بشير السعداوي
بقلم سلمى شنيب (ليبيا)
في هذا المقال أود تسليط الضوء على شخصية ليبية لها دور بالغ الاهمية في تاريخ النضال الليبي.
من مواليد مدينة الخمس ولد بشير السعداوي في عام 1884 و يرجع اصله الى مدينة مصراتة وهو الشقيق الاصغر للمناضل الليبي نوري السعداوي درس بداية في الكتاب في الزاوية السنوسية * في سرت و كان معروفا عنه استشهاده بالآيات القرآنية في حديثه و خصوصا اثناء خطاباته و كان طويل القامة قوي البنية و يتمتع بكاريزما عالية و ربما بعض الصفات التي جعلت الناس أطلق عليه لقب الزعيم نظرا لنضاله الوطني الطويل خصوصا نضاله للحصول على الاستقلال كما أنه كان شديد التأثر بالفكر التنويري لجمال الدين الافغاني و محمد عبده و عمل كمدير للتحريرات في طرابلس ثم كقائم مقام ساحل الاحمد في لبنان و كان اول قائم مقام مسلم في لبنان .
كان للسعداوي دور كبير في حصول ليبيا على استقلالها 1951 حيث كان مؤسس حزب المؤتمر الوطني كما عمل كمستشار للملك عبد العزيز بن سعود عام 1937, و في عام 1946 و خلال مرافقته للملك الى القاهرة قام بإدلاء رايه عن القضية الليبية لجريدة المقطم المصرية حيث قال : ” إن الراي العام العربي وفي مقدمتهم ملوك العرب و أمرائهم ورؤسائهم يهتمون بهذه القضية اهتماما خاصا وقد تفضلوا فأولوها ما تستحق من عناية في اجتماعهم بمصر وهم ينظرون الى ليبيا نظرة القطر الشقيق ويتمنون لها الاستقلال الكامل و الحرية الشاملة، ونحن الليبيين نسعى في هذه الظروف لان نرفع صوتنا عاليا في العالم لننال حريتنا و استقلالنا و اعتقد ان الاستقلال إذا كانت له مقاييس من التضحية فقد ضحينا اكثر من شعوب كثيرة تتمتع اليوم باستقلالها و ان امالنا قوية باننا سنظفر بعون الله و بمساعدة الدول العربية و شعوبها بما تجيش به صدورنا من امال” ثم قرر الاستقالة من منصبه كمستشار لأجل تجميع القوى الوطنية و باشر بالاتصال بهم و بجميع الزعماء الليبيين شرقا و غربا لأجل توحيد جميع القوى الوطنية لأجل الحصول على الاستقلال تحت راية واحدة , ومن الطريف ان السعداوي قد اصدر بيان في 13/04/1948 يقول *1″ لقد سمعت ابناء وطني الاعزاء يرددون كلمة الزعيم و يكثرون من الحديث عن الزعامة و لكني اود ان اذكر لهم ان الزعامة قاصرة على كل اولئك الشهداء الذين استبسلوا في الكفاح عن وطنهم و استشهدوا في سبيل الذود عن حياضه و ما انا و انتم و كل ابناء وطني الا زمرة من المجاهدين الذين يسيرون صفا واحدا “.
عاد الى طرابلس ثم أسس وترأس هيئة تحرير ليبيا 1948 و كان نشطا للغاية خلال تلك الفترة و كان يتحرك في جميع محافظات ولاية طرابلس و استمر على هذا النحو لمدة ثلاثة سنوات بالرغم من تجاوزه السبعين من عمره , و في العام التالي 1949 تم حلها و تم تكوين حزب المؤتمر .
وكان للسعداوي دور أساسي في تأليب الراي العام و العالمي ضد إيطاليا *2 خصوصا بعد تصدر الحزب الفاشستي بقيادة بينيتو موسوليني وضد الإدارة البريطانية كان السعداوي على اتصال دائم بالصحف لتزويدها بالمعلومات السرية .
خلال تلك الفترة تكونت عدة أحزاب بلغت تسعة احزاب من أهمها الحزب الوطني و حزب الكتلة وحزب الاتحاد المصري الطرابلسي و حزب العمال و الجبهة الوطنية و لكن كان حزب الوطن هو الأكثر تأثير واصبح فيما بعد المسيطر الوحيد على الساحة السياسية حتى تم القضاء عليه بتدبير من ادريس و الإنجليز واول رئيس وزراء محمود المنتصر وبذلك يكون ادريس قد قضى نهائيا على الحركة السياسية في ليبيا و كما ذكر المرحوم صالح عمار النائلي بن لطيف في مذكراته التي لم تنشر حيث ذكر بان ادريس لم يقم يوما بزيارة ولاية فزان خلال تلك الفترة كانت الادارة البريطانية تضغط على السعداوي للقبول بالأمر الواقع والرضوخ لشروطهم وعندما اصر السعداوي على موقفه بدأ أعضاء المؤتمر في الانسحاب كما سافر وفد من سماحة المفتي “محمد ابو الاسعاد العالم” و محمود المنتصر الى القاهرة تحت مسمى حزب الاستقلال “الموالي لإيطاليا” لمقابلة عبد الرحمن عزام أمين عام الجامعة العربية و رئيس وزراء مصر إبراهيم عبدالهادي باشا و هو ما اغضب بشير السعداوي خصوصا بعد إذاعة الخبر و إظهار الوفد على أنه ممثل ولاية طرابلس ما جعله يقوم بدعوة الاعيان و الوجهاء و العديد من المواطنين للوقوف ضد هذه الالاعيب السياسية .
