تارودانت: تقديم وتوقيع كتاب” رسائل من زمان كورونا” للأديبين محمد كروم و منير المنيري؛ معه فيديو
سعيد الهياق
نظمت جمعية مبدعي ابن سليمان الروداني ندوة فكرية حول كتاب ” رسائل من زمان كورونا” للأديبين محمد كروم و منير المنيري، وأشرف على تسيير الندوة الأستاذ العربي أميس؛ وذلك مساء يوم السبت 15 يناير 2022 بثانوية محمد الخامس بتارودانت.
وعن حفل تقديم وتوقيع كتاب” رسائل من زمان كورونا ” صرح كل من الأديبين محمد كروم و منير المنيري عن الدوافع الكامنة وراء نشر ” رسائل من زمان كورونا” وأن الندوة الفكرية لامست بعض جوانب الكتاب مع تقديم الشكر للجمعية للمنظمة ولكل الفعاليات الثقافية.
وفي بداية الأمسية الثقافية والفكرية أكد الأستاذ حسن أمدوغ عن مجلس إدارة الجمعية المنظمة؛ أن هذا العرس الثقافي يندرج في إطار انطلاق البرنامج السنوي للجمعية بعد فترة الركود والانطواء بسبب الوضعية الوبائية القاسية جراء انتشار وباء كورونا. وأن اللقاء الثقافي هو في حد ذاته نوع من المواجهة ضد كورونا من أجل انبعاث روح الثقافة بالمدينة. وبالمناسبة أكد أيضاً أن اختيار تقديم وتوقيع كتاب” رسائل من زمان كورونا ” للأديبين محمد كروم و منير المنيري يندرج في إطار الاعتراف بالجميل للأديبين محمد كروم و منير المنيري اللذين تحديا الأوضاع الاجتماعية والنفسية العصيبة جراء انتشار وباء كورونا؛ وأبدعا معاً في كتابة الرسائل عبر الفيس بوك في تحدي صارم لتلك الأوضاع الاجتماعية والنفسية التي سبقت الإشارة إليها. ومع بداية مشوار الرسالة الأولى والثانية بدأ الإقبال المذهل على قراءة الرسائل المتتالية والتفاعل الإيجابي المكثف للمتتبعين على هذا الجنس الأدبي العربي” فن الترسل” القديم الذي بدأ في الاندثار بسبب اجتياح وسائل التواصل الاجتماعي الرقمية. كما أشار إلى انخراط المندوبية الإقليمية للثقافة بتارودانت في تقديم تلك الرسائل عبر عقد ندوة فكرية عن بعد للتعريف بهذه الصحوة الثقافية في عز كورونا، وبعد الإقبال المذهل على تلك الرسائل عقدت المندوبية الإقليمية للثقافة بتنسيق مع الكاتبين في المساهمة في طبع الكتاب لتوثيق تلك الرسائل وجعل الكتاب مرجعا أدبياً للقراء والباحثين في هذا الجنس الأدبي العربي الأصيل.
كما تقدم بكلمة ترحيبية لفائدة الحضور وللناقدين مصطفى بولهريس وعبد القادر سلك اللذين أخذهما الهوس المعرفي لتقديم قراءات نقدية للكتاب القيم والانخراط كذلك في إعادة الروح إلى الشأن الثقافي بالمدينة بعد الوضع الاستثنائي العصيب.
وبدوره أكد الأستاذ العربي أميس مسير الندوة الفكرية ما تناولته كلمة الأستاذ حسن أمدوغ عن مجلس جمعية مبدعي ابن سليمان الروداني من أهمية قصوى للكتاب القيم موضوع الندوة الذي ساهم في انتعاشة للشأن الثقافي وأكد بدوره على الأصداء الطيبة للكتاب عبر وسائل التواصل الاجتماعي وعبر مختلف المنابر الإعلامية بمختلف أطيافها.
وتناول الناقد عبد القادر سلك في ورقته النقدية جانب بلاغة ” رسائل من زمان كورونا” بين رهانات التأليف وسياق التلقي؛ كما تناولت الورقة النقدية شكل الكتابة التي جاءت بها تلك الرسائل. وقد لخص بشكل موجز تلك القراءة النقدية حيث كتب:
” في البداية تم تصنيف هذا المؤلف من حيث جنسه الأدبي، في كونه ينتمي إلى لون من الألوان النثرية، وهو “فن الترسل”الذي نشأ عند العرب، منذ “سجع الكهان”، ثم تطور بين العصرين الأموي والعباس. و جاءت” رسائل من زمن كورونا” على شاكلة إبداعات فطاحل الكتاب في العصر الذهبي للأدب وهو العصر العباسي في مثل روائع الرسائل التي كتبها الجاحظ. وقد جارى المترسلان في “رسائل من زمن كورونا” تلك الكتابات، في نثر مسجوع، وصيغت جماليته على الزخرف من القول البديع، وعلى رونق من اللفظ المختار بعناية، وعلى رواء ونضارة في المجاز بنظم فصيح. فكانت بلاغة تلك الرسائل “بلاغة امتاع”، غير أن محسناتها اقتصرت على الجزئي في حدود الجملة، مركزة على التطريب
والايقاع في توظيف الاسجاع في أواخر تلك الجمل، وظلت تكرره على طول النصوص الاربع والعشرين رسالة بإستثناء الرسالة الأولى التى وظفت بعض المكونات السردية في التعبير، كالوصف القصصي الذي تداخله الأساليب الإنشائية التي يقتضيها المقام الخطابي.
