صادق مؤخراً مجلس النواب، بعد تأخر دام سنوات، على مشروع القانون التنظيمي لتفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية؛ لكن مضامين هذا النص الذي يفعل مقتضيات الفصل الخامس من دستور 2011 لم تنل الإجماع من قبل الحركة الحقوقية والأمازيغية وبعض المؤسسات الرسمية.
ويحدد هذا المشروع مراحل تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية في المجالات ذات الأولية في مناحي حياة المغاربة، من التعليم والإعلام والقضاء، إضافة إلى الإدارة؛ وقد حدد آجالا تمتد إلى خمسة عشر عاماً لبعض المقتضيات، فيما أخرى ستدخل حيز التنفيذ بعد إنهاء المصادقة النهائية عليه.
في هذا الحوار، يتحدث أحمد بوكوس، عميد المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، وهي مؤسسة ملكية أسست سنة 2001 تعنى بالحفاظ على الثقافة الأمازيغية، عن مضامين هذا القانون وبعض نقاط ضعفه، إضافة إلى وقوفه على حصيلة ملف الأمازيغية منذ تأسيس المعهد قبل قرابة عقدين من الزمن.
بعد 8 سنوات من التأخر، صادق مجلس النواب على قانون الأمازيغية، كيف تقرؤون هذه الخطوة المتأخرة؟
منطقياً ودستورياً ليس هناك مبرر لهذا التأخر، لأن الفصل الخامس من دستور 2011 واضح، يقول إن الأمازيغية لغة رسمية للدولة، والحكومة السابقة كان لديها برنامج حكومي اعتبر أن الأمازيغية ضمن القضايا المُهيكلة؛ وبالتالي كنا ننتظر أن يتم استصدار القانونين التنظيميين الخاصين بتفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية والمجلس الوطني للغات والثقافة المغربية في الولاية الحكومية السابقة والبرلمان المرافق لها، لكن ذلك لم يتأت، ولم يأخذ الملف مساره الصحيح إلا في شهر يونيو من سنة 2019، وهذا تأخر كبير.
يعود هذا التأخر إلى وجود تيارات غير متفقة على استعمال حرف تيفيناغ وتُعارض أن تكون الأمازيغية المعيارية هي اللغة التي على الدولة حمايتها وتدريسها في المدرسة المغربية وتوظيفها في المؤسسات؛ وتُفضل مقابل ذلك الحديث عن التعبيرات اللهجية، ونحن لا نتفق مع ذلك ذلك، لأن المسألة سياسية بالدرجة الأولى.
تقصدون حزبي العدالة والتنمية والاستقلال؟
نعم حزب العدالة والتنمية وحزب الاستقلال. والغريب في الأمر أنه خلال لقاءاتنا مع أعضاء من الحزب الأول أكدوا لنا أنه لا مشكلة لديهم مع الأمازيغية المعيارية وحرف تيفيناغ، ما دام الملك محمد السادس صادق على ذلك سنة 2003.
وبالنسبة لحزب الاستقلال فقد سبق أن قام بمبادرات عدة لفائدة الأمازيغية. كما سبق أن عقدنا مع قادة الحزبين لقاءات واقتنعوا بمقترحاتنا لاعتماد حرف تيفيناغ واللغة المعيارية التي أعدها المعهد، لكن لدى الحزبين اليوم آراء أخرى.
ما نريد أن نؤكده أنه ليس لدينا أي صراع مع اللغة العربية وحرفها أو الثقافة العربية أو الإسلامية، وليس لدينا مركب نقص، لكن آن الأوان لجميع المغاربة والنخب المثقفة أن يعتبروا الأمازيغية لغتهم وثقافتهم.
نال هذا القانون العديد من الانتقادات، ما الذي يجعله في نظركم ضعيفاً من الناحية القانونية؟
هناك نوع من الضبابية في استعمال بعض الصيغ التي ليس لديها أي مدلول قانوني وإلزامي، من قبيل “يُمكن” و”يتعين”. يجب أن يكون التنصيص بصريح العبارة على أن تدريس الأمازيغية إلزامي في مستويات التعليم الابتدائي والثانوي والتعليم العالي، لكن النص القانوني الحالي يتحدث عن أن تعلم الأمازيغية حق لجميع المغاربة، في حين يجب أن يُترجم هذا الحق على أرض الواقع بإلزام تطبيقه؛ لذلك لا بد من مراسيم تطبيقية في ما بعد.
هناك بعض التعليقات تقول ألا فائدة من تعلم الأمازيغية، بل يجب تعلم لغات مثل الإنجليزية والفرنسية..
