ميلانو – ايطاليا: سالمة شنيب//
كتبت هذا المقال لتسليط الضوء على الحاكم الإيطالي لليبيا ايام الاستعمار الإيطالي و زعيم فرق القمصان السوداء الإيطالية وهو إيتالو بالبو وعلى الرغم من كونه مندوب الاستعمار الايطالي في الحكم فلا يمكننا إنكار ان هذا الرجل هو من اسس ليبيا الحديثة كما انه ما قام به من اعمار للبلاد في وقته فاق كل ما قام به اي حاكم ايطالي اخر و ربما اي حاكم في ليبيا عموما . من المؤكد ان البعض او الكثير يعرفون او سمعوا بهذا الرجل و لكن نادرا جدا ما يلقى الضوء على هذه الشخصية للأسف حيث يكاد لا يسلط الضوء عليه بشكل ايجابي من قبل الاعلام الليبي لتعريف الناس و خصوصا الأجيال الجديدة للتعرف على مدى تأثير و اهمية هذا الرجل في التاريخ الليبي بغض النظر على هويته و ربما هذا هو السبب اي لانه ليس ليبيا وربما لاعتقاد البعض بان جل اهتمامه كان تكريس صورته في ليبيا كملك عليها لا كحاكم مندوب الى جانب ايمانه الشديد بمبادئ الحزب الفاشي هذا عدا عن مهاجمته لليساريين {للاشتراكيين والشيوعيين} البعض يذهب في القول انه بسبب اهتمامه بتكريس مجد ايطاليا اكثر من اهتمامه بمصلحة الليبيين حيث كان يريد ان يصبح الليبيون مواطنون ايطاليون ما كان يسمى ب(ايطاليون مسلمون) و لم يعني بكيان الليبيون ,هذا على الرغم من اهتمامه بالبلاد ورعايته الشديدة لها و خصوصا طرابلس و لست هنا بغرض التمجيد لهذا الشخص او مهاجمته و بغض النظر عن اولوياته و عما اذا اختلفنا معه ام لا لكن بسبب مدى تأثيره المهم جدا حيث يعد بالبو هو مؤسس ليبيا الحديثة الى جانب رغبته بالنهوض بليبيا الإيطالية حسب ما كانوا يسمونها لذا يجب اعطاء هذا الرجل حقه بلا مبالغة .
حيث انه يرجع اليه الفضل في بناء و إعمار ليبيا و مما ساعده في ذلك الى انه امسك بزمام الامور بعد اخماذ المقاومة الليبية و من الاشياء المهمة التي تحسب له احترامه للشرائع الدينية سواء اليهودية أو الإسلام حيث كانت توجد جالية يهودية كبيرة في ليبيا, و هو من شيد خطوط السكة الحديدية و طرق السير الموجودة حاليا مثل الطريق الساحلي و طريق جبل نفوسة و مسرح الماري ماري و الذي تم تدميره لاحقا في الحرب العالمية الثانية على سبيل المثال لا الحصر الى جانب اهم المباني التي تمثل اهم معالم طرابلس الى حد الان مثل البنك المركزي لليبيا و بنك روما الذي اصبح مقر رئاسة الوزراء ايام الملك ادريس و لاحقا اصبح مبنى رئاسة الوزارة في حقبة القذافي و ميدان الغزالة وشارع الاستقلال و مصنع التبغ و قصر الملك سابقا و غيره و كل هذا في غضون سبع سنوات فقط منذ عام 1933 و حتى مقتله عام 1940 الى جانب إعطائه الجنسية الإيطالية لليبيين .
بالبو و هو من مواليد 1896 المنخرط في السياسة منذ صغره و المنتمي للحزب الفاشي و مع الوقت اصبح من اهم الدوقات في الحزب الفاشي و ليبدا منذ ذلك الدخول في صدامات مع الدوتشي موسوليني حول انشاء ايطاليا تحت الحكم الفاشي بنظام لامركزي
في عام 1926 عين وزيرا للشؤون الجوية رغم قلة خبرته في مجال الطيران وقتها و خلال تلك الفترة كان يبدو بانه اصبح مؤثرا بشكل كبير في الحزب الفاشي و مع ازدياد شعبيته في داخل الحزب و ازدياد شهرته على المستوى الدولي و تقدمه كطيار حيث تمكن من عبور المحيط في تلك الفترة بدا على ما يبدو شعور الغيرة و الخوف يتغلغل داخل موسوليني من ناحيته و ازدادت مخاوفه اتجاهه سياسيا و خصوصا بعدما استقبله الرئيس الأمريكي آنذاك روزفلت بحفاوة و ازدياد شهرته دوليا و عالميا فقرر ابعاده عن الساحة وقتها مما جعله يقوم بتعيينه حاكما لليبيا عام 1933 و لنقل بالأحرى قرار نفيه وهو ما جعل بالبو يرفض هذا المنصب لعدة اشهر نظرا لطموحاته الكبيرة في ذلك الوقت على مستوى الحزب و ايطاليا عموما قبل ان يقبله اخيرا و يتسلم منصبه .و بالعودة الى ماذكرته سابقا حول انجازاته.
نذكرمثلا الشوارع الرئيسية مثل شارع عمر المختار و شارع الإستقلال و ميدان الجزائر وميدان الشهداء و جميع العمارات الكبيرة و المباني الضخمة و الجميلة و البنوك (بنك روما و مصرف ليبيا المركزي) كما زين تلك الشوارع بالحدائق الى جانب بناء الفنادق (فندق الودان)و الفندق الغراند هوتيل القديم و الذي تم هدمه في عهد معمر القذافي وثم بنى مايسمى الفندق الكبير الموجود حاليا.
