بطلان مشروع القانون رقم: 04.16 لمساسه بحصانة الظهير الملكي
الصافي مومن علي
يتعلق الأمر بالقانون التنظيمي المنظم للمجلس الوطني للغات والثقافة المغربية، الذي تمت المصادقة عليه من طرف مجلس النواب بتاريخ 10 يونيو 2019 ، والذي ادخلت عليه بعض التعديلات من طرف مجلس المستشارين ، آخرها تعديل المادة 51 ، الرامي الى الابقاء على وجود واستقلالية معهد الدراسات والأبحات والتعريب ، وعدم حله أو ادماجه في المجلس الوطني للغات والثقافة المغربية ، فهذا القانون مشوب بالبطلان لمساسه من جهة، بحصانة الظهير الملكي، ومن جهة اخرى لتأويله الفاسد لأحد فصول الدستور.
أولا: حول المسـاس بحصـانة الظهير الملكي:
إذا كان الفصل 46 من الدستور ينص على أن: ((شخص الملك لا تنتهك حرمته ، وللملك واجب التوقير والاحترام)) ، فإن من المقرر في العرف التاريخي للنظام السياسي المغربي، وفي الاجتهاد القضائي ، وكذا الفقهي ، أن هذه الحرمة الملكية لا تقتصر فقط على شخص الملك ، بل تمتد ايضا الى كل اعمال جلالته ، المتجسدة في الظهائر الملكية ، بجميع انواعها ، وفي مراسيمه وقراراته ، بدليل أن الدستور إن كان قد نص في الفصل 132 على وجوب إحالة القوانين التنظيمية على المحكمة الدستورية ، لثبت في مطابقها للدستور، ونص ايضا على إمكانية إحالة القوانين العادية أو الاتفاقيات الدولية على هذه المحكمة لمراقبة دستوريتها ، فإنه على العكس من ذلك لم يخضع الظهائر الملكية لهذه المراقبة ، ما يستفاد من ذلك بداهة اتصاف الظهائر الملكية بالحصانة المطلقة.
وإذا كان الدستور بهذا ، قد أعطى المثال من نفسه على احترام وتوقير الحرمة الملكية ، من خلال عدم تنصيصه في أي فصل منه ، بما يمس بها ، فإن العمل القضائي من جانبه قد أكد هذا الامر ، نتيجة رفضه لكل الطعون الموجهة ضد الظهائر الملكية ، بدءا كما هو معلوم من قرار الغرفة الإدارية بالمجلس الأعلى الصادر سنة 1960 في قضية عبد الحميد الروندة ، ومرورا بقضية مزرعة عبد العزيز سنة 1970، وبقضية عبد الرزاق غيوت سنة 2000، وذلك الى حدود التاريخ الراهن الذي استمر فيه ، العمل القضائي في موقفه الرافض لقبول أية مخاصمة للظهائر الملكية كيفما كانت ، سواء المتعلقة منها بدعوى الإلغاء أو بدعوى التعويض.
أما الاجتهاد الفقهي فانه بدوره يعتبر الظهائر الملكية مندرجة ضمن اعمال السيادة ، ومن صميم السلطة التقديرية للملك ، من منطلق كونه الممثل الأسمى للأمة ، ولذلك فهو يرى أن القرارات الملكية بجميع انواعها تخرج عن نطاق المراقبة من أية جهة كانت ، حكومية ، أو برلمانية ، أو قضائية.
وهكذا ، فانه على الرغم من اتفاق الدستور والقضاء والفقه ، على حصانة الظهير الملكي فإن مشروع القانون التنظيمي المتعلق باللغات والثقافة المغربية قد انتهك هذه الحصانة ، بتنصيصه صراحة في المادتين 50 و 51 على نسخ الظهير الملكي رقم : 1.01299 المتعلق بإحداث المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية ، وعلى حلول المجلس الوطني للغات والثقافة المغربية محله ، ثم بإدماج كافة موظفيه ومستخدميه وأعوانه في هذا المجلس.
ومن المحقق أن هذا الانتهاك ثابت ومؤكد ، على اعتبار أن المعهد الملكي المذكور يعد مؤسسة ملكية خاصة ، أحدثها جلالة الملك بمبادرة شخصية منه ، لتكون بجانبه الشريف ، وفي ظل رعايته السامية ، لهدف قيامها بإبداء الرأي لجلالته في التدابير التي من شانها الحفاظ على الثقافة الأمازيغية والنهوض بها ، حسبما تنص على ذلك المادة الأولى والثانية من ظهير إحداث المعهد.
ومما يؤكد على خصوصية هذه المؤسسة ، وعلى تبعيتها للملك وحده ، أن المواد 13،8،7 ، من ظهير إحداثها ، تنص على تقييد مداخيلها في ميزانية البلاط الملكي ، وعلى عرض جميع قراراتها على أنظار جلالة الملك للمصادقة عليها.
إذن ، طالما ثبت دخول المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية في شكله وفي مضمونه ، في الحرم الملكي الخاص ، فإن الغاءه بموجب القانون المنتقد ، يشكل انتزاعا له من حقله الملكي السامي ، لتذويبه في الحقل التنظيمي الذي هو : المجلس الوطني للغات والثقافة المغربية ، الشيء الذي يجعل هذا القانون باطلا لثبوت تطاوله على حصانة خصوصيات الملك ، ومساسه بالتالي لثوابت اعراف النظام السياسي المغربي، المعتبرة تاريخيا واجتماعيا أعرق وأسمى من الدستور.