كما ذكر المرحوم صالح النائلي في مذكراته بأن بريطانيا اعترفت بتأليف حكومة برقاوية *3 عام 1949 و تولية رئاستها للأمير محمد ادريس السنوسي و تم اعلان بثه رئيس الإدارة البريطانية مستر دي كاندول امام المؤتمر الوطني البرقاوي في برقة عن اعلان الحكومة الذاتية البرقاوية و قد القى السعداوي في ذلك الوقت كلمة مطالبا كافة ممثلي طرابلس بضرورة الاعتراف بإمارة ادريس كشرط أساسي قبل الاستقلال و إلا لا وحدة و لا إتحاد.
و لعل هذا كان احد ابرز اخطاء السعداوي حيث يقال ان ادريس طلب من السعداوي بتاليف حكومة لولاية طرابلس مثل برقة و هو ما رفضه السعداوي بحجة ان هذه الحكومات ستكون عائقا أمام وحدة البلاد بعد ذلك و هو ما ترتب عليه من هجوم و انتقاد شديد ضد الزعيم و المؤتمر من بعض الجرائد “خصوصا جرائد برقة .
كان السعداوي يضع نصب عينيه الاستقلال و عدم انقسام ليبيا على اساس دولة واحدة موحدة و مناداته الدائمة بالأحزاب وتعدد الاحزاب وهو على ما يبدو لم يأتي على هوى و مصالح البريطانيين و الملك السنوسي .
و عمل جاهدا في هذا الاتجاه من الاجتماع بكافة القوى الوطنية و حل الخلافات بينهم و كان يسافر و يقود مظاهرات امام المحافل الدولية و الامم المتحدة و خلال تلك الفترة ظهر مشروع التقسيم (بيفن اسفورزا) .
لتقسيم ليبيا الى ثلاث ولايات
1 ولاية طرابلس الغرب تحت التبعية الايطالية
2 ولاية برقة تحت تبعية بريطانيا
3 ولاية فزان تحت تبعية فرنسا *4
و وضعها تحت الوصاية الاجنبية غير ان الجهود التي كانت مبذولة لجعل استقلال ليبيا دولة موحدة حال دون تنفيذ هذا المشروع .
عندما بدأ الانجليز في ترتيب أمورهم قبل الاستعداد لإعلان الاستقلال و حضور إدريس الى طرابلس و تم ترشيح محمود المنتصر كرئيس وزراء للحكومة الطرابلسية المؤقتة بدلا من السعداوي و تخلى عنه عدد كبير من رفقائه من أعضاء المؤتمر و إثر ذلك قرر بشير السعداوي أن يحارب لوحده النظام الاتحادي
و الدستور الجديد و بدأ الهجوم بشدة على السعداوي من قبل بعض الجرائد حتى تم القضاء على المؤتمر.
و بالرغم من دوره المهم و جهوده المضنية و دوره الأساسي في الحصول على الاستقلال تم إصدار قرار نفيه (زعيم حزب المؤتمر) و كانت إحدى الحجج انه يحمل جواز سفر سعودي حيث ان الدستور الليبي يحرم الازدواجية على الرغم من انه تحصل على الجنسية السعودية في فترة العشرينيات او الثلاثينيات أي قبل إعلان الدستور
و هو ما لم تنظر إليه حكومة محمود المنتصر ( بأمر من الملك و البريطانيين) بعين الاعتبار فكان حريا بها أن تخير السعداوي بين جنسيته السعودية و الليبية قبل أن تستعجل و تصدر قرار نهائي بنفيه خارج البلاد” في الوقت الذي لم يصدر بعد الجواز السفر الليبي ” .
بالطبع كانت هذه حجة واهية من الملك و الإنكليز لأجل التخلص من السعداوي و ابعاده عن الساحة بأي ثمن حتى لا يقف بأفكاره المنادية بليبيا موحدة ديمقراطية و بتعدد الاحزاب في طريق مصالحهم حيث من المعروف ان اول قرار صدر من الملك هو الغاء الأحزاب .
و هدا إن دل على شيء فهو يدل على مدى الظلم و الإجحاف الذي تعرض له السعداوي حتى لو اختلف البعض معه فليس هناك من مبرر لاستبعاده و نفيه
وهنا كما جاء في مذكرات وزارة الخارجية البريطانية بشأن نفي الزعيم بشير السعداوي
قابلت رئيس الوزراء محمود المنتصر في مطار بنينا بعد مقابلته للملك واكد لي ان الملك 21/02/1952 مصمم بشكل قاطع على نفي زعيم المعارضة بشير السعداوي حالا كان محمود المنتصر يحاول التخفيف من اتخاذ مثل هذا القرار لأثاره الخطيرة في ولاية طرابلس التي يتمتع السعداوي فيها بأغلبية شعبية .*5
تم نفيه مباشرة عقب اعلان الاستقلال الذي كان له الدور الاكبر في حصوله و ظل في المنفى في لبنان الى أن توفي في عام 1957 و أعيد رفاته الى أرض الوطن عام 1970.
هوامش:
*1 خطاب السعداوي حسب مذكرات محمد النائلي التي لم تنشر
*2 كان هذا قبل انتهاء الحرب العالمية الثانية حيث انتهى الاستعمار الايطالي في ليبيا عام 1943
*3 كما جاء في كلام المرحوم النائلي
*4 كما ذكر في مقال محمد شنيب الذي نشر في جريدتكم
*5 هذا على الرغم مما يقال إن المنتصر كان له يد في طرد السعداوي من ليبيا بأمر من الملك و البريطانيين
اكتشاف المزيد من azulpress.ma
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
التعليقات مغلقة.