الهذر المدرسي : العالم القروي الضحية الأولى وطنيا

في إطار المساهمة في نقاش الوطني ضمن ورش التربية والتعليم والمفتوح منذ تقديم الرؤية الإستراتيجية أمام رئيس الدولة بداية هذا الشهر من طرف وزير التربية الوطنية في حكومة العثماني ، وتماشيا مع ما صرح به نفس المسؤول أمام نواب الأمة عن وضعية التربية والتعليم بالمملكة ، خاصة في موضوع الهذر المدرسي ، والذي يهدد مستقبل البلاد ، ماديا ومعنويا ، ويرفع من وتيرة الانحراف والبطالة والأمية الجديدة ، والعنف وزواج القاصرات وخادمات البيوت وفئات اجتماعية هشة وغير منتجة .

والاعتراف من طرف الدولة ببعض الأرقام وان كانت جمعيات المجتمع المدني سترى أكثر من دلك وبكثير في ظل أزمة تعليم وتربية ، فان معدل الهذر المدرسي وطنيا حسب الوزير في معدل 1.1 في المئة ، للعالم القروي فيه نسبة حصة الأسد وصلت إلى 5.7 في المئة ، بين المستوى الابتدائي والإعدادي .

وبما أن العالم القروي غير متكافي حسب الأقاليم والجهات من حيث تواجد المستوى الثانوي ، بين تواجد مناطق به ثانويات وأخرى بدون ، فان المستويين الابتدائي والإعدادي في العالم القروي هما الأساس ومجال البحث والتنقيب والقراءة والتحليل .

وان كان التعليم الابتدائي  إلى حد ما لا يعرف نسبة الهذر المدرسي مقارنة بالمستويات الأخرى إلا قليلا بسبب بعض المشاكل تهم الأسرة في حالة الطلاق ، أو في الطريق إليه ، أو بعد المدرسة عن المسكن أو عند مرض مزمن يصاب به التلميذ والتلميذة ، مما يؤكد وجود وعي لدى الأسر بضرورة التعليم على الأقل في السنوات الأولى ( الابتدائي) ، ويضاف إلى هذا الوعي بعض التحفيزات الميدانية لدولة رغم قلة نجاعتها ومحدودياتها من قبيل ( مليون محفظة ودعم التيسير ) .

إلا أن التعليم الإعدادي أو المستوى الإعدادي بالعالم القروي ، يعرف معضلة الهذر المدرسي ، وفيه تظهر واضحة حيث تم الاعتراف بالانقطاع عن الدراسة في التعليم الإعدادي يصل إلى معدل 12 في المئة ، وهو رقم مخيف وقابل لزيادة في ظل تعتر المنظومة التربوية وفشل المخططات والمناهج الدراسية كما وكيفا ، ومن هنا يبدأ الانقطاع والانفصال بعد الحصول على شهادة الابتدائي ، رغم استمرار مشروع مليون محفظة ودعم التيسير إلى المستوى الإعدادي ، وتفقد المدرسة أبناءها وتتراجع الأرقام المسجلة في المستوى السادس وعدد الناجحين مقارنة بالمسجلين في المستوى الأول إعدادي .

هذا الواقع المر والخطير يسأئلنا كل في موقعه عن أسباب هذا النزيف البشري في صفوف الشباب مكانهم القسم أو الفصل من أجل طلب العلم، وحصد المعارف والشواهد، من أجل مستقبل زاهر متطور بقاعدة بشرية صلبة مثقفة وواعية يمكنها العيش في عالم التحديات والتطور العلمي ، غادروا في اتجاه المجهول ، بحيث الذكور في هجرة فردى وجماعات إلى المدن المغربية للعمل كمستخدمين بدون حقوق وبأجور هزيلة في مهن موسمية غير مؤطرة ، وفي أحياء وهوامش المدن إما ليلا أو نهارا أو كلاهما ، أمام احتمال الانحراف وانفصام الشخصية ، بينما تنتظر الإناث في الدواويير الخطاب وعادة ما يكونوا ممن هجر إلى المدن في إطار الهذر المدرسي ، ومصاحبة الهاتف والدردشة اليومية ، بعيدا عن التكوين أو التأطير أو البحث عن الذات مع إمكانية الانحراف أو التذمر النفسي اثر علاقات فاشلة أو تحث الاستغلال ، إضافة إلى وجود حالات الهجرة في صفوف الإناث منقطعات عن الدراسة في اتجاه المدن كخادمات البيوت أو للعمل في ضيعات فلاحية أو مصانع مقابل أثمنة غير مشرفة وغير واقعية واستغلال على كل المستويات .

