خصصت المجلة الفرنسية المعروفة جون أفريك عدد 3054 (من 21 الى 27 يوليوز 2019) ملفا خاصا متكاملا عنونته بالعنوان التالي ” عشرون سنة التي غيرت كل شيء في المغرب ” بمناسبة مرور 20 سنة على تولي جلالة الملك محمد السادس عرش المملكة المغربية خلفا لوالده المرحوم الحسن الثاني .
ورث الملك محمد السادس من سلفه ارثا حقوقيا وسياسيا واقتصاديا ثقيلا ، حيث استنزفت الصراعات السياسية الداخلية وصون الوحدة الترابية و القضايا الخارجية جهدا كبيرا من سياسة الراحل الحسن الثاني وكان ذلك على حساب العدالة الاجتماعية و البنيات التحتية والحريات العامة .
افتتح الصحفي الفرنسي المخضرم فرانسوا سودان ملف المغرب باشادته بالتغيرات الايجابية التي احدثها الملك محمد السادس و بالاصلاحات الكبرى التي عرفتها المملكة المغربية خلال الفترة الممتدةمن( 1999-2019 ) حيث عرف المغرب تحديثا مؤسساتيا واداريا وادماجا للنساء في الحياةالسياسية وانفتاحا ملحوظا في الحياةالجمعوية وشفافيةالعمليات الانتخابية واصبحت صناديق الاقتراع تعبر بشكل اكبر عن تطلعات المواطنين والمواطنات واحترمت نتائج العملية الانتخابية وتم تعديل دستوري هام أعطى صلاحيات كبرى لمؤسسة الحكومة و كرس منظورا حقوقيا طالما نادت به احزاب المعارضة في وقت من الاوقات من تاريخ المغرب ، كما ان مصالحة كبرى تم تدشينها بين المواطن والسلطات العمومية وخصوصا مع رجال الامن حيث تبدد الخوف والتوجس الذي كان يعيشه المواطن في مرحلةحكم الحسن الثاني .
لكن الصحفي فرانسوا سودان لم يفته ان يذكر بانه رغم الاصلاحات العميقة التي شهدها المغرب على عديد المستويات الا ان قطاعات التعليم والصحة ومحاربة الرشوة ما تزال تئن تحت نير الجمود و انعدام الفعالية المطلوبة ،خصوصا وان الانفصام الكبير الموجود بين مكونات البرنامج التعليمي ومتطلبات الشغل تجعل من البطالةهاجسا حقيقيا تعانيه البلاد ، فرغم الطفرة الديموغرافية التي يعرفها المغرب الذي انتقلت ساكنته من 28 مليون نسمة سنة 1999 الى 35 مليون سنة 2019 ورغم التطور الاقتصادي الذي شهدته البلاد حيث يسجل المغرب معدل 4في المئة كمعدل نمو اقتصادي سنوي وارتفاع الناتج الداخلي الخام الذي انتقل من 41.6 مليار دولار سنة1999 الى 121.4 مليار دولار سنة 2019 كما ان معدل البطالةتراجع من 13.9 في المئة سنة 1999 الى 10.2 في المئة سنة 2019 ، الا ان هذه الارقام الاقتصادية المشجعة لا تنفي وجودفوارق اجتماعية صارخة و تحديات تنموية مايزال المغرب مطالبا بربح رهاناتها .
ولعل إقدام الملك محمد السادس في ماي 2005 على اعطاء الانطلاقة الفعلية لبرنامج المبادرة الوطنية للتنميةالبشرية الا التزام ملكي واضح بضرورة تقليص الفوارق المجالية والفوارق الاجتماعية ومحاولةتوزيع ثمار التنميةعلى جميع المواطنين والمواطنات في كل ربوع البلاد ، اختتم الصحفي فرانسوا سودان مقاله عن المغرب بالقول بان المغرب في عهد الملك محمد السادس يعيش في استقرار نموذجي في ظل سياسة رشيدةوحكيمة تحل المشاكل الداخليةوالخارجية باساليب الحوار والانصات والتدرج لذلك نجح المغرب في تجاوز عدد من المراحل الصعبة باقل الاضرار عكس المرحلة السابقة التي اتسمت بالاضطراب السياسي و الازمات الداخلية والخارجية والتي اثرت سلبا على الاقتصاد الوطني.
احتوى ملف جون افريك حول المغرب كذلك استجوابا هاما للسوسيولوجي المغربي الدكتور محمد الطوزي احد مهندسي الدستور المغربي الجديد واحد العارفين بخبايا المجتمع والسلطة بالمغرب حيث اثنا الدكتور الطوزي في استجوابه على شخص الملك الذي سماه بالملك الظريفgentil الهادئ الانساني، كما انه اكدعلى ان الملكية الجديدة بالمغرب ملكية تنفيذية قوية ذات شعبيةكبيرة ومرجعيةتاريخيةعريقة لكنها ليست تسلطية او ذات نزوع مطلق كما عرج الدكتور الطوزي على اشكالية ضعف الاحزاب السياسية المغربيةواعتبر ان تراجع الظاهرة الحزبية ظاهرة عالمية وان الاحزاب المغربيةمطالبة بلعب ادوار الوساطة وتمثيل وتاطير المواطنين باليات وخطاب جديد بعيدا عن الاصطفافات الايديولوجية .
