تارودانت: سوسيولوجية المواطنة في ظل كوفيد.

أزول بريس-محمد حكيمي//

شهد العالم في الآونة الأخيرة تغيرات وتحولات عميقة انعكست على مستويات شتى وانبثقت العديد من المفاهيم للتعبير عن هذه التغيرات وخاصة مع ظهور “فيروس 19” المستجد الذي طغى على الساحة الاعلامية والفكرية مفرزا العديد من الإشكاليات التي تكاد تتفق من مجتمع إلى آخر تبعا لتطور الحالة الوبائية للمرض.
ولأول مرة في التاريخ يجمع العالم على أن هذا المرض يمثل تحديا خطيرا يصعب التفوق أو السيطرة عليه، لذا يجب أن تتظافر الجهود للحيلولة دون انتشاره أو زحفه في كل الاتجاهات. ونحن كشعب أو كأمة لها خصوصياتها معنيون بهذا الوضع شئنا أم أبينا، ولكننا معنيون أولا بمعرفة الخطورة المتربصة بنا جراء استهتارنا بعدم الأخذ بالبرتوكول الصحي وبالإجراءات الاحترازية التي فرضتها وتفرضها السلطات الصحية واتخاذ المواقف الجريئة رغم تكلفتها الباهظة في قضية صحية خطيرة عجزت الدول الكبرى في التصدي لها واحتوائها فما بالك بنظام صحي هش أصلا. ولأننا غالبا ما ننحدر في منعطف عاطفي يؤدي بنا في كثير من الأحيان إلى اتخاذ مواقف سريعة من قضايا خطيرة فتكون تلك المواقف أقرب إلى ردود أفعال انفعالية في لحظات غضب بدل التفكير العلمي المبني على نتائج علمية لا تقبل التأويل.
لابد إذن من القبول ببعض التغيرات التي تطرأ على حياتنا العادية واستيعاب معنى المواقف والقرارات التي تتخذها السلطات المختصة من أجل مصلحتنا. فكل قرار يتخذ فهو قرار صعب يهم الشعب بأكمله بغض النظر عن درجات قوته أو ضعفه لأنه واقع لا محالة تحت تأثير هذا الفيروس الزاحف بلا صوت مثله مثل غيره من الشعوب الأخرى. لذا فالجميع مطالب بالتفكير المنطقي في الإشكاليات التي ترتبط بمرض العصر هذا بغية التقليص من حدته ومن نتائجه التي ستكون كارثية جراء استهتارنا وعدم امتثالنا للقرارات المتخذة من طرف السلطات المعنية.
إن مساهمتنا كشعب مغربي في التخفيف من انعكاسات هذا الوباء مرتبط أساسا بمدى التزامنا بالتدابير الصحية وجدينا في التعامل مع الوضع القائم. ومن هنا نتساءل كيف استطاعت الصين مكان ظهور الوباء أول مرة مواجهة المرض ؟ وكيف سيطرت عليه؟ من هنا يجدر بنا ان نقول: لنأخذ العبرة من الصين ولنقلدهم في سلوكياتهم تجاه هذا الوباء للسيطرة عليه بدل الحديث عن أمور تافهة عبر وسائل التواصل الاجتماعي وإشاعة أخبار لا أساس لها من الصحة وإذاعة التهويل والتخويف أو الاستهتار والتخفيف مما يخلق نوعا من البلبلة وسط اناس تكمن في داخلهم تناقضات تعكس ردة افعالهم السريعة في إصدار أحكام جاهزة تفتقد لعناصر الدقة والتفكير السليم.
إن التعامل مع القرارات المتخذة بجدية وصرامة هو الخطوة الأولى الضرورية لأية استراتيجية للسيطرة على هذا الوباء، ولعل أول خطوة في التعامل هو الفرق بين ما هو رسمي وبين ما يشاع في مواقع التواصل الاجتماعي الذي ينم
عن عدم معرفة الصواب من الخطأ. لذا فقد آن الأوان لاستنهاض الهمم قصد خلق مغرب المواطنة الحقة واستعادة ثقة المواطن في المؤسسات مما يقتضي إعادة الثقة بين المجتمع والطبقة السياسية وهذا لا يتأتى إلا إذا قام كل مواطن بتجسيد شعاراته النظرية إلى سلوكات عملية محسوسة وفك الارتباط مع ردود الافعال الانفعالية العاطفية التي تغيب عليها الموضوعية.
من خلال كل ما سبق يستنتج أن هناك تحولات عميقة على الصعيد العالمي في شتى الميادين، والمغرب ليس بمعزل عن العالم، لكنها تحولات تحمل من الخطورة مقدار ما تحمل من الفرص، فهناك مرض متسارع الوثيرة يفتك بأناس كثر، لا شك في ذلك، وفي المقابل هناك فرص تقرب الشعب بعضه من بعض وتفتح امكانية الاستفادة من حملات تضامنية واستغلال التعاون كقيمة اجتماعية لردم الهوة بين الناس ،لهذا لابد من استنفار الهمم واستجداء رياح التغيير، تغيير الذات واستئصال ورم الانانية المفرطة أولا وقبل شيء لأنها فرصة سانحة للتسامح والتعايش في مغرب المواطنة الحقة، مما سينتج عنه طابع إنساني محض، وإلا سيكون هناك تباعد وتجاف في المواقف الشيء الذي سيعكس على حياتنا المستقبلية.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. الموافقة قرائة المزيد