ايضا قيامه بحملات ضد السل الى جانب اعمار و اصلاح الطرق كما ذكرنا سلفا مثل الطريق الساحلي الرابط ما بين الحدود التونسية الى الحدود المصرية في عام 1937 و كان يسمى باسمه Via Balbo طريق بالبو .
الى جانب ذلك قيامه بانشاء مبنى معرض طرابلس الدولي و بناء بنية تحتية هائلة من الطرق المعبدة و طرق السكك الحديدية الضيقة و لاننسى انشائه للعديد من القرى الزراعية في طرابلس و هو من انشأ قصر الحاكم و سمي Palazzo del Governatore
و سمى قصر الملك بعد الاستقلال بعد ذلك حيث كان مقرا للملك ادريس منذعام 1951 الى العام 1964 الموجود في حي الظهرة و حاليا اصبح متحفا و يسمى متحف ليبيا و مما يحسب لبالبو خلال فترة حكمه هو تعاطفه مع الجالية اليهودية في ليبيا حيث كان يعد صديقا حميما لهم نظرا لتقديره لهم و لخدماتهم ,
ففي عام 1938 قرر المجلس الاعلى الفاشستي في روما قرارا بحرمان اليهود من الإقامة في ايطاليا و كل مستعمرات ايطاليا الفاشية بما فيهم ليبيا وقتها على اعتبار تحالف الفاشية مع النازية المعادية للسامية خصوصا بعد لقاء موسوليني مع هتلر عام 1937 بعد 6 اشهر من زيارت موسوليني التاريخية لليبيا و لكن بالبو وقف بالمرصاد ضد هذه القوانين و وصفها بالجهل حيث انه كان يعتقد بخطورة مثل هذا القرار على ايطاليا و مستقبل الحزب الفاشي مستقبلا و بالفعل ظلت هذه القوانين غير سارية في ليبيا حتى وفاته .
تمكن بالبو خلال فترة حكمه من استقطاب حوالي عشرين الف مستوطن ايطالي الى ليبيا خصوصا طرابلس إضافة الى الإيطاليين المقيمين في ليبيا سابقا و الذين جاؤا مع بعد الغزو الإيطالي بغرض الهجرة اليها .
و هو عدد يفوق عدد المستوطنين في العشرين عاما التي سبقت توليه الحكم و ربما يعود ذلك كما ذكرت الى انخماذ الثورة ضد الايطاليين و هو ما يؤكد رغبته في جعل ليبيا امتدادا لإيطاليا .
لا شك بان بالبو كان شخصية طموحة لابعد حد و يشهد بذلك اهتمامه بالعمران سواء صناعيا او زراعيا او اقتصاديا و البناء في ليبيا و الشوارع و البنية التحتية و باعمار طرابلس بالتحديد و من الملاحظ اهتمامه بالمنطقة الغربية اكثر من المنطقة الشرقية و مخططاته للنهوض بالسياحة في البلاد و اقامة سوق حرة في جزيرة فروة ( و ياليت هذا المشروع تم لربما كانت ليبيا قد اتخذت منحى اخر اكثر تقدما بمراحل مما وصلت او بالاحرى مما الت اليه الان ) في اواخر حكم القذافي كان ابنه الساعدي يرغب في بناء سوق حرة في جزيرة فروة مع برلسكوني .
كان من ضمن مخططاته الاستقلال بليبيا بعيدا عن ايطاليا و هو مايظهر جليا في اعطائه حق المواطنة لليبيين على اعتبار انهم متساوون مع المواطنون الإيطاليون و بذل في ذلك جهدا كبيرا لاقناع موسوليني بذلك فلم يكن من السهل مساواة الإيطاليون و الليبيون و قتها و على الرغم من نجاحه في هذا الأمر فانه الليبيون عموما لم يقبلوا بهذا الأمر و اعتبروه نوع من الخيانة حيث لم يتقدم لنيل الجنسية الايطالية الا القلة فقط .و كما ذكرت سابقا من انجازاته قيامه بإقناع الدوتشي بزيارة ليبيا في عام 1937
*و مما يزيد و يؤكد اتجاه بالبو نحو الاستقلالية و سعيه لان يكون الرجل الثاني هو سعيه لاستعمار الإسكندرية حيث كان يخطط لذلك، لرغبته في ان يصبح الرجل الثاني بعد موسوليني بل و ذهب الى الاسكندرية و قابل الملك فاروق ليطمئنه بمدى اهتمامه و حرصه على شؤون الاسكندرية و لكن القدر لم يمهله .
المتتبع لحياة بالبو سيلاحظ مدى اهتمامه و جديته كانه كان يسابق الزمن و للنظر الى انجازاته الكبيرة في الدولة الليبية و كيف احاط نفسه منذ البداية بخبراء في العمارة و الإقتصاد و الاعلاميين كان جل همه البناء و التشييد و الإعمار و رغم فاشيستيته فقد كان متفهما و متسامحا عرف طبيعة الشعب الليبي و استوعب الجميع و اكتسب ثقتهم الى حد بعيد لم يوقفه شيء و كان معارضا للعديد من سياسات موسوليني في عام 1940 و هو ما دفع الأخير الى قتله حيث توفي في عام 1940 اثناء عرض عسكري في طبرق للطائرات و تم قصف الطائرة التي كان يقودها و على مايبدو ان طبيعة بالبو المتحدية ظلت تلازمه حيث يقال انه تحدى الموت في اخر لحظاته و هبط بالطائرة في المهبط و هي تشتعل و بوفاة هذا الرجل انتهت فترة مهمة لا يستهان بها في تاريخ اعمار ليبيا و يبقى اثره الى الان في اهم معالم طرابلس امامنا .
التعليقات مغلقة.