“انتفاضة” الريف و تعميق جراح الماضي

بقلم الدكتور الحسين بويعقوبي *

 

      إن المشاهد التي تصلنا من الحسيمة لا تبعث على الارتياح. فالمواجهات بين الشباب و مختلف قوات مكافحة الشغب تذكرنا بالربيع الأمازيغي في تيزي ووزو بمنطقة القبائل سنة 1980 و “الربيع الأسود” بنفس المنطقة سنة 2001 وبمختلف الانتفاضات الفلسطينية خلال أواخر القرن الماضي. شباب ولد أغلبهم في بداية القرن الواحد و العشرين,لم يتجاوزوا الثلاثين من عمرهم, بعضهم حفاة عراة, و بعضهم يحمل جوارب لا تسمح بالجري, في مواجهة القوات العمومية بمختلف تلاوينها بصدور مفتوحة, و كأنها تريد “الاستشهاد”. أحجار ترمى في كلا الاتجاهين و تستعمل من طرف المتظاهرين و من طرف بعض أفراد قوات الأمن أيضا. هذه الأخيرة, و بعد محاولة السيطرة على الوضع اضطرت أمام عزم و “مقاومة” الشباب إلى قبول السب و الشتم و تحمل الحجارة الآتية من كل صوب بل و التراجع الموحي بالاستسلام لأن الوضع قد يتطور إلى ما لا تحمد عقباه, مضطرين لترك بعض واقياتهم الدفاعية التي حملها الشباب كغنيمة. وضع ينبئ بتطورات لا أحد يستطيع معرفة مجراها. فالمنطقة تشتعل و تنتج خطابا يمتاح من الماضي و يذكر ببطولاته و لكن أيضا بجراحه التي يبدوا أنها لم تندمل بعد. في خضم هذه “الانتفاضة” سيولد زعيم, ناصر الزفزافي, ربما لم يكن نفسه في البداية يتوقع أن تتطور الأمور بهذا الشكل. زعيم يقدم نفسه كوريث لمحمد بن عبد الكريم الخطابي, جد الريفيين كما وصفه في إحدى كلماته, الذي وجد نفسه يمثل تطلعات الآلاف من سكان الريف, وينتظرون توجيهاته و مقترحاته و يصرخون “كلنا زفزافي” تعبيرا منهم عن استعدادهم للموت من أجله و هو ما جعلهم يواجهون القوات العمومية لحمايته من الاعتقال. زعيم ديني أحيانا, ماركسي في أحيان أخرى, جهوي في سياقات كثيرة و وطني بل و شمال إفريقي أحيانا أخرى.

       يبدوا أن الوضع يزداد تعقيدا لا من طرف الدولة وطريقة تدبيرها للملف و لا من جهة ناصر الزفزافي الذي يزداد شيئا فشيئا في التماهي مع الحراك. فالملف المطلبي للريفيين مشروع (جامعة و مستشفى و تنمية اقتصادية …) لكن الاستجابة له, إن توفرت الميزانية الضرورية لدى الدولة, يحتاج وقتا لا يبدوا أن المحتجين على استعداد للانتظار خاصة وقد طال انتظارهم مند الاستقلال إلى اليوم. فعبارة “ما عندي بو روقت” التي واجه بها صياد الحسيمة وزير الفلاحة و الصيد البحري تحمل في طياتها أشياء كثيرة. أما تفكيك الحراك فيبدو أنه أكثر صعوبة و محفوف بالمخاطر. فاعتقال زعيمه, على خلفية خطأ ما عفويا كان أو مخططا مع إيجاد التسويغة القانونية لذلك, غير مضمون العواقب. لقد أصبح رمزا تحميه الجماهير, و من جهته, لكي يبقى زعيما, يبدوا مستعدا للاستشهاد من أجلهم مما يعزز رأسماله الرمزي, خاصة و أنه ابن الشعب, منهم و إليهم, يتقاسم معهم مآسيهم و نظيف اليد و لا سوابق له في نهب المال العام. و كما قال في إحدى مذاخلاته “سواء اعتقلت أم سجنت أم قتلت فقد انتصرت”.إنها صفات الزعماء. لكن الأكيد أنه وجد نفسه رغما عنه محمولا  بضخامة الحدث, مما يجعل “راديكاليته” التي تقربه أكثر من الجماهير الغاضبة تدفعه لارتكاب أخطاء استراتيجيه. فوصف جميع الأحزاب ب”الدكاكين السياسية” وكل الجمعيات ب”المرتزقة” ومهاجمة المثقفين وعدم تحديد الطرف الذي يجب محاورته… تجعل “الزعيم” وحده في مواجهة الجميع ويسير في اتجاه أفق مسدود  وهو الآن في مرحلة لا يستطيع معها التراجع إلى الوراء خاصة و قد عقدت عليه آمال كثيرة و يختزل في الوقت الحالي, و في ظرف وجيز, مآسي الريف طيلة تاريخه المعاصر. كما أن اعتقاله سيزيد من شعبيته وقد يخرج من السجن بمشاريع سياسية و بمطالب أخرى تتجاوز المعيش اليومي. فكل الظروف مواتية لذلك خاصة و نحن على مشارف الصيف وقدوم الجالية المغربية المقيمة بالخارج و خاصة هولاندا حيث يتواجد أبناء منطقة الريف بكثرة وقد يكون لذلك تأثيرعلى تطور هذا الموضوع ليأخد أبعاد أخرى.

       فالأكيد أن الريف يحتاج لمصالحة حقيقية, تبدأ بتحقيق المطالب العادلة لأبناء هذه المنطقة في إطار سياسة و طنية شاملة تسمح لكل مناطق المغرب بحقها في التنمية عن طريق الاقتسام العادل لثروات هذا الوطن ثم العمل على التعريف بتاريخ و هوية منطقة الريف كجزء من التاريخ الوطني الذي لا يمكن أن يبنى إلا بناء على التواريخ الجهوية و الاعتراف بمساهمة الجميع دون تبخيس أحد.

*استاذ بجامعة ابن زهر     

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. الموافقة قرائة المزيد