- بقلم يوبا أوبركا * //
يواجه المسرح الأمازيغي في المغرب العديد من التحديات التي تعيق تطوره واستمراريته، حيث يعاني من غياب الدعم المالي والإداري وضعف المواكبة الإعلامية، مما يحول دون انتشاره بين الجمهور واستمراريته بسبب قلة الفرق المسرحية المهتمة بالمسرح الأمازيغي.
يعود تاريخ المسرح الأمازيغي إلى العروض الفنية والشعبية التقليدية التي كانت تُقام في القرى والمدن الأمازيغية منذ مئات السنين.
ومع نهاية التسعينيات، بدأ يشهد مرحلة من الاحترافية بفضل جهود بعض الفرق المسرحية المناضلة بتأطير من رواد وجمعيات الحركة الأمازيغية، خصوصاً في منطقة سوس. عملت هذه الفرق على تقديم عروض تعكس الثقافة والتاريخ الأمازيغي من جهة والدفاع عن الحقوق الثقافية واللغوية للأمازيغ من جهة أخرى.
رغم الاعتراف الرسمي باللغة الأمازيغية عام 2011، لا يزال المسرح الأمازيغي يعاني من مشاكل عديدة أبرزها نقص التمويل، مما يحد من قدرة الفرق المسرحية على الاستمرارية وركوب موجة الاحتراف وتقديم عروض بجودة عالية أو القيام بجولات وطنية ودولية. تفتقر الفرق المسرحية الأمازيغية والمغربية بشكل عام إلى مراكز تدريب وتكوين متخصصة في المسرح، مما يصعب تطوير المواهب الشابة وتجديد النخب الفنية.
كما أن البنية التحتية في المدن والقرى الأمازيغية غير ملائمة لاستضافة العروض المسرحية، حيث تفتقر نسبة كبيرة منها إلى دور الشباب وإمكانيات لوجستية بسيطة، بل إن بعضها مغلق دون مبرر.
وقد لاحظت الفرق المسرحية هذا الأمر خلال جولاتها الوطنية، حيث تجد مناطق قروية بجمهور متعطش للفن لكنها تفتقر إلى الشروط التقنية أو تنعدم الفضاءات بشكل مطلق.
ورغم هذه التحديات، توجد جهود متعددة مبذولة للنهوض بالمسرح الأمازيغي، سواء من خلال المبادرات الفردية والجماعية للفنانين والمثقفين أو بعض الجمعيات ، وتتوفر الساحة المسرحية الأمازيغية على مبدعين كبار يمكنهم تقديم أعمال فنية راقية تعكس التراث والثقافة الأمازيغية الغنية بعيون عصرية وفي قوالب فنية حديثة، مما يمنحه القدرة على الوصول إلى أبعد نقطة وطنياً ودولياً في حال توفرت الشروط الأدنى للعمل.
إن المسرح الأمازيغي بأبعاده الفنية والفلسفية يمكن أن يكون مفتاح الهوية المسرحية في المغرب، ويمنح الحركة المسرحية المغربية روحاً جديدة تستطيع من خلالها البروز إقليمياً ودولياً من خلال البحث في التراث الشفهي والحكايات والأساطير الأمازيغية، وكذلك العادات والتقاليد والموسيقى والرقص التقليدي وغيرها، لإثراء العروض المسرحية وإضافة قالب ونفحة فنية مميزة لها.
ما يؤكد ذلك هو التوهج الأخير لمسرحية “تودا” لفرقة فوانيس، التي ألهمت قصتها وجمالها الفني من التراث الأمازيغي في الجنوب الشرقي واستثمار الثقافة الأمازيغية في الأعمال المسرحية الناطقة بالفصحى أو الدارجة أمر جيد، ولكن يجب في نفس الوقت ً دعم وتوظيف اللغة الأمازيغية لتبسيط تعليمها لغير الناطقين وغيرهم لأنها تعتبر القلب النابض لهذا التراث.
إن السبيل الوحيد لتطوير المسرح الأمازيغي يتجلى في ضرورة تخصيص ميزانيات أكبر لدعم الفرق المسرحية الأمازيغية من طرف الحكومة، حيث يعتبر الدعم المخصص للمسرح الأمازيغي من قبل الوزارة الوصية محتشماً, ففي عام 2023، كانت نسبة العروض المسرحية الأمازيغية المدعومة أقل من 2% من إجمالي الفرق المستفيدة من عملية الإنتاج،
وهو ما يعد مؤشراً سلبياً على مستقبل المسرح الأمازيغي فالفرق المسرحية تعاني من صعوبة كبيرة في تأمين التمويل الكافي لإنتاج عروضها، مما يحول دون استمراريتها أو تحد من إمكانياتها الإبداعية والفنية وهو الأمر الذي يفرض على وزارة الثقافة اتخاذ خطوات أكبر لتعزيز حضور المسرح الأمازيغي من خلال سياسة التمييز الإيجابي، التي يمكن أن تلعب دوراً محورياً في نهضة المسرح الأمازيغي بالمغرب، بالإضافة إلى دعم التكوين الإداري والفني للمبدعين والإداريين والتقنيين.
إلى جانب وزارة الثقافة، يتحمل المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية جزءاً من المسؤولية بعد توقف عملية دعم المسرح الأمازيغي منذ عام 2019، وهو توقف غير مفهوم. ينطبق الأمر نفسه على القناة الأمازيغية التي يجب أن تلعب دوراً كبيراً في تمويل العروض المسرحية عن طريق الاقتناء والبث وإيصالها لجمهور أوسع ..
أستتنج من خلال ما سبق و من خلالي تجربتي في مجالي السينما و المسرح الأمازيغيين لسنوات طوال, أن المسرح الأمازيغي سيجد له آفاق واعدة إذا ما تضافرت الجهود لدعمه وتطويره، مما يتطلب تدخل جميع الأطراف المعنية من فنانين ومثقفين ومؤسسات لضمان استمرارية وتطوير المسرح الأمازيغي في المستقبل و في ضل سيطرة التكنواوجيا و العالم الرقمي على المناح الإجتماعي و الثقافي لمجتماعتنا, وسيبقى المسرح متنفسا للإنسانية و منبع روح الحياة .
*يوبا أوبركا:مدير فرقة أباراز للمسرح أكادير، عضو الفدرالية المغربية للفرق المسرحية المحترفة بسوس ماسة.
اكتشاف المزيد من azulpress.ma
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
التعليقات مغلقة.