نظمت رابطة كاتبات المغرب و إفريقيا ندوة فكرية وعلمية تحت شعار ” إفريقيا من أدب المقاومة والتحرر إلى فكر التنمية” بمدينة العيون أيام 10و 11 و 12 ماي الجاري ، الندوة حضرها عميد السلك الدبلوماسي المعتمد بالعيون والعديد من الشخصيات و عضوات المكتب التنفيذي والجهوي للرابطة ، ألقت خلالها السيدة رئيسة رابطة كاتبات المغرب و إفريقيا بديعة الراضي كلمة هذا مضمونها.
كلمة بديعة الراضي رئيسة رابطة كاتبات المغرب ورابطة كاتبات افريقيا:
“ها نحن اليوم وبتاريخ 11 ماي 2025 ، نواصل استكمال برنامجنا في الجهات الثلاث بصحرائنا المغربية والذي سطرنا تفاصيله في قراراتنا برابطة كاتبات المغرب ورابطة كاتبات افريقيا، عاقدات العزم على مواصلة تنفيذ التزاماتنا عبر جهات المملكة، بدعم من كافة شركائنا سواء في وزارة الشباب والثقافة والاتصال – قطاع الثقافة- أ والهيئات المنتخبة من مجالس جهوية وإقليمية وجماعية، أو مؤسسات معنية بسؤال التنمية الثقافية والفكرية والمعرفية للنهوض بالمجتمع وتنوير الرأي العام إزاء قضايا الراهن بكافة واجهاته الاقتصادية والاجتماعية والثقافية في مغرب منفتح على أسئلة المحيطات ومنخرط من موقعه الاستراتيجي في تدبير أفقها ورهاناتها في تجويد علاقة الانسان بالإنسان في كافة الضفاف .
ونواصل اليوم بنفس القناعة بأننا في المغرب معنيات ومعنيون برهانات بلدنا الواعي بكافة التحولات والباحث دوما عن سبل التجويد والتدبير الحكيم والعقلاني لمختلف التحديات والتطورات التي تدعو إلى ضرورة الخلق والإبداع بخرائط جديدة تشاركية وتضامنية ، تعي أهدافها الكبرى وتتصدى، بروح الوعي بالمشترك في بناء المستقبل، لكل التعقيدات التي تتغذى من النزاعات المفتعلة والمواقف الضيقة، تلك التي لا تعي قدرة المياه في تفتيت تراب وحجر الأسوار المبنية قهرا بين الجوار والجوار وتلك التي تعي تحديات الساحل والصحراء وإكراهاته الكبرى ضد خلق جسور سليمة وآمنة ومنتجة تخدم إنسان الجنوب، وتتيح لهذا الإنسان أن يؤسس علاقة سليمة ومتكافئة وعادلة مع إنسان الشمال ضمن منظومة تحترم سيادة الدول على أراضيها وتحترم قرارات شعوبها في البناء السليم للمجتمع بالديمقراطية والتنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية علما ومعرفة وفكرا ووعيا بالحقوق والواجبات .
ونلتقي اليوم لعقد الندوة بمدينة العيون ، كبرى حواضر الصحراء المغربية، بمشاركة نخبة من الأكاديميين والأكاديميات، والباحثين والباحثات ، الأدباء والأديبات، وصناع القرار من المغرب والدول الإفريقية، لمناقشة التحولات الفكرية والتنموية في القارة، والانتقال من “أدب التحرر والمقاومة إلى أسس التنمية المستدامة، رافعين شعار: : “من جذور الحرية والتحرر إلى مبادرة ملكية أطلسية في صلب التنمية بدول الساحل” باعتباره شعارا دالا ومعبرا عن وعينا بضرورة فتح نقاش عميق حول مختلف القضايا التي تهم شأننا الافريقي، النحن المؤمنات والمؤمنين باقتسام شايينا وخبزنا ، سواء داخل السفينة التي ركبناها بالأمس دفاعا عن حركات التحرر ، وذهبنا إلى حيث قاتلنا دفاعا عن المبدأ ،ولم نسأل عن من دفنوا في مقابر مجهولة من فلدات أكبادنا بل اعتبرنا القضية واحدة والدم واحد والفقدان واحد من أجل التحرر والتحرير ، بل اكتفينا بالفعل ومواصلته بالتزاماتنا إزاء افريقيتنا في كافة التحولات في المحطات التاريخية التي تلت فعل المقاومة دون ضجيج أو ركوب جواد الزعامة بخطابات إيديولوجية زنانة استعملت أحلامنا في الوحدة الإفريقية خدمة للانفصال ، كما استعملت مباديء حركة الحرية والتحرر لتكريس النزاعات عوض المساهمة في حلها.
إن امتداد المغرب الاستراتيجي في عمقه الافريقي ليس وليد لحظات عابرة في الزمن الإيديولوجي، بل إن عمق المغرب الافريقي هو رهان على مد جسور التواصل مع الدول الافريقية في إطار خطة رابح- رابح من خلال تحقيق عدد هائل من المشاريع التنموية الكبرى المبنية على الإشراك والتشارك وصناعة آليات التنمية وترسيخا لفائدة مستقبل الأجيال .
فالمغرب المؤمن بقطار التنمية نحو عمقنا الافريقي جنوب جنوب ، ونحو عمق الجنوب نحونا ونحو الشمال، هو المغرب المؤمن بالعدالة المجالية بين ضفاف الأطلسي والمتوسط وبين دول الساحل والصحراء باستراتيجية تعي معنى التعاون والتضامن في بناء مدن السلام من خلال تسويق التجارب وضخ ثقافة التضامن وبناء الذات اقتصاديا وسياسيا وأمنيا ومعرفيا وثقافيا.
