المرأة ضد المرأة
أحمد عصيد
عندما نظمت الحركة النسائية مسيرتها التاريخية الكبرى بالرباط قبل عشرين عاما للمطالبة بإقرار حقوق النساء المغربيات ومراجعة مدونة الأحوال الشخصية مراجعة شاملة، قامت الحركة الإسلامية المغربية بتنظيم مسيرة مضادة في نفس اليوم بالدار البيضاء، للاعتراض على حقوق المرأة ومبدأ المساواة واعتبار مدونة الأسرة مستلهمة من الشريعة الإلهية وغير قابلة لأي تعديل، وقد فوجئ كثيرون آنذاك بأن أعداد النساء في مسيرة البيضاء كانت أكبر بكثير من النساء المطالبات بالتغيير في مسيرة الرباط.
وخلال فترات الانتخابات يتساءل كثيرون لماذا تقف المرأة ضد المرأة المرشحة ولا تصوت لها، وهي ظاهرة تعم كل بلدان شمال إفريقيا والشرق الأوسط، البعض ينسب ذلك إلى “الغيرة” أو “الحسد”، والحقيقة أن المشكل يعود إلى تأثير التربية ومفعول التنشئة الاجتماعية المترتب عن سنوات طويلة من الترويض.
فالطفلة الصغيرة تتلقى من وسطها العائلي والاجتماعي الكثير من الرسائل والدروس والتوجيهات اليومية التي ترسخ لديها مركب النقص تجاه الأطفال الذكور، ولهذا تقاوم المرأة بشكل لا شعوري أية محاولة لتحريرها، لأن الصور النمطية التي انطبعت في ذهنها حول وضعية الإناث وأدوارهن تصبح حاجزا نفسيا حقيقيا أمام تصور وضعية أرقى أو أفضل، كما أن مجمل تلك الرسائل والتوجيهات تنتهي بأن ترسخ في ذهن المرأة أن كفاءتها لا يمكن أن تقارن بكفاءة الرجال.
طبعا أثبتت نضالية الحركة النسائية وتضحياتها الجسيمة عكس ذلك تماما، كما أثبتت المرأة المغربية كفاءتها العالية في مختلف القطاعات الحيوية للدولة، ولا يبقى إلا تغيير العقليات والقضاء على الصورة النمطية القديمة، التي تقتات من نظم العلاقات التقليدية، وذلك عبر تفكيك تلك النظم ونقدها من خلال التعليم والتربية وقنوات التواصل والاتصال والإعلام، حتى لا يظل وعي الناس مفارقا لواقعهم، وحتى نحرر نصف القوة الإنتاجية للمجتمع، التي ظلت تحت الوصاية فاقدة للفعالية.
اكتشاف المزيد من azulpress.ma
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
التعليقات مغلقة.