بسبب شاسعته وركوده التنموي ورغم ضمه  3 سدود كبرى: تارودانت إقليم منكوب يهدده العطش

 

نريد قليلا من الماء .. وكثيرا من الكرامة

تارودانت : الحسن باكريم//

يعاني إقليم تارودانت، الإقليم المترامي الأطراف الذي تعادل مساحته مساحة دولة بلجيكا، من اختلالات بنوية تمس كل مجالاته الاقتصادية والاجتماعية بسبب شاسعته الكبيرة وبسبب ضعف نسب النمو والاستثمار العمومي ، مما وسع دائرة الفقر والهشاشة وسط ساكنته القروية والجبلية، رغم بعض المجهودات، المتواضعة أمام الحاجيات الكبيرة، التي بذلت مؤخرا في اطار المبادرة الوطنية للتنمية البشرية.

ويحاصر العطش وندرة الماء الصالح للشرب حاليا العديد من الدواوير والمراكز الحضرية بإقليم تارودانت، ورغم أنه يضم 3 سدود كبرى، وهي سد أولوز وسد المختار السوسي وسد عبد المومن، يهدده العطش طيلة السنة خاصة في حالة عدم سقوط الامطار، وتزداد معاناة ساكنته مع ندرة الماء خلال فصل الصيف، الذي يعرف حرارة مرتفعة.

الوضعية العامة: إقليم مترامي الاطراف مطلوب تقسيمه عاجلا.

أحدث إقليم تارودانت بمقتضى المرسوم الملكي رقم 854.81.2 الصادر في ثاني صفر 1402هـ الموافق ل 10 دجنبر 1981، ويوجد وسط شمال المنطقة الاقتصادية الجنوبية الوسطى،بجهة سوس ماسة، يحده من الشمال جهة مراكش، ومن الجنوب الشرقي إقليم طاطا ، ومن الجنوب الغربي إقليم تزنيت، وشرقا إقليم ورزازات، وغربا عمالتي أكادير إداوتنان وانزكان أيت ملول، تبلغ مساحته 15800 كلم² وعدد سكانه 838.485 نسمة، يعتبر إقليم تارودانت من أكبر أقاليم المملكة من حيث عدد الجماعات المحلية التي يتوفر عليها، ويتميز هذا التقسيم بتواجد 8  باشويات  و5 دوائر  و 18 قيادة و 89 جماعة ترابية (8 جماعة حضرية و 81 جماعة قروية). وقد سبق لعدد من الاحزاب السياسية في مؤتمراتها الاقليمية بتارودانت أن طلبت بتقسيمه الى 3 أقاليم لتسهيل عملية تدبيره والحد من الاختلالات التي يعرفها إداريا واجتماعيا واقتصاديا.

ويتألف إقليم تارودانت من ثلاث وحدات تضاريسية وهي سهل سوس، الأطلس الكبير وسلسلة الأطلس الصغير، ومناخه شبه جاف لتواجده في المنطقة الشمالية الصحراوية، كما أن سلسلة الأطلس الكبير تشكل حاجزا طبيعيا أمام الرياح الشمالية المحملة بالرطوبة، ويمتد موسم الأمطار بالإقليم بين شهري أكتوبر وابريل ، ويتميز بعدم انتظامه وبتباينه بين مختلف المناطق ويتراوح معدل الامطار المسجل سنويا بين 250 و 300 مم، ويتميز بطقس بارد في الشتاء وحرارة مرتفعة في فصل الصيف، حيث تتراوح درجات الحرارة العليا ما بين 20 إلى 47 درجة والحرارة الدنيا ما بين 05 إلى 15 درجة.

اقتصاد الإقليم:  استنزاف مفرط للموارد طبيعية وركود فلاحي وسياحي   

إقليم فلاحي بامتياز، تبلغ مساحة الأراضي السقوية  بإقليم تارودانت 33282 هكتار والبورية 19962 هكتار، ويتوفر الاقليم على ثروة حيوانية مهمة نسبيا، وتبلغ مساحة الغابات 532666 هكتار أهمها غابة أركان، وأهم المعادن الموجودة بالإقليم هي الفضة، والنحاس، والبارتين والرصاص.

ويحتضن الاقليم عدة مآثر لها تاريخ مجيد مثل المآثر الموجودة بمدينة تارودانت ، تيوت ، فريجة، تالكجونت  وتالوين  بالإضافة إلى مناظر طبيعية متباينة ومتنوعة مثل فج تزي نتاست وبحيرة إفني بجماعة توبقال وغيرها من المناظر الخلابة وتعتبر تارودانت من المدن العريقة والمفضلة لدى السياح الباحثين عن المآثر التاريخية والراغبين في مكان هادئ بعيدا عن ضجيج المدن الكبرى، وقد سجل عدد من المتتبعين لشؤون الاقليم تراجع الاقبال على المنتوج السياحي للمدينة والاقليم بسبب تقادم بنياته الفندقية والاثارية وعدم تجديدها وتنميتها وعدم الاهتمام بالسياحة الثقافية والتاريخية التي يتوفر الاقليم على مؤهلاتها، وبسبب ضعف الاستثمار في المجال السياحي، مما خلق ركودا سياحيا تتفاقم وضعيته عام بعد عام.

إقليم مترامي الاطراف مطلوب تقسيمه عاجلا.