هذا، وحتى لو قامت السلطة التي أصدرته، وكذا السلطة التي صادقت عليه، بالدفاع عن براءتهما من فعل إلغاء المعهد الملكي للثقافة الامازيغية ، بدعوى أن من قام بهذا الفعل هو الدستور نفسه في الفقرة الاخيرة من الفصل الخامس ، لما قضى فيها بإحداث مجلس وطني للغات والثقافة المغربية ، وبضمه اليه ، كل المؤسسات المعنية باللغتين العربية والأمازيغية وبمختلف تعبيراتهما ، أقول أنه حتى لو استدلت هاتين السلطتين بهذا الزعم الواهي ، فان ثبوت عدم استقامته وعدم صوابه يتجلى في ما يلي :
1) – أن الفصل الخامس من الدستور طالما لم يذكر بالإسم مؤسسة المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية ، مقررا إلغاءها ، فان حشر هذا المعهد في هذا الالغاء ، يدخل في هامش التوسع في التفسير البعيد والمعيب ، ما يجعله عديم الاساس.
2) – ان هذا المعهد يعتبر ذا طبيعة استشارية خاصة ، وليست عامة، أنشأه جلالة الملك خصيصا من أجل الاستعانة بمشورته في شأن كان – ابان احداثه – شديد الخصوصية ، من منطلق أن الأمازيغية – كانت آنذاك – مقصية بالكل من جميع السلطات العمومية.
3) – انه امام ثبوت هذه الخصوصية الاستشارية الملكية المحضة ، للمعهد الملكي للثقافة الامازيغية، فانه والحالة هذه لا يمكن أن يعتبر داخلا ضمن المؤسسات المعنية المشار اليها في الفصل الخامس المذكور.
4) – أنه استنادا لذلك يكون من الراجح جدا أن المقصود بهذه المؤسسات المعنية هي الخاضعة وحدها لأشراف ووصاية الحكومة ، كما يستفاد ذلك من الفصل 89 من الدستور الفقرة الاخيرة منه .
5) – أنه أخيرا ، حتى على فرض صحة التأويل جدلا ، فانه لا يحق لهما بأي حال من الاحوال سن قانون يقضي بإلغاء المعهد الملكي ، لأن هذا المعهد لما كان محدثا بظهير ملكي ، فإن المؤسسة الملكية وحدها ، هي المختصة بإلغائه ، طبقا للمبدأ القار القاضي بأن : ما يلغي الظهير هو الظهير نفسه.
6) – انه استنادا لكل هذه الاسباب يكون القانون المعيب باطلا لخرقه مبدأ تراتبية انواع التشريع في بلادنا ، ولمساسه – تبعا لذلك – بحصانة الظهير الملكي.
ثانيا: حول التأويل الفاسد لكلمة “يضم” الواردة في الفصل الخامس من الدستور:
حيث ان الجهة التي أصدرت القانون لم تكتف فقط بذلك التفسير الخاطئ لمدلول : ((المؤسسات المعنية)) الواردة في الفقرة الرابعة من الفصل الخامس من الدستور، ، بل قامت ايضا بتأويل فاسد لكلمة : (يضم) ، الواردة في نفس الفقرة ، معتبرة مدلولها يعني: الانصهار والدوبان ، وليس مجرد التركيب العرضي فحسـب ، فكان هذا التأويل هو ما أدى بها الى نسخ المعهد الملكي والى محوه من الوجود
وحيث ان خطأ هذا التأويل ثابت ومحقق من وجهين :
أحدهما : أن الفصل 54 من الدستور المتعلق بإحداث المجلس الأعلى للأمن ، نص بدوره على نفس لفظة (يضم) ، ومع ذلك ظلت المؤسـسـات والشخصيات المتركبة من هذا المجلس ، محتفظة بكيانها وباستقلاليتها ، ولم يثبت إلغاء وجودها بالمرة ، وحلول المجلس الأعلى للأمن محلها.
أنه قياسا على ما جرى به التطبيق العملي للفصل 54 المذكور، فإن المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية ينبغي أن يظل بدوره محتفظا بكيانه وباستقلاليته ، رغم انضمامه الى المجلس الوطني للغات والثقافة المغربية ، وذلك على غرار مكونات المجلس الاعلى للأمن ، التي لم تؤثر في وجودها وبقاءها ، لفظة (يضم) الواردة في الفصل الدستوري المتعلق بها.
وثانيهما : أنه ان كانت مقارنة الفصل الخامس من الدستور، مع الفصل 54 منه ، قد أكدت ضمنيا عدم افادة مدلول كلمة (يضم) ، للانصهار وللاندماج ، وانما فقط للجمع التركيبي المؤقت ، فان الفصل 54 من الدستور المذكور ، حسـم لغويا مسألة دلالة هذه اللفظة ، لما ربطها بشكل مباشر بالجملة التالية : (في تركيبته)، مما يكون معه المشرع قد أفصح بهذا الربط عن قصده من لفظة : (يضم ) ، الذي يعني بها : التركيب العرضي المؤقت حسب الحاجة ، وليس : الاندماج والانصهار الكلي، وبذلك يكون مشروع القانون المنتقد ، بعيدا عن الفهم الصحيح للدستور، ما يجعله مشوبا بالعيوب المؤدية الى بطلانه.
لهذا عسى البرلمان ان يتدارك هذه الاختلالات، فيبادر الى تصحيحها ، قبل احالة القانون على المحكمة الدستورية.
الصافي مومن علي
اكتشاف المزيد من azulpress.ma
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
التعليقات مغلقة.