يمكن تفسير هذا الأمر بكونه وجهاً من أوجه الاستلاب الثقافي واللغوي، فحين نقول إن كل ما هو “برَّاني” أفضل مما هو لدينا، سواء في الملابس أو الخدمات، فهذا فيه تبخيس للقُدرات والصناعات الوطنية، وحين نقول إن الأمازيغية لا تساوي شيئاً فعلى كل قائل بذلك أن يذهب إلى نواحي الرباط وسيرى أن الأمازيغية ضرورية لمخاطبة إخوته المغاربة. ويجب أن نؤكد أيضاً أن الأمازيغية لغة وطنية، وأن هناك أمازيغ في البلاد، ويجب أن يحصل تواصل في ما بين المغاربة.
الأمازيغية تدرس كلغة للتواصل بين فئات الشعب المغربي، وهناك مواطنون يتحدثون بها لديهم حقوق اقتصادية واجتماعية وسياسية وثقافية ولغوية.
ما مصير المعهد في إطار مشروع القانون التنظيمي للمجلس الوطني للغات والثقافة المغربية؟
القانون التنظيمي الخاص بهذا المجلس يقول إن المعهد سيضم إلى مؤسسات أخرى، وهي أكاديمية اللغة العربية وهيئة الحسانية، وأخرى تعنى باللغات الأجنبية. وعملية الضم هذه ستجعل المعهد مديرية عكس ما هو عليه اليوم بعمادة برتبة رئاسة جامعة. ومشروع القانون الجديد سيحول المعهد إلى إدارةً تابعة، وهذا فيه تراجع على مستوى الوظائف والمهام على المستوى السياسي والإستراتيجيات والموارد البشرية.
مسألة أخرى خطيرة في هذا المشروع تتمثل في أن ممتلكات المعهد ستنقل إلى المجلس الوطني للغات والثقافة المغربية. كما يتبين من مضامين القانون أن الأمازيغية ستخرج من دائرة اختصاصات المعهد، وستكون تعبيراً ضمن تعبيرات أخرى ستسهر عليها هيئة معينة لا نعرف مهامها، من خلال نص مشروع القانون التنظيمي الخاص بها.
بعد مضي سنوات من دخولها إلى المدرسة..ما هي وضعية الأمازيغية في قطاع التعليم؟
اليوم لا تدرس الأمازيغية في جميع المدارس العمومية، إذ إن أقل من 25 في المائة فقط من المدارس هي التي تتوفر على قسم أو قسمين للأمازيغية.
وبالنسبة للأساتذة، ففي أوج مرحلة تدريس الأمازيغية بعد اتفاقية التعاون التي وقعها المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية مع وزارة التربية الوطنية سنة 2003 كان لدينا 7000 أستاذ، لكن ابتداءً من 2012 أصبح لدينا 5000 أستاذ فقط.. وحين نبحث أكثر نجد أن من أصل 5000 لدينا 10 في المائة فقط متخصصين، ومع السنوات تراجع العدد كثيراً، سواء الأساتذة أو التلاميذ المستفيدين من حصص تدريس الأمازيغية.
نعرف أن الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين بذلت جهودًا مهمةً جداً في تكوين الأساتذة المتخصصين في اللغة الأمازيغية، لكن الإرادة السياسية للساهرين آنذاك على القطاع جعلت عدد الأساتذة يتناقص بكثير، بحيث يتم إسناد تدريس اللغة الأمازيغية لغير المتخصصين، ويتم تكليف المتخصصين فيها بتدريس مواد أخرى.
هذه أرقام لوزارة التربية الوطنية تُبين أولاً أن هناك تراجعاً مقارنةً بالأوضاع التي كانت عليها الوضعية ما بين 2003 و2007.
في المقابل، لدينا على الأقل 3000 خريج من مسالك الدراسات الأمازيغية على مستوى الإجازة والماستر من جامعات عدة، وهم مادة خام مؤهلة أكاديمياً يجب تأهيلها على المستوى المهني البيداغوجي وديداكتيك اللغة الأمازيغية.
هل لهذا التراجع أثر على وضع الأمازيغية بصفة عامة؟
نعم لديه وقع سيء حتى على المستويين المعنوي والنفسي، إذ نجد عدداً من الطلبة والطالبات تكونوا وأصبحوا أساتذة للغة الأمازيغية بحماس منقطع النظير، فإذا بهم يصطدمون بواقع معين، بحيث لا يشركون في الحياة المدرسية ويتم التعامل معهم بحيف، وبالتالي يصيبهم الإحباط بسبب تكليفهم بمواد أخرى غير تخصصهم.
بعد قرابة عقدين من الاشتغال على معيرة الأمازيغية وتأهيلها، هل أصبحت تتوفر على مقومات لغة دولية؟
أكيد لا، لأن تأهيل لغة من اللغات سيرورة تتطلب وقتاً طويلاً، وذلك لن يتأتى إلا في الأمد الطويل والبعيد، ولكي نصل إلى المراحل الأولى من هذه السيرورة يجب إعطاء المؤسسة التي ترعى هذا الأمر ما يكفي من الإمكانيات المادية والبشرية واللوجستيكية.
