بصم اليساريون المغاربة باختلاف تنظيماتهم، على تجربة سياسية يستحيل أن يتخطى كاتب التاريخ أو قارؤه فصولها المطبوعة بلغة التضحيات الجسيمة والاعتقالات والاغتيالات والنفي والتهجير.. هي تجربة تنبعث منها رائحة الأقبية النتنة، وأصوات مفاتيح الزنازين الغليظة، وآلام البطون الفارغة، كما تنبعث منها إرادة الحياة، التي كانت تشد أغلب من عاشوها إلى كتابة “المستقبل” بقلم الأمل في الأفضل، وإلى رسم لوحة القادم بألوان تنصف قضية الإنسان المغربي.
وباختلاف هوامش نشاطهم، سواء تلك التي تستحضر الخطوط الحمراء أو تلك التي ترى بالأحمر كل الخطوط، من أقصى الراديكالية السياسية إلى أقصى الإصلاحية، ومن العمل الثوري السري والتخطيط لقلب موازين الحكم إلى النشاط العلني الهادف إلى الإصلاح، سجّل التاريخ أسماء كثيرة لمناضلين قضوا نتيجة إيمانهم بالمواقف، في زمن “الجمر والرصاص” الذي لم يؤمن إلا بلغة البقاء للأقوى..
23 مارس 1965 :
وكانت الشرارة المباشرة التي فجرت الأحداث وأخرجتها إلى الشارع في عدد من المدن المغربية، مذكرة وزارية ليوسف بلعباس، وزير التعليم، آنذاك، تقضي بمنع التلاميذ الذين بلغ سنهم 16 سنة من تكرار قسم البروفي (السنة الثالثة ثانوي)، ما واجهه عدد من الشباب الذين كانوا مرتبطين، سياسيا، بتنظيمات نقابية وطلابية وحزبية معروفة مثل النقابة الوطنية للتلاميذ، أبرز رموزها الراحل محمد تيريدة وأحمد حرزني، الرئيس السابق للمجلس الاستشاري لحقوق الإنسان، ثم الاتحاد الوطني لطلبة المغرب والاتحاد الوطني للقوات الشعبية المنشق عن حزب الاستقلال الذي كان يضم آنذاك قيادات وزانة مثل عبد الله إبراهيم والمهدي بنبركة وعبد الرحيم بوعبيد، وجزء منهم مرتبط بالحزب الشيوعي المغربي.
وتحكي بعض الروايات أن القرار قابلته مجموعة من التلاميذ المسيسين بتعبئة مضادة، بدأت صباح 22 مارس، حين تجمع حوالي 15 ألف تلميذ بملعب ثانوية محمد الخامس بالدار البيضاء حجوا من مختلف أطراف المدينة للتنديد بالمذكرة الوزارية، قبل الاتفاق على قرار الخروج في مسيرة في اتجاه مندوبية التعليم لإثارة الانتباه إلى ما اعتبروه إجهازا على الحق في التعليم.
رد السلطة، التي كانت تتابع هذه التحركات عن كثب، لم يتأخر، إذ مجرد أن وصلت مسيرة التلاميذ إلى المركز الثقافي الفرنسي، تدخلت قوات الأمن لتفريق المتظاهرين، باستعمال كل وسائل العنف، نجم عنه ارتباك في صفوف التلاميذ الذين احتموا بالأحياء الشعبية القريبة لاستقطاب الدعم من السكان والآباء والأمهات، وتم الاتفاق على تجمع جماهيري ثان في ملعب الثانوية نفسها، بحضور عدد منم الشباب والحرفيين والعمال الذين تعاطفوا مع التلاميذ جراء القمع الذي نزل بهم بمجرد أنهم عبروا بشكل سلمي عن حقهم في التعليم.
يوم 23 مارس 1965 كان التجمع بالثانوية، وانطلق المتظاهرون في اتجاه درب السلطان، (معقل الطبقة العاملة آنذاك بالدار البيضاء)، ثم إلى باب مراكش. وما كادت المظاهرة تصل إلى المدينة القديمة، حتى وجد المحتجون أنفسهم وجها لوجه أمام الجيش والدبابات الآتية من مديونة والتي انتشرت في مختلف الشوارع الكبرى للمدينة التي ظلت تعرف فورانا جماهيريا.
وفي الساعة الثالثة عصرا تلقى الجيش أوامر لإطلاق النار على المتظاهرين وبدأ بعضهم يتساقط على الأرض
وقال شاهد عيان:”سمعت الطلقة الأولى، ثم الثانية، ثم الثالثة، ظننت أنها طلقات الكاواتشو وليس رصاصات حقيقية، لكن بعد لحظة تأكدت أنها طلقات رصاص حقيقية عندما شاهدت بعض رفاقي يتساقطون الواحد تلو الآخر”.
وقال آخر: ما حدث يوم 23 مارس 1965 لم يكن ثورة بالمعنى الثقافي للكلمة، إنها انتفاضة اجتماعية، سببها شعور “عميق باليأس والإحباط. هجمت جموع الجماهير على بعض المحلات وعلى البنايات العمومية، لكن قمع الجيش كان بدون حدود”.
وتحدث الاتحاد الوطني لطلبة المغرب عن أكثر من ألف قتيل، دفنوا في قبور جماعية بأمر من الجنرال محمد أفقير الذي قاد شخصيا عمليات قمع المتظاهرين، إذ شوهد على متن مروحية يصب الرصاص في صدور مئات المحتجين العزل
اكتشاف المزيد من azulpress.ma
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
التعليقات مغلقة.