بدوره الكاتب الصحفي فؤاد العروي ساهم في الملف حول المغرب بمقال متميز حول “الطيور التي تحمل الشؤوم” منتقدا بشدة مجموعة من الكتب والكتابات والكتاب الذي تكهنوا بمصير مغربي مشؤوم خلال عهد الملك محمد السادس لذلك دعاهم الكاتب بشكل غير مباشر الى الاعتذار عن اخطائهم في التقدير ودعا الباحثين الراغبين في تناول دول معقدة مثل المغرب الى عدم الاكتفاء بالكتابات والابحاث الجامعية انما اكد على ضرورة اعمال علوم الاقتصاد والاجتماع و الانثبرولوجيا لفهم مجتمعات من مستوى المغرب .
الصحفي فهد العراقي احاط بشكل مفصل بالتحولات الكبرى التي يعرفها المغرب وبالانجازات الهامة المحققة في العهد الجديد في جميع المستويات الاقتصاديةوالاجتماعية والتنموية كما ان المغرب طور علاقاته الافريقية واسترجع مكانته الافريقية ضمن الاتحاد الافريقي الذي غادر مؤسساته سنة 1984 كما ان النشاط الاقتصادي والديبلوماسي مع الدول الافريقية شهدا تطورا لافتا في السنوات الاخيرة اذ اصبحت الاستثمارات المغربيةالخارجية الى افريقيا تشكل اكثر من 25.5 في المئةمن مجموع الاستثمارات المغربية منها 21.2 في المئة في افريقيا جنوب الصحراء ، اجمالا لخص الصحفي فهد العراقي المنجزات المغربية في عصر محمد السادس في 10 اصلاحات وانجازات :
1-اقرار مدونة اسريةسنة 2004 تعطي للنساء حقوقا اكثر وضمانات فعلية
2-اقرار دستور جديد سنة2011 وهودستور نوه به عدد من الخبراء داخل المغرب وخارجه واعطى دفعةجديدة لدولة الحق والقانون بالمغرب.
3-اصلاح للشأن الديني وتكريس الطابع الوسطي لتدين المغاربة.
4-تنظيم وتجديد الحقل الأمني ومصالحة الامن مع المواطنين
5-سن سياسة في مجال الهجرةمسؤولةوتحترم الحياة الانسانية
6-اعادةتاهيل عدد من المدن المغربية وجعلها اكثر جمالا ورونقا
7-القيام بمشاريع مهيكلةكبيرة ومؤثرة في الاقتصاد الوطني : قنطرة محمد السادس بالرباط-tgv الدارالبيضاء طنجة-ميناء طنجةميد –تاهيل مطارات جديدة …
8-الالتزام بالبيئة وتنظيم المؤتمرات الدوليةحول المناخ ونهج استراتيجيةطاقية تعتمدعلى الطاقات البديلة وخاصةالطاقةالشمسية .
9-تطوير وتحديث وحوكمةعدد من الشركات والمؤسسةالعمومية الكبرى المغربية التي تسمى بالابطال الوطنيين .
10-اعادة الاعتبار للبعد الافريقي والاندماج اكثر اقتصاديا وثقافيا وديبلوماسيا في القارة الافريقية. والاعتماد على ديبلوماسية الاتفاقيات الاقتصاديةوتفعيل الشراكة الاقتصادية للمملكةمع عددكبير من الدول الافريقية. وقد حقق المغرب بفضل هذه السياسة الاقتصاديةالناجعة فائض في المعاملات التجاريةمع افريقيا يعادل 11.9 مليار درهم في سنة 2016 مقابل 1.3 مليار درهم سنة 2008.
رغم هذه الاصلاحات الكبرى وهذه الانجازات والمكتسبات الكبرى الا ان تحديات كبرى ورهانات اعمق مطروحة امام المغرب ليتجاوزها في العقودوالسنوات والايام المقبلة وقد اوردها الصحفي المهدي برادة في ما يلي :
1-ضرورة تسوية صراع الصحراء مع الجزائر
2-ضرورة تنزيل جهوية حقيقية تضع حدا للفوارق المجالية
3-اصلاح التعليم وتحسين الخدمات الصحية ومحاربة الفقر
4- معالجة ازمة التمثيلية السياسية وضعف المشاركةالسياسية للمواطنين
5-الاسراع باحداث وارساء السجل الاجتماعي الموحد من اجل التصدي للفقر والهشاشة الاجتماعية.
6-معالجة ازمة المياه التي تتفاقم يوم بعد يوم وإيجاد استراتيجية مائية من شانها معالجة متطلبات المواطنين.
7-التفكير في استراتيجية صناعية تؤهل المملكة لتحقيق اقلاع صناعي وتساهم في احداث مناصب شغل
8-تعميق التعاون الافريقي والإسراع في خلق سوق افريقية مشتركة و مناطق التبادل الحر في عدد من المناطق بافريقيا.
————————
انغير بوبكر
باحث في قضايا التنمية والديموقراطية وحقوق الانسان
حاصل على دبلوم السلك العالي في التدبير الإداري من المدرسة الوطنية للإدارة.
ounghirboubaker2012@gmail.com
اكتشاف المزيد من azulpress.ma
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
التعليقات مغلقة.