المومس بين الواقع والدراما العربية

 

سومية دادسي

ما اقتصر البغاء على بيع اللذة الجسدية يوما .. بل تجاوز ذلك الى بيع الذمة والقضايا الانسانية مقابل القيمة المادية المدفوعة .. فاصبحنا قادرين وباطمئنان ان نسقط المصطلح على ظواهر اجتماعية كثيرة فاصبحنا نقرأ تعبيرا كالبغاء الصحفي او المثقف المومس مثلا و العديد من التعابير المرتبطة دائما بفعل مشين خادش للقيم الانسانية … الا ان تعبير المومس في ارتباطه بالجنس يبقى هو المسيطر داخل مخيال الشعوب في المجمل لتجد الاسقاطات الاخرى للمصطلح حبيسة عينة من الافراد وفي سياقات فكرية محدودة… وليس المقام هنا ولا المراد ان نتحدث عن الدوافع التي توصل انسانة ما لتصبح مومس .. لان الامر شديد التعقيد كونه يتخذ من الانسان موضوعا فبقدر تشابك بنية الانسان بقدر تشابك سلوكياته … لكننا نجزم ان المومس في تصنيف مجمل انها تترنح بين الجبرية والاختيار .. فبقدر ماهناك اناث اختارت ذلك الطريق دون حتمية بقدر ما هناك اناث اجبرن على سلك ذلك السبيل … وتسمية الطرفين بالمومس فيه تجاوز اخلاقي ولا عدل في التعامل مع هاته الظاهرة .. لكنني أعي ان ايجاد تسمية لكل صنف امر لا تستحمله اللغة ولا واقع التواصل … و ما اسعى اليه كمبتغى أن نعي تماما ان تعبير المومس ليس دقيق ولا عادل … ان مجرد هاته الاشارة ان ترجمت كأفكار تحملها القصة والقصيدة والمواضيع الدرامية بالخصوص ستجعل من مجتمعاتنا اكثر انسانية في التعامل مع اي تجاوز اخلاقي يخفي عالم من التحديات .. لتصبح منظومة القيم لدينا اكثر عمق واكثر توازن قادرة على استيعاب المومس مثلا دون عداء يحكم التوجه العام للمجتمع … يحضرني الآن الشريط التي تداول بصفحات التواصل الاجتماعي على النت .. حيث يظهر شاب يعري فتاة .. تتوسل اليه وتنطق بجملة عاطفية توقف عندها الجميع ( اليس لديك أخت؟!!! ) تخيلت حينها لو أجابها ليس لدي أخت .. هل كان ذلك يسمح له بان يفعل ما فعل ؟!! وماكان هذا الا استطراد لا اظنه يخدم كثيرا فكرة المقال … مايهمنا هنا هو تلك الموجة من التعاطف مع الفتاة والتي انعكست بطلبات وصلت اعدام الشاب … ان ما فعله الشاب جريمة لا تناقش .. كما ان ما يمارس على المومس هو جريمة بنفس الشناعة اخدت طابعا مقبولا للاسف … والضحية هي الانثى .. سواء المومس او الفتاة بالشريط … والآن يستوجب علينا طرح السؤال : هل ذلك العداء نحو الشاب مبرر ؟!! ليس هنا اي مسعى الا يعاقب الشاب ولا بان تعاقب المومس بتطبيق القانون .. لكن نريد تطبيق قانون هدفه حماية قيم المجتمع وليس قانون بروح الانتقام … لان لا احد يريد ان يكون مومسا في المجمل ولا احد يريد ان يكون ذلك الشاب في المجمل … سيكون تساؤلنا على دوافع وجود المومس بيننا والشاب المغتصب اكثر اتساق مع مجتمع يسعى الى الحفاظ على انسانيته عوض الانتقام من المخطئ …. هل المومس شخصية شريرة ؟!! لعل الدراما العربية تبنت فكرة المومس الطيبة التي تقف بجانب البطل وتدعمه … لكن يبقى طرحها سطحيا .. مفرغا للظاهرة من محتواها المسيء للانسانة … وتبقى للمومس نصيب ضخم من العداء داخل المجتمع ..