وتخلص هذه القراءة إلى كون نصوص الرسائل وظفت أساليب البلاغة القديمة. وهذا ما جعل تلك النصوص تغترب عن زمانها، الذي هو زمن قارئيها، وزمن تلقيها.. هذا الزمن الذي تطورت فيه منهجيات ومقاربات النصوص والخطابات،منذ الخمسينات من القرن الماضي. حيث نشات “بلاغة جديدة” في تفسير وتأويل دلالة الخطاب، معتبرة ان “النص” و”القارئ” و”السياق” هي عناصر ينتج المعنى في تعالقاتها. اذن لابد أن نقرأ الخطابات من داخلها، ومن خارجها، في سياق تواصلي مشروط بجمالية زمانه وذوق وكفاءة قارئييه الَمعرفية والثقافية.. لهذا يجد قارئ نصوص الرسائل، إذا ما اعتمد منظور البلاغة الجديدة، أن هذه النصوص اغتربت عن زمن تلقيها، وقفزت على عصور، كعصر “النهضة العربية” في ثلاثينيات القرن الماضي، الذي راكمت فيه” الكتابة”، أساليب وتجارب ساهمت في تطويع اللغة الأدبية كالرواية والقصة الحديثة والمعاصرة.
و انطلاقا من نفس المنظور، فالقارئ اليوم لن يقنع بما برر به المؤلفان، رجوعها لمحاكاة نصوص النثر في العصر العباسي، فقط لأن لغة “الفايسبوك”تنشر “السفاهة”. وذلك لان “وسائط التواصل الجماهيري الإلكترونية” لها خصائصها ووظائفها،في عرض المواد سواء الثقافية منها او غيرها. وتحكمها قيم الاستهلاك والتسويق من جهة؛ ومن جهة فان فضاءاتها مفتوحة للجماعات ذات الانتماء المغلق بحسب نوع الفئات الاجتماعية، فهناك قنوات اتصال ثقافي عالي المستوى في الفايس بوك نفسه.”
وختم صاحب هذه الورقة النقدية قراءته بالقول: ” أن نصوص “رسائل من زمن كورونا” لم تعد بملك مؤلفيها فقط، بل صارت مفتوحةعلى القراءات العديدة، وفق شروط التلقى المختلف والمتغير، خصوصا أن تأليفها ارتبط ب “زمن كورونا” الذي له ما قبله، وما بعده، اجتماعيا وثقافيا وجماليا. ”
أما الورقة النقدية للأستاذ مصطفى بولهريس فتناولت قضايا ” رسائل من زمان كورونا” والتي لخصها كذلك بإيجاز وعبر عن ذلك:
” هذا الكتاب من الحجم المتوسط، يقع في 92 صفحة، وهو منشور بدعم من المديرية الإقليمية للثقافة بتارودانت، ضمن منشورات رونق، ويلف غلاف الكتاب لوحة فنية متعددة الدلالات، ويضم 22 رسالة، بدأها محمد كروم بتنسيق مع منير المنيري. وتذكرنا برسائل أخرى كانت تُتَبادل بين كتاب ومشاهير عبر العالم قديماً وحديثاً. فأدب الرسالة في حد ذاته جنس أدبي قديم له مميزاته وخصصوياته. ولعل أهمها الإثارة. فكلما قرأت رسالة ينتابك الفضول لقراءة الرد في الرسالة الموالية.
كما أنها تكشف عن جوانب خفيفة من شخصيات الأدباء، وتوثق لحظات من حياتهم لا يعرفها القراء عادة مثل رسائل” كافكا إلى حبيبته ميلينا” ورسائل محمود درويش وسميح القاسم (نثرية) ورسائل ديكارت مع إليزابيث الأميرة، ورسائل غسان كنفاني وغادة السمان… وغيرها كثير…
نعود إلى رسائل من زمان كورونا، نموذجنا الحي من أدب الرسائل، السياق الزمني للكتاب: سياق جائحة كورونا كحدث يمكن اعتباره حدث صدمة مادام شيئاً غير معتاد وغير متوقع، وكل صدمة أو دهشة تثير الأسئلة لدى الكُتاب والمثقفين. لذلك كانت الرسالة الأولى من محمد كروم ضاجة بالسؤال أو التساؤلات في الحقيقة، وخاصة سؤال: هل. وهل سؤال بالإضافة إلى أنه ناجم عن صدمة الحدث. فهو أيضاً سؤال توليدي يفتح شهية التراسل، وبالتالي يضمن انطلاقة جيدة للرسائل.(ص5).
وليس سهلا أن تجد شخصا تتراسل معه رسائل مفعمة بالبلاغة من هذا النوع. لذلك فالثنائي محمد كروم و منير المنيري ثنائي بارع في فن التراسل.
