الى من يهمه بناء الوطن .. بناء الانسان اولا
أثارت الصور و الفيديوهات الصادمة، التي تظهر بعض الشباب في وضعية ذئاب بشرية تغتصب بناتنا في وضح النهار و في الاماكن العامة، صدمة شديدة لدى المغاربة، و اتجهت الآراء و المطالبات الى محاكمة المجرمين و سن قوانين قاسية لردع هذا النوع من الإجرام الغريب عن مجتمعنا المغربي.
فهل سن هذه القوانين يكفي للحد من هذه الظواهر الشاذة؟
و السؤال الاهم هو: من المسؤول عن مثل هذه الممارسات الفظيعة؟ و ما دور و مسؤولية المجتمع المدني في تأطير الشباب و ربطه بقيمه المغربية؟
لن نخوض في الاسباب لتعددها لكنها تشترك في نقطة محورية و هي ابتعادها عن القيم المغربية، الابتعاد يبدأ تاثيره السلبي من الأسرة في تفككها بتفكك القيم المغربية التي كانت قاعدة هذا التماسك الاسري، مرورا بالمدرسة التي ابتعدت عن ترسيخ الثقافة المغربية و قيمها، و مرورا بالإعلام المرئي الذي يعيد انتاج القيم الأجنبية المصرية او التركية او اللبنانية او المكسيكية… بدلا من نشر و ترسيخ القيم المغربية عبر تشجيع الإنتاج المغربي بالدراجة و الامازيغية ( لماذا لا تتم ترجمة الافلام و المسلسلات الامازيغية و عرضها في القنوات المغربية : دوزيم، القناة الأولى … باعتبارها حاملة للقيم المغربية الاصيلة الحامية لهوية هذا الوطن).
لكن ما يهمنا هنا هو دور نوع من الجمعيات تستطيع بخطابها الشعبي الديني ان تلعب دورا أساسيا في بناء و تقوية البنية التحتية الثقافية و الفنية و الرياضية في الاحياء التي تشتغل فيها نظرا لقدرتها على جمع الاموال الطائلة من مساعدات خارجية او من محسنين و متبرعين بخطابها الشعبي الديني هذا، لكن مع الاسف انحصر عملها في جانب فقط وهو بناء المساجد ولم يرتق عملها الى ما هو أعم و اهم و هو المساهمة في ضمان الأمن الروحي و الهوياتي للمغرب، اسوة بما قام به الاجداد من الجمع بين ما هو ديني من بناء المساجد و بين ما هو دنيوي من بناء المدارس و الاهتمام بالفن و بناء المشاريع العامة و الجماعية انطلاقا من ثقافة ” تيويزي” المغربية.
هذه الجمعيات الشعبية( و لا أتحدث عن الجمعيات الدينية ذات اهداف سياسية) في جمعها لهذه الاموال الطائلة يقتصر عملها على بناء المساجد موظفة في ذلك الحس الديني في عملية جمع الهبات و لا تتعداه الى المساهمة في بناء الانسان ببناء البنية التحتية للمقومات المدنية و الحضارية، مع ان اغلب الأحياء التي تعمل فيها هذه الجمعيات تفتقر إلى ابسط مقومات الحياة المدنية و الحضارية من ملاعب الأحياء و حدائق الأحياء و دور ثقافية او خزانات… و التي هي اهم مقومات بناء الانسان المواطن، فبدلا من المساهمة في بناء البنية التحتية لخلق هذا المواطن تتجه هذه الجمعيات فقط الى بناء المساجد و كأن الدين يقتصر فقط على الطقوس ولا يتعداه الى مصلحة الانسان كانسان يعيش في مجتمع.
ان بناء الانسان المواطن لا يعتمد فقط على الجانب الديني الذي هو جزء من البناء، بل يتعداه الى الجانب الروحي و الفكري و الثقافي و الجسدي الصحي… لذلك فما نراه من ظواهر غريبة عن ثقافتنا و قيمنا المغربية يتحمل فيه الجميع مسؤوليته. يبتدئ البناء الثقافي و القيمي للمجتمع من الأحياء كبنيات صغيرة مترابطة داخل بنية كبرى هي المدينة كجزء داخل بنية اكبر هي البلد الوطن.
يقول المثل الامازيغي” اركازن اد ئزوار ؤرد ئغربان” اي العناية بالانسان اهم من بناء الجدران.
اكتشاف المزيد من azulpress.ma
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
التعليقات مغلقة.