لاعود الى موضوع االدراما وشخصية “المومس” لن اتحدث عن الأفلام الغربية لانها نتاج أفلام غربية وواقع غربي صعب اسقاطه على واقعنا لذلك سا تحدث عن المومس في الأفلام العربية …..لمادا هده الشخصية تكون طيبة ونتعاطف معها وغالبا هي التي تساعد البطل ……لكن في الواقع نحاكمها ونصفها بالشريرة …..اولا كلمة مومس مرادفة لبيع الجسد مقابل المال وهنا تسقط مصداقيته على كل من مارس الجنس وهذه إشكالية تجعلنا نمارس الظلم ولا ندرك حقيقة الامر …هناك محترفات للجنس بإمكانهن ان يعشن بكرامة لكنهن مستمرات وهناك من اجبرن على فعله ويتمنين العدول عنه ….هل تسميتهن بالمومس عدل ….يجب ان نضع ذلك بمخيال العقل الجماعي  بهذا الفعل نخلق تفهم اعمق للسلوك …ويصعب ان نستغل من طرف السلطة …لأننا حين نعي ذلك نستدعي نقاش ما الذي أدى بمجتمعاتنا العربية  ان يصبح البغاء ظاهرة…..

يصوروا لنا في اغلب الأفلام على ان المومس طيبة….وهنا تكمن المشكلة ….المومس ان لم تكن حاقدة على المجتمع فهناك خلل ….ان تكون المومس شريرة امر حتمي واذا ما وجدنا المومس طيبة  فالواجب ان نطرح اسئلة كثيرة.

الطرح الدرامي لموضوع المومس مقولب ويفرغ إشكالية البغاء….والسبب الأساسي هو ان الواقع اشد تعقيدا من أي طرح يحاول محاكاته…..هذا بغض النضر عن ضرورة الدراما لاثارة الدهشة لدى المتلقي …طرحها على انها طيبة عبارة عن مسكن بغض النضر عن اديولوجية كاتب النص الذي أحيانا يحاول إيصال رسالات في فكرة التحرر….كما ان الشق الدرامي ليس عاما …العام هو تصرفات المومس ….ضحكتها….حركاتها بالأفلام مما تخلق لدينا صورة جاهزة تمنعنا من التفكير الحر …هناك أفلام قدمت المومس المنتقمة من المجتمع او المومس التي تستدرج بنات اخريات لممارسة البغاء ….الارادة في التعاطي مع المومس غير دقيقة وهذا نقاش مطروح بالغرب …هل الشرير يختار ان يكون شريرا لهدا تطبيق القانون بالغرب لا يحمل نكهة المنتقم بخلاف عندنا …حادثة الشاب الذي عرى الفتاة ….طريقة تعاملنا معها تفضح ضحالة مفهومنا للقيم وللانسان….نحن لنا مشكلة في التعامل مع القيم وهي قابلة للاجتزاء دون أي مشكلة بداخل أي رجل مغربي او امراة فالظلم ليس ظلما الا اذا لمسني شخصيا وتلك قصة أخرى…..

من بعض اسباب تناول الدراما المومس وتقديمها بشكل ثابث هو تنميط دهنية المتلقي … ان الدراما تجمع بين الاعلام الاخباري والترفيهي والتثقيفي فلماذا لم تجعل كل تلك الاعمال مجتمعاتنا تتعامل مع المومس دون عداء وتحقير… ان الدراسات الاقتصادية بالمغرب تشير الى ان البغاء عامل اقتصادي مهم عندنا… لولا البغايا لن تفتح …الملاهي ووتجارة ايجار الشقق وحركة سيارة الاجرة والمقاهي والمطاعم …هل المجتمع ليس واعيا بهذا الدور الذي تلعبه المومس في فتح بيوت كثيرة…كنا نامل ان يكون اقتصادنا يرتكز بالاساس على الصناعات…

لكن اخفاق الدولة فتح المجال ان يصبح البغاء تجارة داعمة لمجموعة من الاسربشكل مباشر وغير مباشر… سيتهمني البعض انني ادافع عن هذه المهنة  لكنني احاول ان ادرس الظاهرة من منظور سوسيولوجي … سياسة النعام لن تحل مشاكلنا … علينا دراسة هذه الظاهرة من جميع الجوانب لعل وعسى نجد الحل.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. الموافقة قرائة المزيد