انطلقت سياسة جديدة حول الهجرة في المغرب خريف سنة 2013؛ ومن بين نقط قوتها حسب دراسة أجزها الباحثان البشير حمدوش ومحمد مغاري لفائدة الوزارة المكلفة بالمغاربة المقيمين بالخارج وشؤون الهجرة وبدعم من المنظمة الدولية للهجرة IOM ، أنها أخذت بعين الاعتبار أن المغرب ليس فقط بلد الهجرة إلى الخارج، بل أصبح أيضا بلد استقبال المهاجرين، وهي سياسة تولي أهمية أكبر للجانب الإنساني وحريصة على احترام حقوق الإنسان والاندماج الاجتماعي والاقتصادي للمهاجرين الأجانب المقيمين بالمغرب. كما تأخذ بعين الاعتبار جميع أنواع تدفقات الهجرة بما فيها الهجرة إلى الخارج والهجرة إلى المغرب وهجرة العودة.
وإلى وقت قريب، كان المهاجرون العائدون يشكلون كَعْب أَخِيل السياسة المغربية حول الهجرة. ويمكن تصنيف هؤلاء اعتبارا لاحتياجاتهم المتباينة إلى ثلاث فئات:
- الفئة الأولى، تضم المتقاعدين الذين كانوا يشكلون أغلبية المهاجرين العائدين، وهي الفئة التي خضعت لاصطفاء “فيلكس موغا”، نخاس الأزمنة الحديثة.هؤلاء كانوا خميرة فرنسا، وهم كائنات مختلفة عن خميرة المغرب الحديث التي تحدث عنها المهدي بن بركة، والذي كان يقصد بها بالطبع مناضلي “الاختيار الثوري”.
- إنهم العائدون بجراح مثخنة من أثر السِيلِيكُوز، وهم اليوم يموتون على نار هادئة وليس بمُكْنَتِهم مزاولة أي نشاط، عكس ما تذهب إليه دراسة البشير حمدوش ومحمد مغاري الآنفة الذكر (ص:14)؛
- إنهم باكورة المهاجرين الذين استُقدموا من “طاموشا وتاوْلاشْت وتانكارفا وتاكْراكْرا” لِيُزَج بهم في غيابات مناجم الشمال الفرنسي ب nord pas de calais، ولم يكن مطلوبا منهم إتقان اللغات ولا تَوَفرٌهم على كفايات أولية في المعلوميات، بل كانت السيفييات ورسائل التحفيز تتضمن مستلزمين اثنين، أسنان قاطعة غير مشدودة بالبروتيز وعضلات مفتولة تُضْمِر قوة منذورة لاستخراج الفحم الحجري الذي بنى فرنسا الحديثة.
- الفئة الثانية، تتشكل من المهاجرين العائدين عن طواعية، وهم في سن النشاط الاقتصادي. فرقميا، يُعَد هؤلاء رأسمالا مهما يمكن أن يحققوا الفارق في النهوض والإسهام في تحريك الاقتصاد الوطني، فهم يتكؤون على 61% من الأموال المجلوبة إلى المغرب وترتفع هذه النسبة بالذات ضمن المهاجرين العائدين من البلدان الأوربية القديمة ب 74.7%.
- غير أن هاته الفئة تَضِيع وسط دواليب الإدارات إن وُجدت، وتتيه أمام بنيات استقبال وهمية كالتي تؤثث الفضاء الإداري لسيدي إفني حاضرة أيت باعمران، مما يؤدي إلى سقوط هذه الفئة في مشاريع مغلوطة كالتيليبوتيك والبيسري والباتسري..
- الفئة الثالثة، وتشتمل على العائدين بشكل قسري بعد فقدان الشغل بسبب الأزمة الاقتصادية لسنة 2008، والتي مست على وجه الخصوص (اسبانيا وإيطاليا) البلدين الذين امتصا جحافل من شباب بولعلام وكولومينا، وتسببت موجات الهجرة إليهما في كوارث إنسانية محت رواسب ملحمة موغا وستظل عالقة بأذهان الباعمرانيين ما حيوا. إن هذا السؤال يُشْرِع أمام كل مهتم بشأن الهجرة في المجال الباعمراني حزمة من المهام والمستلزمات: يبقى السؤال الأهم، كيف يمكن للمهاجرين العائدين إلى مجال كمجال أيت باعمران، أن يمكثوا فيه أولا وأن يساهموا في تنميته ثانيا، وهم ذات السؤال الذي خلصت إليه نتائج البحث حول الهجرة الدولية على التنمية بالمغرب.
- ما هي بنيات الاستقبال المنذورة لهاته الفئات المُومَإ إليها، والمتنوعة الهموم، المتضاربة المصالح والرهانات؛
- إلى أي حد يمكن لنظامنا التعليمي المنهَك أن يستجيب لانتظارات أطفال العائدين خصوصا في مسألتي لغات التدريس واللغات المُدَرسَة والمناهج الدراسية؛
- بصدد الاستثمار في أيت باعمران، ما أسباب الهجرة المضادة للمستثمرين ومن المستفيد من هذا النزيف ومن يؤدي / ومن يجْبِي ثمن الصمت؛
- وأخيرا، كيف السبيل إلى كسب رهان مُصالحة هؤلاء مع سياق اجتماعي واقتصادي مختلف، وكيف السبيل إلى تيسير ولوجهم إلى التمتع بحقوقهم السياسية والمدنية والثقافية والاقتصادية والاجتماعية؟. أليست تلكم المهام والمستلزمات من صميم دفتر التحملات المقدم من لدن المنتخبين والسلطات والمصالح الخارجية للوزارات وممثلي الإدارات المركزية بالإقليم؛ والذي يشكل التعاقد الحَق بين الباعمرانيين وبين مدبري مجالهم. الحسين أبليح
التعليقات مغلقة.