بنسعيد آيت يدر كما عرفته، وهذه أسرار علاقته بالمخزن والملكية
– محمد نجيب كومينة–
أزعم أنني أعرف محمد بنسعيد جيدا لأننا عشنا تجربة مشتركة واتفقنا واختلفنا لكننا تحاببنا.
ما أعرفه عن بنسعيد أنه رجل من معدن إنساني نادر، وأنه رجل حريص على كرامته أكثر من أي شئ آخر، وليس له أدنى استعداد لقبول مايخدشها، وأعرف عنه كذلك أنه لايهتم لا من قريب ولا من بعيد بالأوسمة والصفات والمنافع، ولا يسعى إلى التقرب من أية جهة، بل نحن الشباب وقتئذ من ألزمناه بتصدر الواجهة، لأننا كنا في حاجة إلى آباء، ولأنه لا يحب الظهور ويرغب دائما في العمل بصمت، وما أكبر الأعمال التي قام بها وما أعظم تضحياته. ويهمه أكثر أن يقرأ المحبة في عيون المقاومين والناضلين والناس البسطاء، لأنه كان وبقي يساريا منسجما مع قناعاته ولم يتبدل تبديلا.
أن يتم توشيحه اليوم من طرف الملك ويقبل بذلك، ليس مفاجئا إلا لهؤلاء الذين لا يقرأون ولا يفهمون ولا يعرفون تاريخ هذا البلد، ولا هم واجهوا محنا (لقاوها ساهلة).
فالرجل اختار منذ تأسيس منظمة العمل الديمقراطي الشعبي، مع كل رفاقه، الانتقال للشرعية والدخول إلى البرلمان، ليس خوفا ولا تملقا، وإنما انطلاقا من قناعة بجدوى النضال الديمقراطي لحماية الوطن من الأخطار التي تتهدده أولا، فالرجل الذي تولى المسؤوليات المعروفة في المقاومة وجيش التحرير وطني حتى النخاع، ولتجاوز الدوران في الحلقة المفرغة للعداء بين الحسن الثاني وقوى اليسار والبلانكية والرفضوية من جهة، والقمع الشرس من جهة أخرى، كخيار آخر لإنهاء الاستبداد والسير نحو توافق يؤسس لانتقال ديمقراطي حقيقي بأفق الوصول إلى ملكية برلمانية تقوم على أساس مؤسسات تعكس اختيار الشعب وإرادته واختباره وتضع بلدنا في مصاف الديمقراطيات الحقيقية.
اختيار من هذا القبيل أبعد ما يكون عن منطق القطيعة التي يتوهمها البعض من الطفوليين وممن صارت لهم الجرأة، بعدما كانوا مسكونين بالجبن، وكانوا يخوضون في الصفقات الفاسدة من أجل منافع تافهة، بل يقوم على أساس المزاوجة بين النضال النظيف في كل الواجهات مع باقي القوى الديمقراطية والحوار مع الدولة، والملك على رأسها، للوصول إلى حلول وسطى تفتح طرقا جديدة للحريات وحقوق الإنسان والديمقراطية، لكنه حوار محصن بالصدق والحرص القوي على الكرامة والابتعاد عن الانتهازية والريع وما جعل البعض يستبدلون الأقنعة بحسب المصلحة.
محمد بنسعيد لم يرفض محاورة الحسن الثاني، لكنه رفض بروتوكولا مهينا للكرامة الإنسانية وألح على أن يكون هدف الحوار هو تحقيق التقدم الديمقراطي المنشود.
ولأنني عشت قريبا من عمل الكتلة الديمقراطية وبرلمانييها لسنوات، وإلى حدود تكوين حكومة التناوب، فإنني رأيت بأم عيني كيف كان محمد بنسعيد يحظى باحترام خاص من طرف الكبار، وكيف كانت نزاهته مضرب المثل حتى لما حصل الاختلاف وكيف كان التعامل معه باحترام كامل وإجلال في كل الظروف.
تكريمه اليوم من طرف الملك محمد السادس، وهو الذي اعتُقل سنة 1960 بتهمة محاولة اغتيال ولي العهد الحسن الثاني، من المفروض أن يُنظر إليه إيجابيا وليس بالتحامل المجاني، فالدولة بهذا التكريم تقر بالدور التاريخي للرجل في معارك الوطن في مختلف المراحل، سواء لانهاء الاستعمار أو لاستكمال الوحدة الترابية أو لإنهاء الاستبداد وتوسيع مجال الحريات واحترام حقوق الإنسان، وبناء مؤسسات ديمقراطية حقيقية ومناهضة ميول الردة والتقهقر، ومحمد بنسعيد قبل بالتكريم في ظرف رآه مناسبا بناء على قناعة وحساب مصلحة البلاد، وليس رغبة في التملق أو الفوز بمنافع أو الحصول على ريع، فالرجل قنوع جدا ومستعد دائما للتضحية بما لديه، بما في ذلك صحته، ومتقشف في حياته الخاصة، وكرامته تسبقه كما سلف، وليس لأحد أن يزايد عليه.
أن يُؤاخَذَُ محمد بنسعيد بكونه لم يوقع على التضامن مع المرابط، ويهاجم من أجل ذلك، فذلك منتهى الانحطاط، فالرجل كان دائما صوتا مدافعا عن الحريات وحقوق الإنسان، وكان له سبق فضح معتقل تازممارت السئ الذكر، وكان وما يزال بعيدا عن مناضلي الصالونات وأصحاب القضايا التي توفر فرص الأسفار والفنادق الفخمة واليبردييم والقرب من الممولين، لأنه رجل “مزير الصمطة”، وأراه يدين منع مواطن من شهادة السكنى وأوراقه بلا تردد، لكنني أتصور أنه متردد في هذه الحالة، لأنه يعرف أن المرابط زار فلسطين المحتلة وأجرى حوارا فضيحة مع نتانياهو، حين رفض الحسن الثاني أن تعبر الطائرة التي تقله الأجواء المغربية، والقضية الفلسطينية بالنسبة لبنسعيد خط أحمر، ولأنه يعرف كذلك أن المرابط قام بتصرفات طائشة تجاه القضية الوطنية ولعب في المربع الجزائري، والقضية الوطنية بالنسبة لبنسعيد، القادم من المقاومة وجيش التحرير والذي غادر المنفى بالجزائر إلى فرنسا بعدما اتخذ موقفا معارضا للنزعة الهيمنية للجزائر، خط أحمر كذلك.
تعليقات بعض صحفيي الفوضى الإلكترونية، الذين تغريهم النجومية ويعتبرون الإساءة للمناضلين وللتاريخ بابا موصلا إلى “اللايكات” والمنافع لايستحقون أن يُرد عليهم، ترفعا عن العفن
التعليقات مغلقة.