اليد الممدودة إلى الجزائر ..سياسة تاريخية

جدد جلالة الملك محمد السادس التأكيد للجزائريين على أن يد المغرب، التي قال سنة 2019 إنها ممدودة، مازالت كذلك إلى الآن، وفاء لروابط الأخوة والجوار.
أعاد خطاب عيد العرش ليوم أمس السبت التذكير بخطاب الذكرى الـ20 لعيد العرش، الذي خاطب فيه جلالة الملك الجزائر بالقول “نؤكد مجددا التزامنا الصادق، بنهج اليد الممدودة، تجاه أشقائنا في الجزائر، وفاء منا لروابط الأخوة والدين واللغة وحسن الجوار، التي تجمع، على الدوام، شعبينا الشقيقين”.

وفي الخطاب نفسه قال إن روابط الأخوة “تجسد في مظاهر الحماس والتعاطف، التي عبر عنها المغاربة، ملكا وشعبا، بصدق وتلقائية، دعما للمنتخب الجزائري، خلال كأس إفريقيا للأمم بمصر الشقيقة؛ ومشاطرتهم للشعب الجزائري، مشاعر الفخر والاعتزاز، بالتتويج المستحق بها؛ وكأنه بمثابة فوز للمغرب أيضا”.

دعوة جلالة الملك تكررت أمس في الذكرى الـ22 لعيد العرش، إذ قال إن “الوضع الحالي لهذه العلاقات لا يرضينا، وليس في مصلحة شعبينا، وغير مقبول من طرف العديد من الدول. فقناعتي أن الحدود المفتوحة، هي الوضع الطبيعي بين بلدين جارين، وشعبين شقيقين”.

سياسة الجوار 

يقول عبد النبي  صبري، أستاذ العلاقات الدولية والقانون الدولي في جامعة محمد الخامس السويسي، إن “المغرب كان ومازال يعطي أهمية لسياسة الجوار، إذ إن المغفور له محمد الخامس كان قد أكد للفرنسيين أنه لا يمكن المساومة على الحدود فيما دولة جارة مازالت ترزح تحت الاستعمار”، مسترسلا أن “الراحل الحسن الثاني كان يستدل بحديث نبوي شريف يتعلق بالجار، يقول إن النبي كان يوصي بالجار لدرجة أنه كان هناك من يعتقد أنه سيورثه للصحابة الكرام”.

وبحسب عضو مختبر الدراسات القانونية والإستراتيجية، في تصريح لـSNRTnews، فإن “جلالة الملك محمد السادس منذ اعتلائه العرش كان قد أشار بوضوح إلى سياسة الجوار التي يتبناها المغرب، بكافة أبعادها ونجاحاتها والمشاكل المترتبة عنها”، وبالتالي أكد على أنه “يجب العودة إلى تغليب المصلحة المشتركة ومنطق القيم، لأن ما يربطنا بالجزائر ليس المصالح المشتركة فقط بل القيم”.

ويرى صبري أن خطاب العرش “أبرز جانبان مهمان؛ جانب متعلق بالسياسة الداخلية التي يجب أن تسلكها الدولة في السنوات القبلة، وجانب آخر متعلق بالسياسة الخارجية، إذ إن أول خطاب للعرش أشار إلى أن التحركات الخارجية يجب أن تستمد أصولها من ثلاث دوائر محورية، هي الجوار والشراكة والتضامن”.

وتابع قائلا إن جلالة الملك مد يده للجزائريين منذ زمان، وهي رسالة استوعبها الساسة هناك، والجيش الماسك بزمام الأمور عليه أن يغير من نظرته الضيقة ومن عدم إدراكه للمحيط الإقليمي، فقد أشار جلالة الملك إلى الجوار والأمن والاستقرار في الفضاء الأورو متوسطي والمغاربي والإفريقي.

وأضاف: “هناك تحديات آخذة في التطور، وتتبلور، والعالم يبحث عن التكتلات والتجمعات الكبرى لضمان الاستقرار، والخطاب أكد للجزائريين بصراحة نادرة على أن العار لن يأتيهم من المغرب، والجزائريون عليهم أن يفهموا أن الفرصة سانحة أمامهم لأن اليد البيضاء ممدومة وأن هناك ثلاثة مشاكل تؤثر على التعاون بين الدول؛ هي المساومة والتنصل من الالتزام والاستقلالية”.

وشدد صبري على أن “المغرب كان دائما ينهج دبلوماسية الوضوح وتهدئة الثائرين والتأليف بين المتنافرين، ومحمد الخامس لو تفاوض مع الفرنسيين على الحدود لكانت الجزائر في وضع جغرافي آخر، فيما الحسن الثاني كان يؤكد على حب الجار وأبدع سياسة الجوار”.

المغرب لا يتصرف بطيش

تأسف جلالة الملك، في خطاب أمس السبت، “للتوترات الإعلامية والدبلوماسية، التي تعرفها العلاقات بين المغرب والجزائر، والتي تسيء لصورة البلدين، وتترك انطباعا سلبيا، لا سيما في المحافل الدولية.

لذا دعا إلى “تغليب منطق الحكمة، والمصالح العليا، من أجل تجاوز هذا الوضع المؤسف، الذي يضيع طاقات بلدينا، ويتنافى مع روابط المحبة والإخاء بين شعبينا. فالمغرب والجزائر أكثر من دولتين جارتين، إنهما توأمان متكاملان”.

وبحسب الأستاذ الجامعي ورئيس المركز المغربي للدراسات الإستراتيجية، محمد بنحمو، فإن “المغرب لا يتصرف بطيش أو انفعالية، رغم المواقف العدائية الأخيرة، بل يتصرف بحكمة وتعقل وبما يضمن للمنطقة والعلاقات بين البلدين المستقبل المشترك”.

وقال بنحمو، في تصريح لـSNRTnews: “نحن محكومون بالعيش المشترك، ورغم الصعاب مجبرون على التعايش والوحدة، لأن هذا هو الخيار الطبيعي، وبالتالي الخطاب الملكي يجسد كل هذه المواقف الرزينة وهاته النظرة التي لا تسقط في فخ القضايا الماضية، بل إلى مستقبل أمن واستقرار المنطقة والتحديات التي تواجهها، وإلى مستقبل التنمية ومكانة ودور المنطقة في العلاقات الدولة”.

وتابع قائلا “ينبغي دفن الماضي الذي يشكل عبئا ولا يمثل أي جسر للمستقبل، لذلك مد المغرب يده للجزائر، وأتمنى أن تكون هناك أذان صاغية وأن تكون هناك إرادة سياسية حقيقة وأن تتجاوز ذلك الهاجس النفسي من قيود الماضي.

واعتبر بنحمو أنها دعوة إلى العودة إلى وضع طبيعي بين البلدين، وإلى النظر نحو المستقبل، لذلك تم تجديد الدعوة لفتح الحدود، لأن استمرار الوضع يحكم بمستقبل مسدود.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. الموافقة قرائة المزيد