الى منتقدي تبرع المغرب لصالح كتدرائية نوتردام
ما الفرق بين الفكر الانتقادي و الفكر النقدي؟ الاول يحصر الانتقاد في الظاهرة و الثاني يرى الظاهرة في شموليتها.
مثلا عندما طرحت مؤخرا قضية الارث في المغرب بالدعوة الى التساوي بين الابناء اناثا و ذكورا نظرا لتغير الظروف و تغير الحياة اليوم، اذ لم تعد الحياة هي تلك الحياة التي كانت فيه المراة تقبع في بيتها منتظرة انفاق الرجل عليها، أو رعايتها من طرف اخوتها اذا غاب عنها الزوج بموت او ..، تعالت الصيحات منتقدة بشدة و بلا هوادة هذه الدعوة الى المساواة، منكرة و مستنكرة لها لأنها تمس في نظر اصحابها بأحد اركان الشريعة الاسلامية. و يأتي الجواب من الطرف الآخر المدافع عن المساواة في الارث ليرد بدوره بأن التخلي عن الاماء أي ” ما ملكت ايمانكم” هو بدوره تخل عن شريعة اسلامية، فعندما انتقل المنتقدون الى النقد و ربطوا استحالة الابقاء على الاماء اليوم نظرا لتغير العصر رد عليهم الداعون الى المساواة في الارث بنفس المنطق، لكن الايديولوجيا و الانغلاق سدا منافذ النقد و الاجتهاد، لذلك فالانتقاد احيانا هو عملية انتقائية تنتقد ما لا يلائم اهواء و ايديولوجيا المنتقدين و تغفل او تتغافل عما يلائمها.
نفس الانتقاد سيوجه الى الذين ينتقدون تبرع المغرب مؤخرا للكنيسة التاريخية نوتردام، (و المبلغ غير معروف، أما مبلغ 200 مليون اورو كما يروجه البعض فهو مبلغ مبالغ فيه كثيرا, و لو حذفنا الصفرين لكان المبلغ اقرب الى الحقيقة) هذا التبرع و هذه الانتقادات المرافقة له يطرح اسئلة و هي:
كم عشرات او مئات الملايين التي يودعها المغرب في الصناديق المخصصة للفلسطينيين و منها صندوق القدس سنويا و التي يقتطعها المغرب من ارباح السجائر التي تباع بالمغرب لصالح الفلسطينيين، و الاقتطاع يصل الى 1% من الارباح المجنية من بيع هذه السجائر بالمغرب. فإذا عرفنا ان هذا الاقتطاع تم البدء به منذ الستينات من القرن الماضي عندما كانت القومية العربية في المغرب تكتسح الساحة و لا صوت يعلو فوق صوتها، و كان انتقاد و نقد انزلاق المغرب نحو التبعية المطلقة للشرق يعتبر خيانة “للامة العربية” وعمالة للامبريالية و للرجعية ترفعه احزاب ” الحركة الوطنية” المهيمنة انذاك في وجه منتقديها وناقديها من مناضلي الحركة الثقافية الامازيغية التي رفعت شعار الوطن اولا. في هذا الظرف التاريخي فرصت ضريبة مساعدة فلسطين على المغاربة و ادخلت في ضريبة السجائر تقتطع منها نسبة مائوية لصندوق القدس.
وبعملية حسابية بسيطة : ما هي مجموع 50 سنة من عشرات الملايين و التي تصل الان الى المئات من الملايين التي اودعت سنويا و ما زالت تودع الى الآن في صندوق القدس لمساعدة الفلسطينيين؟ فكم سيصل المبلغ الان؟؟
لكن لا يجب ان يؤول كلامنا على اننا ضد مساعدة الشعب الفلسطيني المناضل، فقيمنا المغربية تفرض علينا مساعدة كل الشعوب المضطهدة و المنكوبة بغض النظر عن جنسها و دينها و حسب امكانياتنا. لكن لنذكر فقط الذين ازعجتهم الهبة المغربية، بدعوى اسبقية الداخل على الخارج ، بهذه الضريبة التي ما زال المغاربة يؤدونها لنقول لهم: ما قولكم في الملايير التي ضخت للفلسطينيين و للقدس منذ الستينات و ما زالت تضخ؟ هل الامر يقاس بمقياس الحرام و الحلال او بمقياس الجنس و الدم: الحرام حين يتعلق الامر بكنيسة و الحلال حين يتعلق الامر بمسجد؟؟
التبرع هو تبرع انساني لا يقاس ببلاد الكفر او ببلاد الاسلام، فكما ان المغرب يقدم مساعدات لغيره فهو بدوره يتلقى مساعدات؛ و للذين يتباكون على اولوية المغاربة بهذه الاموال التي منحت للكتدرائية، نفس المقياس يجب ان تقاس به الملايير التي ذهبت و تذهب الى صندوق القدس. و اذا كان الداخل اولى فالاحرى ان يخصص جزء من ضريبة التبغ التي تذهب الى الفلسطينيين لاحداث صندوق لمساعدة ضحايا البرد و الكوارث في القرى المغربية التي ما يزال بعضها خارج هذا القرن، أو لضحايا التدخين بالمغرب و هم كثر؟
ملاحظة لها علاقة بما سبق:
المدخنون بالمغرب مناضلون من الدرجة الاولى (رغم انهم غير واعين بذلك) و هم اثبت نضالا من اولئك الذين يناضلون بالشعارات من اجل غزة او القدس. فيا رافعوا الشعارات الرنانة و النارية احترموا المدخنين فهم اكرمكم في الانفاق، فكلما كثر المدخنون بالمغرب كلما زادت مداخيل صندوق مساعدة الفلسطينيين.
ذ. الحسن زهور
اكتشاف المزيد من azulpress.ma
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
التعليقات مغلقة.