الرسالة الأولى كانت بارقة أمل انتشلت الشيخ منير المنيري من الملل وهو قابع في زاويته غرب المدينة أو كما قال في رسالة الرد : فانتشلتني برسالتك من جبة الخلوة وألقيتني في يم السلوة. (ص8) ومرحباً بفكرة التراسل بلا تردد (ص11).
ورسائل منير المنيري مطروزة بلغة تذكرنا ببلاغة الكتب العريقة. ولذلك جاء التنبيه من محمد كروم الذي دعاه التخلي عنها واعتماد لغة سهلة مادامت الرسائل تنشر عبر الفيسبوك، أو كما جاء في الصفحة 13 من الكتاب. ثم قدم تفسيرات الناس للحدث ورصدها بدقة بناء على ما ينشر في الفيسبوك.
في الرسالة الرابعة، وبنفس المتعة السردية وانتقاء العبارات الأبلغ من غيرها يدافع منير المنيري عن توجهه في اختيار البلاغة الصعبة واللفظ المزخرف (ص17). ثم ينسجم في جو التراسل عبر الأخذ والرد؛ وإن كتب محمد كروم على نفسه السؤال فقد تولى منير المنيري الإجابة (ص 18) محاولا هدم النظريات التي رصدها محمد كروم في الرسالة السابقة ليخلص إلى أن هذا الوباء كشف عورة الكثيرين (ص 19). ومنير المنيري ينتقد بشدة ما يسميه سفاهة وقلة ذوق من ضحالة ما ينشر في المواقع في تلك الأيام التي انعدمت فيها الحلول، وكثرت فيها الآراء والكلام. ثم تعالج الرسائل الموالية ظواهر أخرى انتشرت في فترة الحجر الصحي مثل الشائعات المغلوطة، ونجوم وسائل التواصل الاجتماعي. والذين يتم ذكر بعضهم بالتلميح والإشارة كظاهرة توزيع المساعدات أمام الكاميرات والشراء للذمم عبر قفة الدعم من طرف تجار الأصوات الانتخابية. كما تطرقت إلى قضية التعليم عن بعد بسلبياتها وايجابتها ومعيقاتها مثل غياب الأصدقاء واختفائهم في زمن الضيق والوضعية العصيبة.
ويختلف الكاتبان في تناول هذه الظواهر والقضايا؛ فمنير المنيري صارم جداً في النقد والانتقاد لهذه الظواهر كما في بقية المواضيع الأخرى التي تناولتها الرسائل. ولا يتردد في الهجوم اللاذع بألفاظ مباشرة. بالمقابل يحاول محمد كروم تهدئة الأمور وشد العصا من وسطها.
هذا الاختلاف في طريقة تناول القضايا سيحول تلك المجاملات التي بدأت بها الرسائل إلى مواجهة زادت من متعة وتشويق الرسائل. ولما ضاق منير المنيري ذرعاً بوسطية وحياد محمد كروم واجهه بالقول (ص31). لكن محمد كروم له ما يبرر به أسلوبه. فاتهم منير المنيري بالخوف من مباشرة المواضيع وعوضاً عن ذلك يلقي بها إليه ( إلى محمد كروم) أو كما قال في الصفحة 35.
وابتداء من الرسالة 10، انتقلت الرسائل إلى مواضيع شخصية تهمخ مسار وذكريات الكاتبين وبعض رفاقهما ثم نحو الحديث عن بعض أدباء تارودانت المعروفين منهم والمنسيين.
وفي ختام قرائته النقدية أكد الأستاذ مصطفى بولهريس: ” ولا يشفي الغليل غير قراءة الكتاب، وأعتقد أن بلاغته ومتعته لفته وحدهما سبب وجيه لقرائته بغض النظر عن كونه ثوثيقاً فوريا لأحداث الحجر الصحي بطريقة أدبية ممتعة”.
وخلال فقرات المداخلات تخللت تلك المحاور فقرات غنائية بنكهة صوفية لاستعادة المتدخلين الأنفاس، وقد تجاوب الحضور بأريحية مع تلك الإيقاعات الصوفية الهادئة.
وبعد ذلك فسح مسير الندوة الفكرية الأستاذ العربي أميس المجال للتدخلات والتساؤلات. و في هذا السياق فقد لامست جل تلك التساؤلات والتدخلات عمق قضايا الرسائل منها تلك التي كانت تساؤلات حول أبعاد القراءات النقدية من ناحية السياقات الزمنية والبلاغية. وكذلك تلك السجالات الأدبية بين الكاتبين محمد كروم و منير المنيري.
وقد استحسن كل من الكاتبين والناقدينغ مجمل التدخلات التي ارتقت بسمو النقاش الجاد والحوار البناء والسليم.
وفي ختام الندوة الفكرية أقامت الجمعية حفل شاي على شرف الحضور، وتم تكريم الناقدين مصطفى بولهريس وعبد القادر سلك في إطار ثقافة الاعتراف بالجميل.
اكتشاف المزيد من azulpress.ma
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
التعليقات مغلقة.