لنأخذ مثلاً اللغة العربية، هل يمكن القول إنها اليوم تُضاهي اللغة الإنجليزية أو الفرنسية؟ لا، وهذا ليس استصغاراً بل واقعاً. وذوو الاختصاص والإلمام بالأوضاع الدقيقة للغة العربية يقولون إن هناك خصاصاً على مستوى المعجم التقني في بعض الحقول، مثل العلوم الطبيعية والفيزيائية أو الرياضيات والتكنولوجيات الحديثة.
في مستوى آخر، اللغة العربية المُدرَّسة على مستوى التعليم الابتدائي فيها نحو وقواعد إملائية صعبة التمكن، تجعل حتى خريجي الجامعات يخطئون فيها. هذه الأمور يجب تبسيطها أو على الأقل مراجعة برامج تدريسها.
لا بد أن نعيد النظر في منهجية تدريس اللغة في ما يتعلق بعسر التمكن من بعض الصيغ الفعلية والاسمية، هذا بالنسبة للعربية فما بالك باللغة الأمازيغية التي بدأت سنة 2003 بإرادة سياسية متذبذبة وعرفت تراجعات، ومن الأكيد أن لغةً مثلها لا يمكن أن تحقق المبتغى وتُوظف كلغة رسمية فعلية إلا بإيجاد شروط سياسية بالدرجة الأولى، إذ لا يمكن أن نغير موقفنا من تدريس الأمازيغية في كل مرة حسب الأهواء والميولات الأيديولوجية.
هذا مشروع وطني لأن دستور المغرب أقر برسمية اللغة الأمازيغية إلى جانب اللغة العربية.
ما هي حصيلة المعهد في دعم الجمعيات وإصدار الكتب؟
المعهد لديه سياسة لدعم الكتاب الأمازيغي على مستوى اللغة والآداب والعلوم الإنسانية والاجتماعية، وسنوياً ننشر ما بين 35 و40 إصداراً جديداً، وهذا مكسب مهم جداً للخزانة الأمازيغية؛ فكما لا يخفى على أحد، قبل 2001 كان هناك عدد قليل جداً من الجمعيات الثقافية تقوم بنشر بعض الكتب، واليوم أصبح للمعهد رصيدٌ مهم جداً وبات قطباً مرجعياً في مجال النشر بالأمازيغية وحولها.
بالنسبة لدعم الجمعيات منذ سنة 2005 وإلى 2018 شكل نسبةً مهمةً من ميزانية المعهد، إذ وصل قرابة 2 مليار درهم قُدمت للمشاريع التي تعدها الجمعيات لتنظيم الأنشطة والمهرجانات الثقافية والبرامج التعليمية. ويبلغ عدد المشاريع سنوياً قرابة 400 مشروع، تقدمها الجمعيات من مختلف جهات المغرب.
هل هناك إقبال على الخدمة التي يقدمها المعهد لتعليم اللغة الأمازيغية؟
نعم هناك عدد مهم من المواطنين المغاربة يرغبون في تعلم الأمازيغية، إضافة إلى بعض الأجانب. وننظم دروسا لفائدة الراشدين طوال سنوات، لكن مؤخراً قمنا بتقييم التجربة وتبين أن الموضوع يستحق مقاربة جديدة تقوم على تحديد مستوى كل راغب في التعلم.
وفي هذا الصدد أعددنا منهاجاً خاصاً لتدريس الأمازيغية للراشدين باللهجات المختلفة، لأنه تجلى لنا أن غير الناطقين بالأمازيغية يفضلون الحديث بلهجة معينة للتواصل مع الساكنة المحلية القريبة منهم، ولذلك ألفنا كتباً للتعلم بتاريفيت وتمازيغت وتاشلحيت.
بعد ذلك تواصلت معنا الوكالة الوطنية لمحاربة الأمية واقترحت تولي مشروعنا لتعميمه على الصعيد الوطني، على اعتبار أن لديها دعماً مالياً من المؤسسات الدولية مثل اليونسيف والبنك الدولي، وقد عقدنا معها جلسات عمل واتفقنا على توظيف آليات وتقنيات رقمية لتدريس الأمازيغية عبر منصة للتعليم عن بُعد.
كم يتطلب من الوقت لتعليم الأمازيغية لغير الناطق بها؟
إذا كان الشخص بمقدوره أن يوفر ما يكفي من الوقت في حدود ساعتين في اليوم ولديه رغبة ويتم تأطيره فيمكنه بعد 560 ساعة إتقان اللغة الأمازيغية. لدينا بعض الأمثلة لمغاربة أصبحوا متمكنين جداً منها. أؤكد لكم أن الأمر يتعلق بالدرجة الأولى بإرادة الشخص.
حاوره: يوسف لخضر عن هسبريس
اكتشاف المزيد من azulpress.ma
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
التعليقات مغلقة.