النظام الجزائري: اختناق تاريخي

أزول بريس – عبد الله بوشطارت //

يعاني النظام الجزائري من ظاهرة يمكن وصفها ب”الاختناق التاريخي”، فهو نظام يحكم بلدا شاسعا مترامي الأطراف، ممتد وفسيح بجباله وسهوله وصحاريه، لكنه بلد يعاني من اختناق شديد، ويتضايق باستمرار.
تابعت فيديو اخباري يتحدث عن أول كوفة من الشاحنات ذات الوزن الثقيل محملة بالبضائع تعبر صحراء الجزائر وصحراء موريتانيا لتصل إلى زويرات في اتجاه نواكشوط، وقد عانت تلك الشاحنات وسائقيها من صعوبات جمة في عبور الصحراء، وبعضها وقفت عجلاتها في الرمال ولم تعد قادرة على المسير والتحرك. وقد تحدث بعض السائقين وأكدوا انهم استغرقوا ما يقارب 10 ايام في تلك الرحلة الرهيبة.

من حق الجزائر منافسة المغرب في تصدير الخضر والفواكه، إن هي تملك ما تصدره، لكن بهذه الطريقة الفجة وبهذا الأسلوب المهرج، يبين على أن النظام الجزائري تحول إلى نظام بهلواني، يغامر بسائقين وشاحنات ومواد غذائية ما أحوج الشعب الجزائري لها، في الصحراء بدون طريق بدون تشوير ولا دليل ولا تجهيزات، تسير الشاحنات على الرمال وتسلك براري مقفرة التي تعبرها سيارات تهريب المخدرات وتهجير البشر. حقيقة يغامر النظام الجزائري بكل ذلك لتغذية سيادية قل نظيرها يكنها ضد جاره المغرب.

قلنا، ان الجزائر تعاني من اختناق تاريخي بالرغم من اتساع مساحته الجغرافية، وهذه مفارقة عجيبة، لأن الجيش الجزائري لم يعد يتحمل الوثيرة التي يسير بها المغرب خاصة فيما يخص البنيات التحتية واللوجيستيكية التي يشيدها في الصحراء وخاصة مدينة الداخلة حيث سيتم بناء ميناء ضخما يسمى ميناء الداخلة الاطلسي، ثم انجاز مشروع طرقي كبير وهو الطريق السريع تيزنيت نواديبو…
الجزائر يجب أن تعرف أن العمق التجاري المغربي الافريقي، ليس هو وليد اليوم، وليس هو وليد الطفرة الحديثة التي عرفتها الطرق ووسائل النقل وإنما هي امتداد تاريخي عريق، وناتجة عن بنيات اقتصادية وتجارية قديمة فرضتها الحتمية الجغرافية أولا ثم التاريخية ثانيا. فالتبادل التجاري المغرب وأفريقيا الغربية، هو امتداد تاريخي وموضوعي واستمرار للعلاقات والروابط التجارية بين المغرب وبلاد السودان. قبل تأسيس الدول القطرية الوطنية المغرب والجزائر بعد المرحلة الكولونيالية. فقد كانت دائما القوافل التجارية المهمة تمر من المغرب، على الاقل منذ القرن التاسع الميلادي، حيث وصلتنا شذرات واخبار عن القوافل التجارية القديمة، وكانت المحاور المهمة للقوافل التجارية التي تتجه نحو السودان تنطلق من المغرب، وهذه الطرق كانت على محورين:

  • المحور التجاري الأوسط، هو اساسي ومهم يربط المغرب بتنبكتو عبر سجلماسة، وهو يبدأ من سبتة و فاس وصفرو ووادي زيز ويسمى طريق النخيل ثم تغازى وأروان، وهو طريق يتميز بقصر مسافته لكنه صعب نوعا بسبب قلة نقط الماء.

المحور التجاري الغربي، هو محور قديم جدا يسمى بالطريق اللمتوني، نسبة إلى قبيلة لمتونة الأمازيغية التي يمر هذا الطريق من وسط ترابها، وهي جيدة وملائمة بسبب مناخها وقربها من المحيط الأطلسي، وتبدأ القوافل التجارية من نول لمطة بواد نون حاليا، حيث تجتم القوافل الآتية من الشمال وسوس والاطلس مع القوافل التي جاءت من الشرق وتامدولت، ثم تبحر في الصحراء في اتجاه بلاد السودان، بالمرور على تارگا تازكاغت الساقية الحمراء، وإجيل وودان ثم إلى تنبوكتو. وبعد هجوم عرب معقل على سجلماسة ارتفعت أهمية هذا المحور التجاري انطلاقا من القرن الخامس عشر حيث ظهرت عاصمة تجارية جديدة في وادنون وهي مدينة تاگوست، التي كانت تربط بلاد السودان بعاصمة المغرب مراكش.

إن المغرب، قديما وحديثا، في زمن القافلة التجارية وفي ظل زمن طرق السيار والشاحنات الضخمة، كان دائما هو المنطلق والمستقبل للتجارة العابرة للصحراء، ليس لأنني انتمي إلى المغرب، بل بسبب حيوية التاريخ هو التي تركت لنا خطوطا لخريطة تجارية قديمة لاتزال تنبض بالحياة، كما أن المغرب حكم بلاد السودان في سنة 1592 حيث وصلت جيوش السعديين إلى تنبوكتو. دون أن ننسى دور المخزن في تأصيل وتوطيد العلاقات التجارية المغربية الافريقية، وحينما نقول المخزن فاننا نقول مؤسسة أمازيغية إفريقية عريقة اسسها المرابطون وهم امازيغ صنهاجة الصحراء القادمون من اودغشت جنوب موريتانيا الحالية، اسسوا المخزن ليربطوا الصحراء ببلاد الأندلس وجعلوا وسط هذا المجال العريض عاصمة لهم وهي مراكش خلال اواسط القرن 11 م، لتكون صلة وصل بين الجنوب الصحراوي الافريقي والشمال المتوسطي، فمراكش لا تزال تحمل هاتين الهويتين. ولمعرفة قوة المخزن تاريخيا وحضوره في أفريقيا تجاريا وسياسيا وثقافيا، منذ المرابطين، فلابد من قراءة رحلة تحفة النظار للرحالة الامازيغي إبن بطوطة توفي 1377، الذي كان مبعوثا/جاسوسا للسلطان المريني بعثة إلى الاستقصا في اخبار امراء الامازيغ في الصحراء وبلاد السودان…

بخلاصة، النظام الجزائري اليوم، يجب أن يتخلص من عقدته التاريخية تجاه المغرب، فشساعته الجغرافية ستسبب له الكثير من المتاعب والقلاقل لأنها شساعة ليست له، شساعة ملغومة وفوضوية، ورثها العسكر الحاكم في الجزائر من الاستعمار الفرنسي الذي كان يحلم بالامبراطورية الفرنسية الأفريقية، فترك خريطة احتلها زعماء جبهة التحرير الوطني بدون وعي تاريخي ولا ثقافة سياسية.

فالنظام الجزائري لن يخنقه الغاز الطبيعي ولا النفط، وإنما ستخنقه عقد التاريخ وجغرافيته الشاسعة، وفي كل مرة يتذكر الجوار والحدود مع المغرب تهتز نفسيته ويزداد اختناقا.
23 نونبر 2020
عبدالله بوشطارت

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. الموافقة قرائة المزيد