الجامع، وبعد عدة إصلاحات يبدو شبيها بالأسواق المرتبة لولا ما يعتريه من استغلال للملك العمومي الذي يشوش على المارة في أوقات الذروة والمناسبات، والحديث عن الأسواق يجرنا لطرح السؤال الآتي: لماذا لا تتوفر المدينة على فروع الأسواق النموذجية الكبرى كمرجان وأسيما على غرار مدن شبيهة بها كقلعة السراغنة وبني ملال والراشيدية رغم أنها هي مركز عدد كبير من الجماعات القروية وشبه المدنية؟؟؟؟؟
وفيما يتعلق بالبنية التحتية، فمع كل موسم شتاء تعرى هذه البنية وتبدأ الترقيعات وخير مثال ما مر هذه السنة من مشاكل شملت عدة أحياء سواء داخل المدينة أو خارجها، بنيارة، الملاح، درب الجديد، مدخل بوتاريالت، المعديات، الزرايب ولاد بنونة، وغيرها، فقد تحولت هذه الأحياء إلى برك ماء وأوحال، كشفت عن ضعف مجاري المياه العادمة، وانخرام مسالك الصرف الصحي، كما دعت عدة جمعيات وأهالي بعض السكان إلى إعادة إصلاحها بمجهودات فردية أو جماعية وترقيعات في انتظار إصلاح شامل لها، قد يأتي وقد لا يأتي، والغريب في الأمر أنه عادة مثل هذه المجاري والمسالك والقنوات يراعى في إنشائها الاستمرارية لمدى بعيد وأقصى قد يصل إلى عقود كثيرة من الزمن، فكيف لها تحصر وتتكسر في مدة قليلة لم تتجاوز العقدين من الزمن وربما أقل؟ وما يقال عن القنوات يمكن أن يعكس على بعض الطرقات، التي أصبحت النتوءات والحفر سمتها الأساس، سواء داخل المدينة التي عرفت تبليطا أو خارجها. إن تارودانت بالإضافة إلى كل هذا بحاجة إلى تجزئات سكنية في المستوى، تجزئات تعكس مستوى التنظيم المجالي والعمراني لمدن القرن الثاني والعشرين، موحدة الواجهة تشمل مرافق رياضية وترفيهية وصحية، وليس إلى تجزئة بنايات تتفاوت طولا وعرضا وهندسة وشكلا، كما نراه في بعض التجزئات الحديثة بكل من سيدي بلقاس والمحايطة والمعديات، كما هي بحاجة إلى حي صناعي يقي الناس من التلوث البيئي والضجيجي بالأحياء الشعبية، إضافة إلى محطة طريقية ببنية تحتية قوية توفر راحة للمسافرين وللسائقين…
إننا نحب مدينتنا، وبهذا الحب ننتقد ونبغض وقد يدفعنا الأمر إلى ما تفشى فيها من مظاهر البداوة والعشوائية وما ينبعث من بعض طرقاتها من روائح فضلات أحصنة العربات (الكوتشيات) إلى وصفها بالحظيرة، والحظيرة في اللغة هي ما يحاط عليه بسور ويغطى ليحفظ الزرع والأثاث والماشية… فهل فعلا تارودانت كانت حاضرة وأصبحت حظيرة.
اكتشاف المزيد من azulpress.ma
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
التعليقات مغلقة.