طالبت الهيئات الحقوقية من رئيس الحكومة بالحرص على الصحة العامة وسلامة المواطن مشروطة باحترام حقوق الإنسان وسيادة القانون.
وقالت الهيئات الموقعة على مراسلة العثماني أن القيود الدستورية الواردة على حقوق الأفراد هي نفسها القيود الواردة على نشاط الشخص العام تطبيقًا لمبادئ المساواة والملاءمة والمصلحة العامة. ومن هنا نص الدستور بالمادة 6 وبصراحة على قيمة سيادة القانون المؤطر لمفهوم لدولة القانون و لفلسفة المصلحة العامة، وهذا هو ما يفرض تقيد السلطات العمومية بالدستور وبتطبيقه وعدم تجاوز مقتضياته والحرص على استفادة المواطنين من حقوقهم المخولة لهم فيه.
وأضافت الهيئات الحقوقية، من هذه المنطلقات، أن السلطات العمومية مقيدة دستوريًا بضمان حقوق الإنسان ومسؤولة إداريا عن كل إخلال أو مساس بها، بل تتحول المسؤولية الإدارية احيانا لتصبح مسؤولية جنائية إن اكتسى نشاط الإدارة والمسؤولين بها وممارسات الشخص العام أعمالًا تتجاوز تطبيق القانون لتصبح أفعالا معاقبا عليها بمقتضى القانون الجنائي، مثل المس بسلامة الأشخاص البدنية التي حرم الدستور ممارستها طبقا للمادة 22 منه في أي ظرف كان ومن أية جهة كانت.
لقد اتخذت السلطة الحكومية في إطار مسؤولياتها وعن صواب، إجراءات إدارية واحترازية عديدة، وذلك أمام المخاطر المهولة لوباء كوفيد 19 لمحاولة تطويق انتشاره وللمحافظة على الصحة العامة وحياة المواطن(ة)،تضيف نفس الهيئات، وهذه طبعا من الواجبات الضرورية ومن الالتزامات البديهية للدولة وللحكومة اتجاه المواطن الذي تجاوب معها بتلقائية وبانضباط إلا ما كان من بعض الانفلاتات القليلة المرفوضة طبعًا والتي تحيل أصحابها على القضاء .
لكن وجب التذكير، تؤكد الهيئات الحقوقية، أن المغرب طرف في العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية وخصوصا المادة الرابعة منه، التي تنص على أنه في حالات الطوارئ الاستثنائية التي تتهدد حياة الأمة، والمعلن قيامها رسميا، يجوز للدول الأطراف في هذا العهد أن تتخذ، في أضيق الحدود التي يتطلبها الوضع، تدابير لا تتقيد بالالتزامات المترتبة عليها بمقتضى هذا العهد، شريطة عدم منافاة هذه التدابير للالتزامات الأخرى المترتبة عليها بمقتضى القانون الدولي وعدم انطوائها على تمييز يكون مبرره الوحيد هو العرق أو اللون أو الجنس أو اللغة أو الدين أو الأصل الاجتماعي.
كما بادرت المفوضية العليا لحقوق الإنسان، توضح الهيئات، إلى إصدار توجيهات للدول التي اتخذت إجراءات خاصة لمواجهة الوباء المستجد حتى لا تستعمل في غير محلها، من ضمنها ما يلي : “ينبغي استخدام سلطات الطوارئ لأغراض الصحة العامة المشروعة، وليس لإسكات المعارضة أو إسكات عمل المدافعين عن حقوق الإنسان والصحفيين” مذكرة أن الحقوق غير قابلة للتأجيل، “بما في ذلك مبدأ عدم الإعادة القسرية، وحظر عمليات الطرد الجماعي، وحظر التعذيب وسوء المعاملة واستخدام الاعتقال التعسفي”.
وأكدت الهيئات الخقوقية أنه لوحظ بكل الأسف، أن بعض الممارسات التي قامت بها السلطات الأمنية، و« التأويل » الذي أعطي لتطبيق التوجيهات من أجل تفعيل مضمون المرسومين «بالحزم والصرامة»، سواء التعليمات الصادرة عن وزارة الداخلية أو عن رئاسة النيابة العامة، قد خرجت عن نطاق الحرص على تطبيق القانون وبلغت مرحلة الاعتداء على القانون أحيانا، من خلال ضرب بعض المواطنين والمساس بسلامتهم وبصحتهم، وهذا بالطبع أمر مرفوض في دولة القانون التي لم تعلق العمل بالدستور وبأحكامه، لأنه لا علاقة بين هذه الممارسات وبين فرض طاعة القانون ومنع عصيانه بمقتضيات القانون نفسه التي تخول مكافحة الجريمة ومتابعة ومعاقبة الجانحين طبقا لقواعده وتقيدًا به دون غيره.
ليس من المشروعية في شيء، تزيد الهيئات في مراسلتها، أن تسمح أية سلطة لنفسها أو أن تعطي تعليمات لغيرها من أعوانها وتحت أية ذريعة كانت أن تمارس العنف، بدلًا من الدفاع عن النظام العام بواسطة القانون دون غيره من الوسائل غير القانونية التي تساءل عنها السلطة إداريا، سواء مساءلة سياسية بما فيها البرلمانية، أو مساءلة قضائية من القضاء الإداري. ويفرض عليها تعويض ضحايا ممارساتها وكل ذلك تطبيقًا لقاعدة عدم الإفلات من العقاب المعبر عنها في الدستور بالمسؤولية والمحاسبة.
كما أن احترام ضمانات المحاكمة العادلة كحق للموقوف لا تخضع لحالة الطوارىء. وهي، من جهة، تقول الهيئات، ضمانات يجب توفيرها مند التوقيف، ومن جهة أخرى بحكم عدد الموقوفين المضمن ببلاغ النيابة العامة وعدد المتابعين في حالة اعتقال، يجعل من الصعوبة، في ظرف حالة الطوارئ، إيجاد محام وتوفير شروط العلنية بالمحاكم، وأحيانًا ممارسة القضاة أنفسهم لمهامهم في اجواء بعيدة عن اي شعور بالضغط ودون تاثير .
ودعت الهيئات الحقوقية المكونة للائتلاف المغربي لهيئات حقوق الإنسان، رئيس الحكومة إلى:
· أن تتقيدوا وتحرصوا على تقييد جميع السلطات والمؤسسات والقوات العمومية في ممارسة مهامها وإعطاء ادوارها باحترام حقوق الإنسان بشموليتها في ظرف الأزمة الصحية العامة، لأن المؤسسات الدستورية بكل مرافقها عليها ان تمارس صلاحياتها العادية في ظل أحكام الدستور، وهذا من شانه ان يرفع درجة الإحساس بالمسؤولية من قبل المواطن (ة)اتجاه مواطنيه(اته ) واتجاه المجتمع.
· أن تبلغوا الرأي العام وكل المواطنين /ات رسميًا وبواسطة وسائل الإعلام رفضكم وتشددكم في منع كل انفلات أمني مهما كان حجمه قد يؤدي إلى الاعتداء على سلامة أي مواطن/ة بأي شكل كان، في علاقة مع تطبيق التدابير المتعلقة بضمان الحجر الصحي وتدبير الأزمة المتعلقة بمحاربة الوباء كما جاء بها المرسومان المذكوران سابقا.
· أن تعطوا التعليمات الواضحة والسريعة للمسؤولين وخصوصا لوزارة الداخلية وللمؤسسات المكلفة بالأمن العام، طبقا لصلاحياتكم الدستورية في التنسيق بين وزارات حكومتكم، بضرورة احترام المواطن/ة ومعاملته معاملة تحمي كرامته مع تفادي المس بسلامته البدنية، وعدم الغلو في أساليب فرض احترام الضوابط القانونية باستعمال العنف وبضرورة اللجوء عند الاقتضاء للمساطر القانونية المتاحة ضد المخالفين والجانحين.
· أن تعطوا التعليمات لنشر الاطمئنان بين المواطنين/ات، وعدم استغلال المجهودات التي تقوم بها السلطات من أجل شرعنة التجاوزات، وأن تنتبهوا لكيلا تنقلب مجهودات محاربة الكورونافيروس، لعكسها، أي لإجراءات وممارسات تمس الحريات بشكل غير متناسب مع ما يسمح به القانون والمصلحة العامة، لأنه ليس من المصلحة العامة ولا من مصلحة المغرب أو من مصلحة مواطنيه ومواطناته أن تستقوي أية سلطة على القانون لتعاقب الناس بالشارع العام في دولة فيها سلطة قضائية تملك سلطة المحاكمة والعقاب المشروع.
إن الائتلاف المغربي لهيئات حقوق الإنسان، وشعورا بمسؤولياته في ظرف قاهر، وأمام خطر فتاك حل بالوطن وبالمواطنين، ووعيا منه بضرورة تظافر النوايا والجهود للتصدي للوباء في جو من التعبئة ومن الثقة والحماس والتضحيات، فإنه حريص كل الحرص على تنبيهكم كرئيس للحكومة إلى تجنب السقوط في تجاوزات أو في انزلاقات كلنا في غنى عنها وعن مضاعفاتها، والحرص على استقطاب عطف المواطن/ة لمبادراتكم في المجالات الصحية والاجتماعية والمعيشية التي يتعين أن تكون أولويتكم الأساسية والوحيدة.
اكتشاف المزيد من azulpress.ma
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
التعليقات مغلقة.