والأسباب تجمع بين ما هو ثقافي ومحلي يستمد من التقاليد والعادات من قبيل عدم السماح للفتاة بالإقامة خارج المنزل لمدة أسبوع وبعيدة عن المجال القريب من العائلة ، رفض الإقامة بدور الطالبة ، وتلك السمعة الرديئة التي يتم الترويج لها عادة عن هذه المؤسسات إما بحق أو بدونه في إطار الإشاعات والخبر الزيف ، والتشدد على أن مصير الفتاة الزواج مادام أنها ستغادر في نهاية الإعدادي بالنسبة للمناطق التي تعرف فقط الإعدادي ، وذاتي بالنسبة للفتيات أنفسهن كتداني المعدل والنقط المحصل عليها في الابتدائي ن وعدم التمكن بشكل مناسب من مادة الفرنسية والإحساس بالنقص والضعف على مستوى المعارف ، وبنيوي لغياب دور طالبة بمعاير يمكنها استقبال الفتيات وتحفيزهن على الدراسة بالتكوين والتأطير والتشجيع وحصد معدلات عالية .

هذا بخصوص فئة الفتيات ، بينما الذكور يتأثرون بأجيال سبقوهم إلى سوق الشغل ، وما يعيشون من تباهي بالهواتف النقالة الذكية  وكراء السيارات أيام العيد ، فيغادرون إلى المدن ، بحثا عن حياة أفضل والثروة السريعة لغاية الزواج والاستقرار النفسي وتحقيق الأهداف الدنيوية والسمو الاجتماعي ، ولا يختلفون عن الفتيات من حيث مستوى التعليم بل يعانون أكثر منهن على مستوى النقط والمعدلات .

كل هذا وأسباب وتحديات اخرى ، جعلت القرى المغربية تنزف سنويا فئات شابة في اتجاه المدن والهوامش ، رغم البرامج والسياسات العمومية سواء على المستوى المحلي أو الوطني .

وللحد من هذه الظاهرة الخطيرة ، والتي تنخر المجتمع وتصنع جيل جديد قابل للانفجار في كل وقت وحين، وتفعيلا لبرنامج ورش الإصلاح والتدخل السليم من أجل رد الاعتبار وإعادة الأمور إلى نصبها وإنقاذ جيل من الشباب ، يبقى مادة أولية في أيادي المخدرات والهجرة السرية والانحراف ، يجب العمل ميدانيا وبشكل فوري مع استحضار الخصوصيات المحلية لكل منطقة على :

1_ إحداث دور طالب والطالبة بمعايير تجمع بين التربوي والحقوقي والتكويني بدعم مادي يمكن معه تنزيل تلك البرامج .

2_ إحداث الثانويات بالعالم القروي .

_ إحداث مراكز التكوين لفائدات الشباب ذكورا وإناثا .

4 _ تفعيل مشروع النقل المدرسي بشكل مؤطر وقابل لتنزيل باعتباره ورشا منظم بقوانين واجراءات وإدارة مسؤولة .

5_ إشراك الجميع في إعداد السياسات العمومية في كل الأوراش الوطنية المسؤولة والتي تهدف الشعب المغربي ، تفاديا لتكرار وهذر الزمان السياسي والاجتماعي .

الحسن بنضاوش زيري‎
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. الموافقة قرائة المزيد