لقد سجل المؤرخون أن المغرب ” واصَل على عهد العلويين مسيرةَ أسْلافه من الدول المغربية الـعُظمى التي كانت لها علاقات وصِلاتٍ بكثير من دُول إفريقيا، ووطَّد لطبيعة علاقة قائمة على التعاون والـمُسانَدة الـمتبادَلة في القرن العشرين، وأساسا بعد أن حازَ المغرب على استِقلاله، ورأى تشوُّفَ الأفارقة لقيمة الحرية والتحرر، فما كان منه إلا أنْ بَادَر لِدَعْم مَسْعاهم في الاستقلال، وكانت سنوات الـخَمسينات والسِّتينات علَامة فارِقة وصادِقة على وَشيجِ العلاقات التي تَربط المغرب بالبلدان الإفريقية”
فمنذ عودة السلطان محمد الخامس إلى المغرب، وإلقائِه خطاب العرش لسنة 1955؛ حدَّد الخطوط العريضة للنظام السياسي للمملكة، والذي شـمِلَ التأكيد على الانتماء الإسلامي والعربي والإفريقي.
كما تميّزت مرحلة حُكم الملك الحسن الثاني رحمه الله بكثافة التواصل والتكامل والتعاون بين المغرب والدول الإفريقية المتحررة وتلك التي كانت على طريق الاستقلال، وبقِيَ المغرب وفِيا لعهوده وعلاقاته وصِلاته بالزعامات الإفريقية التحررية، سواء تلك التي قُدِّرَ لها الوفاة على أيدي الاحتلال الأجنبي أو عملائه في الداخل، أو تلك التي واَصلت مِشوار العمل السياسي والدبلوماسي والقيادي لِدُوَلها إلى حينٍ مِن الزمن.
وسجل التاريخ أن المغرب ” أضْحى قاعدة خلفية رسمية للشّباب من مختلف الدول الإفريقية، الذين كانوا يَـخْضَعُـون للتّدريب والتّـأطير العسكري والتّكوين النّـضالي في مراكز متعدّدة بإشراف من القوات المسلحة الملكية.
فتحية إجلال وتقدير للمؤسسة العسكرية وكافة المؤسسات الأمنية تحت القيادة الرشيدة للملك محمد السادس نصره الله وأيده ، من صانعات وصناع الإبداع دفاعا عن الحرية لحراس التراب وحماة الثغور في صحرائنا المغربية وفي كافة حدودنا الوطنية.
لقد سجلت الذاكرة أن المغرب استقبل سنة 1962 مُوفَدَ حزب “المؤتمر الوطني الإفريقي” بجنوب إفريقيا، ممثِّــلا للقائد نيلسون مانديلا ، وزَوَّده بما يَلزم من الدّعم اللوجيستي والمالي لدعْم حركة التحرر. ناهيك عن ترتيبات أخرى.
وقدم بلدنا لمنظمة التحرير الجزائرية نفسها الدعم المالي واللوجيستيكي والعسكري التدريبي في كيفية استعمال السلاح من أجل حركة تحررية منظمة وفاعلة.
دون أن ننسى أن المغرب احتضن الزعيمَ الأنغولي نيتو أوجستينو وأسرتَه، ووفّر لهم اللجوء السياسي بَعد فرارهم من الاعتقال في البرتغال سنة 1962.
ومن مُستقرِّه _ لاحقاً _ بمدينة طنجة، نَسَّق وقاد الزعيم الأنغولي نيتو أعمال الحركة التحريرية الأنغولية .
وفي مدينة الدار البيضاء نظَّم المغربُ اللقاءَ الهام الذي أفْرَز تأسيس مؤتمر المنظّمات القومية للمستعمرات البرتغالية. واحتضن المغرب ، اجتماعات طلبة الموزنبيق في الستينيات القرن الماضي لتعزيز إطار “مؤتمر منظمات الحركات القومية للمستعمرات البرتغالية “.
كما كان المغرب من الأوائل الذين استقبلوا وفْدًا مِن إريتيريا، وقَدّم لهم الدعم المادي واللوجستي ومِنَحًا دِراسية لطلبتهم، وأمَّن لهم المجال للشُّروع في ترتيبات استِقلال بلادهم، واللائحة طويلة.
وإن كنا اليوم نحط الرحال بمدينة العيون باختيار دولة أنغولا ضيف شرف ، وبحضور ممثلة مكتب رابطة كاتبات افريقيا بأنغولا، السيدة MARIA Manuela De Nova فإننا نعي الدور الطلائعي للعمل الثقافي الإفريقي الجاد ، الذي يعتبر الثقافة شريكا في مد جسور التعاون والتضامن وصناعة المستقبل المغاير الذي يجعل الإنسان الإفريقي محور النهوض بقارتنا التي مازالت تحتاج إلى انخراط كافة أبنائها من أجل افريقيا مستقلة ومنتجة ومتكافئة مع كافة الضفاف ، ومن أجل افريقيا المنبعثة من تحت رماد فرضه التاريخ والذاكرة الأليمة. نحو تاريخ التشارك والتضامن والتنمية والديمقراطية تحت القيادة الرشيدة لصاحب الجلالة الملك محمد السادس حفظه الله.”
التعليقات مغلقة.