ويتوفر الإقليم على عدة فنادق مصنفة مثل فندق السعديين، تيوت وقصر السلام، والغزالة الذهبية هذا الأخير يعتبر قبلة لعديد من المشاهير في العالم  والأمراء ( وهو المكان المفضل للرئيس الفرنسي السابق جاك شيراك)، ويعتبر فندق قصر السلام من أهم الفنادق  حيث كان في حقبة ما قصر خاص بحاكم تارودانت في عهد دولة السعديين، كما يتوفر الإقليم على عدة فنادق غير مصنفة بأثمنة رخيصة وأيضا دور ورياض للضيافة، وعلمت الجريدة مؤخرا أن عددا منها  اما أصبحت مغلقة اما مهددة بالإغلاق بسبب الركود السياحي المشار إليه.
الوضع الاجتماعي: ضعف البنيات التحية وتغطية صحية ضعيفة وارتفاع نسبة الهدر المدرسي

في مجال الصحة العمومية يضم إقليم تارودانت مستشفيين فقط و80 مركز صحي قروي و12 مركز صحي حضري و26 مستوصف، وهي بنيات صحية غير كافية لأكثر من 800 الف نسمة من الساكنة، كما أن جل هذه البنيات تعرف نقصا حدا من الموارد البشرية والتجهيزات ومن الأدوية.  

وفي مجال التعليم، بالإقليم 22 ثانوية و28 اعدادية و237 مدرسة عمومية و20 مدرسة خاصة، ومركز واحد لمهن التربية والتكوين، وكلية متعددة الاختصاصات تابعة لجامعة ابن زهر، وملحقة لكلية الشريعة بأيت ملول والمعهد العالي للكنولوجيا التطبيقية لقطاع التكوين المهني، وبالإقليم كذلك 9 جمعيات خيرية و13 دور الطالب، وهي بنيات غير كافية حيث يعاني الاقليم من أكبر نسب للهدر المدرسي وللأمية وللعطالة مقارنة بباقي أقاليم جهة سوس ماسة.

   الماء: الندرة والعطش يهددان الساكنة في المناطق الجبلية والمراكز الحضرية.

تعاني العديد من الدواوير بالأطلس الصغير بإقليم تارودانت من العطش، حيث لازال العديد من الدواوير يستعمل نظام ” المطفيات” وهي عبارة عن صهاريج تحت الارض لتخزين مياه الامطار لاستعمالها في المنازل ولأغراض أخرى، الا انه مع توالي سنوات الجفاف أو قلة الامطار وبسبب ارتفاع دراجات الحرارة أصبح هؤلاء بدون ماء وأصبحوا عالة على جلب الماء من نقط بعيدة عن دواويرهم النائية، وتشكل جماعة الفيض بإقليم تارودانت، وهي احدى الجماعات الفقيرة بدائرة تارودانت الشمالية، احدى النماذج التي تعاني ساكنتها من العطش المفرط.

   الماء: الندرة والعطش يهددان الساكنة في المناطق الجبلية والمراكز الحضرية.

وعلمت “آخر ساعة” من مصادرها الخاصة أن دواوير هذه الجماعة محرومة من الماء وعاشت صيف العام الجاري معاناة لا يمكن تصورها في القرن 21 في اي مكان من العالم، بسبب درجة الحرارة المرتفعة وانعدام الماء. وهكذا عاشت دواوير أيت وليل وأكني ن إفرض وتيفروين وتضوني وتمقيت وأفرزاز وهي دواوير تزودها جماعة الفيض بصهريج من الماء مقابل مبلغ يتراوح بين 60 و100 درهم حسب بعد المسافة بين نقطة التزود بالماء والدوار، ثمن الكازوال بواسطة شاحنة صهريج تابعة للجماعة، سعتها 3 طن ونصف من الماء، واحدة لعدد من الدواوير، وما فائدة صهريج من الماء لأسرة كاملة ولمواشيها بالإضافة الى استعمالات أخرى للماء من تصبين ونظافة، وفي حالة حاجة الاسرة الى التزود بالماء خارج مساعدة الجماعة، فما عليها إلا شراء صهريج ماء من الخواص مقابل 400 درهم، وتوجد أغلب هذه الدواوير في المنطقة الجبلية قبالة أنابيب تم تنصيبها  لتوصيل مياه سد أولوز الى الضيعات الفلاحية بالكردان، ويتساءل العديد من ابناء المنطقة عن هذه المفارقة العجيبة المتعلقة بتزويد الضيعات الفلاحية البعيدة وعدم تزويد منطقتهم بماء السد القريب منهم ؟  

وجماعة الفيض ليست الا واحدة من عدة جماعات قروية تتواجد بالأطلس الكبير والصغير تعاني ساكنتها من العطش طيلة موسم الصيف، وقد سبق لعدد كبير من المنابر الاعلامية المحلية والوطنية أن كشفت الخصاص الكبير الذي يعانيه الاقليم من الماء الصالح للشرب، رغم أن الحكومات المتعاقبة بدلت جهدا في اطار مشروع تزويد الساكنة بالماء الصالح للشرب في اطار الشراكة مع عدد من الدول مثل المانيا واليابان وجمعيات المجتمع المدني والمجالس المنتخبة ، الا أن العديد من هذه المشاريع عرف فشلا بعد تبذير ملايين من الدراهم في مشاريع وهمية لم تزيد الساكنة الا معاناة.

كما تعيش العديد من المراكز الحضرية الحديثة ندرة من الماء الصالح للشرب وانقطاعات متكررة للماء، بحيث تضطر الساكنة القاطنة بهذه المراكز بالوقوف في طابور طويل من أجل الحصول على بعض لترات من الماء، وهذا حال ساكنة أولاد برحيل طيل العام الجاري وفي عز شهر رمضان وكدا ساكنة أولاد تايمة، ويشكل المركزين من بين أكبر المراكز الحضرية بالإقليم من حيث عدد السكان، ومن حيث الرواج الاقتصادي ورغم ذلك محرومين من الماء الصالح للشرب.   


اكتشاف المزيد من azulpress.ma

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

التعليقات مغلقة.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. الموافقة قرائة المزيد

اكتشاف المزيد من azulpress.ma

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading