بقلم سدى على ماءالعينين
كتبنا كثيرا عن أزمات المغرب، وعن الفساد المستشري، ولم نكن نأتي بالجديد، فاعلى سلطة في البلاد تناولت الموضوع في خطب ملكية متعددة، إما مشخصة او طارحة مبادرات للتجاوز و التخفيف،
لكن يبدو أن المغرب يعيش حالة تطبيع مع إختلالاته، لأنها تخول لفئات هشة التعايش مع ناهبي البلد، في تحالف هجين، يرضى طرف منه بالفتات فيما الطرف الثاني يواصل تراكم ارصدته بلا حسيب او رقيب،
تحكي حكاية ان قرية لحقها الجوع و الجفاف، و إقترح الحاكم وضع صهريج بساحة القرية كي يساهم كل فرد او أسرة بكوب من الحليب بوضعه بالصهريج،
و كان كل فرد يتسلل ليلا ليصب كوبه في الصهريج، وبدل ان يصب الحليب يصب كوب ماء، ولسان حاله يقول ان إختلاط الماء بالحليب لن يفطن له أحد،
لكن المفاجئة الكبرى ان بعد إنقضاء تلك الليلة أصبح الصهريج ممتلأ بالماء، لا لشيئ سوى لان الجميع راهن على غيره ان يصب كوب الحليب ويصب هو كوب الماء!!!
تلك حكاية اشبه بواقع بلادنا، فالكل يعول على الآخر، و الكل يمارس الفساد بطريقته، و يقول :مادام المفسدون كثر، و ينهبون ميزانية ضخمة، فيما يضر إن كان إختلاسي ” على قد الحال”
الزوجة يقول لها فقيه التلفزة ان ما في جيب زوجها سرقته حلال،
و المدرس يرى في الساعات الإضافية مدخولا مبررا بتقوية قدرات التلميذ،
مدرب شركة تعليم السياقة يرى ان المتعلم حتما سيعرف السياقة في الشوارع و بعد حوادث بسيطة، فيبيع الرخصة بأريحية،
رجل الأمن و الدرك على الطرقات، يرى كما يرى المخالف ان ثمن المخالفة لا تحتاجه الدولة لان ” ظهرها صحيح” لكن نصف المخالفة وهو يدخل جيب رجل الأمن و الدرك فيه منفعة مشتركة،
القاضي لا يرى فائدة في سجن متهم سيكلف الدولة إقامته بالسجن مع الاكل و الشرب، لكن مبلغا محترما سيساوي حرية المتهم، و تقليص مصاريف الدولة، و اما الضحية فقضاء الله، وماشاء الله فعل،
الطبخ المغربي يطهى على درجة نار مرتفعة، و كل ما تحتويه اللحوم و الخضر من مواد حافظة او كيماوية لن تضر المستهلك، لكنها حتما تزيد من نسبة الإنتاج لمحاربة الخصاص،
… إنه تطبيع ممنهج يجعل من المغرب بلد الخيرات المنهوبة، كيف لا، ولا احد يسأل :من أين لك هذا؟
إن مرضت فالشفاء بيد الله، و رحلة الإستشفاء تصبح تحصيل حاصل، و لك في التغطية الصحية ما يسمح لقطاع الصحة الإغتناء من التحاليل و الادوية!
الجندية بلا حرب فسحة حدودية او في تكنات للإستجمام و بناء الأجسام،
و الدين صلاة جمعة للمصلين، و وجبات دسمة في المناسبات للفقهاء كبار السن، و تجارة مربحة لشباب الرقية الشرعية،
المغربي يملك خمس ملايين ليعطيها لمن يركبه قاربا مطاطيا للموت في المحيط، لكنه لا يؤمن ان يفتح بها مشروعا للعيش،
والشاب يملك القدرة لجمع مبلغ محترم لشراء هاتف جديد ليسب فيه و يشتم بلدا لا يمنحه فرص العيش، لكنه غير مستعد ان يحرك انامله و يديه في عمل يومي يغنيه عن الحاجة،
قنينة جعة بعشرين درهما يتناول منها في اليوم عشرة، و عندما تدور الخمرة برأسه ينعل القدر الذي جعله يولد على هذه الأرض الجاحدة!
السارق وهو يتعرض سبيل المارة، و يتهجم حتى على المتسولين، تجد لباسه كله علامات مسجلة، فما المانع ان يكون هو أيضا مسجلا خطرا؟!
إن المغرب فعلا يمشي حافي القدمين على أرض كلها اشواك، و متارس،و منعرجات،
تلك حالة ” بسطاء الشعب”،
فماذا عن الطغاة؟
من تمنحهم الدولة أضعاف الحد الأدنى من الأجور، و إمتيازات السكن، و السفر، و النقل و السيارات و الخدم؟
هؤولاء الذين يسمون مهنتهم ب ” المناصب العليا” و ” الموظفون السامون” ، ورجال الاعمال
لهم في البحار مراكب، و في البر الضيعات و فيلات و خدم وحشم،
لهم أيادي في كل مكان، و حسابات في كل الابناك، واتباع في كل الإدارات، و صور وإعلام في كل الواجهات،
رغم كل ذلك فهم على صلوات التراويح و صلاة الجمعة، ومناسك العمرة كل سنة يتهافتون، و كلهم يقين أن ” الحسنات يذهبن السيئات”
وهم في المهرجانات يتزاحمون يرقصون مع اغاني ” في بلادي ظلموني” و ” إنت معلم”…وكلهم يقين ” لي ليها ليها، مانهزها فين ثقالت”
هذا حالنا و تلك حكاياتنا، و هذا واقعنا و تلك سلوكاتنا، كلنا مسؤولون، و كلنا مذنبون، وكلنا في الوضع بشكل متفاوت مساهمون بالفعل او بالصمت والقبول،
نحن – بعضنا الطاغي وليس كلنا- لا نجمع رداء سريرنا عند الإستيقاض، و لا نغسل ارجلنا و اسناننا عند النوم،
إن ركبنا الحافلة كسرنا مقاعدها، و إن ركبنا سيارتنا نرمي بنفاياتنا من النافذة،
إن ولجنا المؤسسة إعتبرنا المدرس عدوا وليس قدوة، وفي الشارع كل نساء المغرب صيدا سهلا ثمينا،
نطالب الدولة إصلاح الأرصفة لكننا لا نفكر في إصلاح سلوكنا ونحن نمشي على الأرصفة،
لذلك فالمغرب يمشي حافي القدمين، و كي لا أقول يمشي عاريا وقد ازال كسوة القيم و الوطنية و المسؤولية،
هناك فساد يحيط بنا، وهناك فساد فينا وفي سلوكنا،
الحل؟
الحل اكبر من كتابات بعالم إفتراضي، اكبر من صلاة التقية بلا خشوع، وعمل بلا ضمير،
الحل ان نقرأ التاريخ و نتعض، و نعيش الواقع بأن نغير ما بأنفسنا، فكل راع يستحق راعيه، لأن الراعي يحمي الشاة من الذئب كي يتناول لحمها،
و الراعي يسمن ابقاره كي تجلب له الحليب واللحم الطري،
فحتى لا يكون المواطن شاة او بقرا حلوبا عليه أن يصلح مافي نفسه، و ان يعي بكل يقين ان إصلاح الفرد من صلاح الجماعة،
وطننا ليس مسكنا للسكن لكنه بلد السكينة،
ووطننا ليس وطنية مزيفة لكنه مواطنة بناءة،
وطننا هو أن نعيش و نتعايش، ان نتعاون و نتكافل، ان نصنع ونبدع ونتمتع،
وطننا هو كل فرد فينا يقول لا للفساد و المفسدين، ويجعل نفسه في رأس القائمة بأن يصلح نفسه وسلوكه.
فهل تعتبرون ؟
التعليقات مغلقة.