استرجع بلعباس مساء أمس ، الثلاثاء ، في لقاء مفتوح مع الطلبة ، نظم ضمن فعاليات الدورة الأولى للمهرجان الدولي للسينما والتاريخ بتارودانت ، المنظم إلى غاية 21 ابريل الجاري، بعضا من ذكريات الطفولة والشباب التي بصمت مسار حياته في مدينة أبي الجعد ، كما استحضر بعفوية متناهية سيلا من التجارب الحياتية التي خبر حلوها ومرها بعدما أقدم على وضع قدمه الأولى في درب الحياة معتمدا على قدراته الذاتية ، متحررا من العاطفة الأسرية التي ظلت رغم ذلك ملازمة له ، وديدنه في شق طريقه نحو النجاح.
استطاع طلبة الكليتين، ونخبة من الإعلاميين الذين حضروا اللقاء المفتوح مع بلعباس من “استنطاقه” وجعله يسترسل دون قيد في الإدلاء بما يشبه الاعتراف ببعض من “خبايا” مسيرته الحياتية التي تحضر باستمرار في أعماله السينمائية سواء بطريقة مباشرة ، أو بطريقة غير مباشرة عن طريق الترميز و الإيحاء، وكذا عن طريق تسخير الإمكانيات اللامتناهية لأدوات الاشتغال السينمائي من ضوء وكاميرا ، وإطلاق العنان للخيال الفني الذي لا حدود له.
هذه القدرات الإبداعية التي يستطيع الناقد المتخصص رصدها، كما يمكن للمشاهد الشغوف بالفن السينمائي التقاطها أثناء مشاهدته لأعمال حكيم بلعباس جعلت من هذا المخرج مبدعا سينمائيا يضفي على أعماله مسحة فلسفية مستوحاة من عمق الثقافة الشعبية ، ومن المحكيات ومشاهد الحياة اليومية للبسطاء في مدينة أبي الجعد، التي سكنت وجدانه وتفكيره، لدرجة أنها اختلطت مع الجينات الوراثية التي نقلها إلى ذريته التي أصبحت بدورها عاشقة للمدينة التي شكلت مرقدا أبديا للولي الصالح “سيدي بوعبيد الشرقي”.
تتخذ اللمسة الفلسفية التي طبعت الأعمال السينمائية لبلعباس أشكالا مختلفة بدءا بعناوين أفلامه كما يتجلى ذلك من خلال شريط “خيط الروح” الذي برع في تطويعه لنقل رؤيته للأمومة وللتسلسل البشري عبر الزمان، وكذلك الشأن بالنسبة لفيلم “عرق الشتا ” المليء بالإيحاءات التي تحفز على التفكير العميق لدى المشاهد لاستجلاء الخيط الرابط بين قطرات ماء المطر، وقطرات العسل، وقطرات الدم والحليب.
وتمتد هذه اللمسة الفلسفية لتحضر أيضا في شريط “شي غادي وشي جاي” المستوحى من التتبع اليومي لامرأة “غلبها الزمن” للصخب والحركية الدؤوبة للمحطة الطرقية بأبي الجعد، كما تحضر هذه اللمسة في فيلم “ثقل الظل” الذي تناول فيه المخرج جانبا من ماضي الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان وذلك مكن منظور فني متشبع بحمولة إنسانية عميقة.
لم تكن فضاءات مدينة أبي الجعد والمحكيات التي علقت بذاكرة حكيم بلعباس لوحدها مصدر إلهام له عند حبكه لأعماله الفنية ، بل كانت للتجربة المتميزة لهذا المخرج السينمائي روافد أخرى تعكس انفتاحه الثقافي والفكري المغاير لما تعود عليه المتتبعون لدى العديد من السينمائيين المغاربة الذين ارتبطوا بالمدرسة الفرنسية ، بينما اغترف بلعباس من معين المدرسة الأنكلوسكسونية.
تحدث بلعباس خلال لقاءه المفتوح مع الطلبة عن هذه الخلفية في ثقافته، حيث أشار على الخصوص للقيمة الأدبية الكبيرة التي يزخر بها الأدب الإفريقي المكتوب بالإنجليزية ، إلى جانب الأدب الإنجليزي عموما، دون أن يسقط من الحسبان الأدبين العربي والفرنسي شعرا ورواية.
أما بخصوص الرافد السينمائي في تجربة بلعباس، فقد ردد خلال لقاءه المفتوح باستمرار أسماء كبيرة ، وعناوين لأشرطة تحتل مكانة مرموقة في الفيلموغرافيا العالمية ، من قبيل “العراب” للكبير فرانسيس فورد كوبولا، كما ظل يردد اسم مارتان سكورسيزي، وعباس كيروستامي ، وفيتوريو دوسيكي، وكيروزاوا، وغيرهم.
كان حكيم بلعباس طيلة لقاءه المفتوح مساء أمس ، الثلاثاء ، تلقائيا في حديثه لدرجة مطبوعة ب”عفوية الطفولة” ، وكأنه يريد أن يقول ل”جمعية الأطلسين للثقافة والفكر والفنون “بتارودانت، ” شكرا على هذه الفرصة الجميلة التي أتحتم لي للبوح بمشاعري وقناعاتي الفنية، وشكرا على التكريم الذي أحطتموني به في أول دورة للمهرجان الدولي للسينما والتاريخ بتارودانت”.
اكتشاف المزيد من azulpress.ma
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
التعليقات مغلقة.